الصحفيات تتأثرن نفسياً بعملهن على قضايا العنف
تعاني الصحفيات العاملات على قضايا العنف وخاصة النساء، من عدة ضغوط تحول دون قدرتهن على الحياة بشكل طبيعي، وذلك تأثراً بالأحداث التي تترك بعض الألم بداخلهن لا تستطعن التغلب عليه، ويؤثر على سلوكهن وصحتهن النفسية.
أسماء فتحي
القاهرة ـ الصحفيات العاملات على قضايا العنف بشكل عام، قريبات من الأحداث وترين بحكم عملهن تفاصيل ومشاهد تنزع سلامتهن وأمانهن الشخصي، وغير ذلك من الأمور التي تدفع بهن للجوء لأطباء نفسيين، باحثات عن يد عون تساعدهن للنجاة من الكوابيس والخوف.
لا يقتصر واقع الصحفيات على كونهن معرضات للضغط النفسي نتاج تأثير قضايا العنف عليهم، بل أنهن وفق رواية الكثيرات تتعرضن للانتهاكات ذاتها أثناء ممارسة عملهن، وتحتجن للكثير من أدوات الحماية، بينما بعضهن آثرن ترك ملف العنف كاملاً واختيار نطاق آخر للتغطية، فيما فرت أخريات نحو مجال آخر تاركات مهنة الصحافة ومتاعبها ساعات للنجاة بما بقي لديهن من اتزان باحثات عن مساحة سلام نفسي وبدني ومجال أقل خطورة مما كن عليه.
تغطية قضايا العنف تترك آثاراً نفسية سلبية على الصحفيات
تعاني الصحفيات من مجموعة أزمات مركبة نتاج تأثرهم السلبي بالقضايا التي يعملون عليها وفي مقدمتها العنف الموجه للنساء وقد تم الوقوف على حجم هذه الآثار مؤخراً وحاز ذلك على اهتمام عدد من الجهات المحلية والدولية محاولين التعامل مع هذا الأمر وتقديم الدعم خاصة النفسي.
وقالت الكاتبة والصحفية والمدربة الإعلامية فاطمة خير، أن تغطية قضايا العنف الخاصة بالنساء تترك آثار نفسية سلبية على من تقمن بها، وإدراك هذا الأثر بات شائعاً خلال الفترة الأخيرة.
وعن بداية التعرف على تأثير التغطيات الصحفية على القائمين بها، أكدت على أنها تزامنت مع ظهور فيروس كورونا، ومن هنا استقر الوعي بها لدى الصحفيين أنفسهم، وكذلك الجهات الداعمة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.
وعن النتائج المباشرة لهذا التأثير أوضحت، أنها خطرة للغاية فعادة ما يتمثل في الاجهاد الذهني والإجهاد المفرط فضلاً عن عدد من التواقيع والآثار النفسية والعصبية.
ولفتت إلى أن الوعي في الفترة الأخيرة برعاية الحالة النفسية للصحفي قد زاد معدله، ووجود عدد كبير من المؤسسات تعمل على رفع وعي الصحفي بعدم تعريض نفسه للإجهاد النفسي أو العصبي أو حتى البدني مع ضرورة وجود حد للتعرض لتلك المخاطر.
وقالت إنها عملت على قضايا المرأة لسنوات طويلة ولم تكن تدرك أن ذلك يترك آثاره النفسية السلبية عليها والآن تعي أن ذلك أمر واقع، مضيفةً أنها تدعم فكرة الوعي بأهمية الحفاظ على الاتزان النفسي في العمل الصحفي وذلك لغياب الاهتمام بمعاناة الصحفيين الذين يعملون على قضايا شديدة الخصوصية وما تتركه عليهم من آثار نفسية وعصبية.
وأكدت على أن الصحفيات بتن مدركات لحجم ما يقع عليهن من آثار نفسية وعصبية والبعض بالفعل طلبن المساعدة للتخلص منها حتى تتمكنوا من التوازن الذهني والعصبي عموماً وأثناء العمل على هذا النوع من القضايا على وجه التحديد.
ومن جانبها قالت الصحفية فاتن صبحي، إن النساء عموماً تتأثرن بأزمة العنف وعادة ما تنتابهن حالة من الخوف فالصحفيات أكثر إلماماً بما يحدث على الأرض والمتخصصات منهن في قضايا النساء الأسوأ حظاً على الإطلاق، لأنهن تتابعن التفاصيل الدقيقة التي قد لا تصل لعلم الكثيرات من خارج ذلك الملف، وهن الأكثر عرضة لتلك الآثار.
