القصف واستهداف المنشآت التعليمية يهددان مستقبل الأجيال في إدلب
تواجه العملية التعليمية في إدلب، صعوبات عديدة أبرزها العمليات العسكرية والقصف الممنهج الذي يهدف إلى تدمير البنية التحتية للقطاع التربوي والتعليمي، ما أدى لعزوف مئات الطلاب عن متابعة تحصيلهم العلمي خوفاً من الاستهداف.
هديل العمر
إدلب ـ في ظل الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها قطاع التعليم في مناطق الشمال السوري، ترى المعلمة إخلاص مندو أن خيار التعلم عن بعد هو الأمثل في مثل هذه الظروف، إذ أنه سيحد بشكل كبير من التسرب والانقطاع الدراسي، ويضمن شيئاً من الأمن والاستقرار للطلاب وذويهم.
كاد الطفل يوسف عبد العزيز (12) عاماً وهو طالب في المرحلة الأساسية، أن يفقد حياته نتيجة إصابته