وأشارت إلى أن الأزمات الأخيرة أثرت عليها بشكل مباشر فأصبحت عصبية وتعاني من الأرق نتيجة تخيل تفاصيل الجريمة الواقعة، وانعكست تلك المشاعر على المحيطين بها ولمسوا حجم الضغوط التي تمر بها نتاج ما تتابعه من أخبار وتعمل عليه من تقارير خاصة المرتبط منها بملف العنف.
وأوضحت أن قتل زميلتها شيماء جمال على يد زوجها القاضي أيمن حجاج كانت أكثر القضايا ذات الواقع الصادم عليها وذلك لأنها أثبتت أن العنف قريب والخطر بات وشيكاً، فقد تخلل دوائرها ومحيطها الضيق فالضحية هذه المرة كانت من الوسط الصحفي وهو ما أربكها وأصابها بالتوتر والخوف.
وأضافت أنها تعرضت لنفس الانتهاك على يد أحد أفراد الشرطة أثناء عملها حينما كانت تسجل مع امرأة حصلت على حكم تمكين من شقة الزوجية ولأسباب لا تعلمها حتى الآن، حكم للزوج أيضاً بالإمكان وأثناء استماعها للمرأة فوجئت بتهديد الشرطة لها وطالبوها بالذهاب وترك المكان رغم أنها لم تكن تصور الحضور الشرطي فتحولت من صحفية تقوم بمهامها في لحظة لمتهمة.
ونصحت الصحفيات بضرورة الفصل بين ما يحدث في المجال العام من اعتداءات وانتهاكات وحياتهن الخاصة، معتبرة أن النجاة تكمن في وضع حاجز نفسي كلما كان الأمر ممكناً، فضلاً عن ضرورة ممارسة أنشطة هوايات ترفيهية، بالإضافة للعمل على تطوير الذات وتنمية الوعي من خلال الاطلاع على الكتب النفسية ومعاودة الطبيب أن لزم الأمر.
وأوضحت أنه بجانب الدور المنوط بنقابة الصحفيين يجب أن تكون للمرأة لجنة داخل النقابة تؤثر فعلياً في واقع الصحفيات وليست مجرد حبر على ورق، لتستمع لأزمات الصحفيات خاصة ما يتعلق منها بانتهاك حقوقها ومساحتها الخاصة، وعلى المؤسسات الصحفية أيضاً أن توفر ضمانات حماية على الأقل لتتمكن الصحفيات من الحصول على من يحميهن عند الضرورة، وللمجتمع المدني دور أيضاً من خلال اقامة جمعيات متخصصة في قضايا الصحفيات تتبنى معاناتهن خاصة تلك المبنية على أساس النوع الاجتماعي.
بينما قالت الصحفية المتخصصة في قضايا المرأة مادلين نادر أن العنف يؤثر اجتماعياً على الجميع، إلا أن الصحفيات بحكم عملهن ملزمين بتغطية الأحداث ولذلك تدركن تفاصيل الجريمة، وقد تضطر الكثيرات منهن لمشاهدة فيديوهات ذات محتوى صادم لتتمكن من العمل عليها وهو بالتبعية ما يؤثر عليهن سلباً وتوقعهن في قبضة التأزم النفسي.
وأضافت أن العام الجاري على وجه التحديد كان الأكثر تهديداً لسلامة وأمان الصحفيات النفسية مع ارتفاع معدل العنف وفجاجته ووصوله للشارع كنيرة أشرف وسلمى وغيرهن، بل وزاد أيضاً معدل الانتحار وهو الأمر الذي جعل، الكثيرات ممن تمتهنون الصحافة يرون أن تلك الحالة ليست بعيدة عنهن وبتن تحت تأثير الضغط المضاعف على حياتهن الشخصية والاجتماعية.
وأشارت إلى أنها بالفعل تضررت خاصة في حياتها الاجتماعية وبات الخوف والقلق مرافقها سواء على نفسها أو المحيطين بها، مشيرة إلى أنها اتجهت لحماية نفسها بالابتعاد عن مشاهدة الفيديوهات ذات المحتوى العنيف بشكل عام.
وأكدت على ضرورة وجود لجنة بنقابة الصحفيين لتلقي الشكاوى وتقديم الدعم النفسي للإعلاميات والصحفيات بشكل مباشر مع حماية البيانات وسرية اللقاءات لأن النقابة هي الجهة الأكثر تنظيماً وعلماً بقضايا المهنة وتبعاتها.
وأضافت أن عدد كبير من الصحفيات لجأن إلى الابتعاد عن تغطية أحداث العنف مهما كلفهن الأمر من خسائر في محاولة منهن لحماية سلامتهن النفسية، فيما راحت أخريات تحضرن جلسات استماع وتعاودن أطباء نفسيين سعياً للتخلص من حالة الغضب التي سيطرت عليهن جراء الجرائم الأخيرة.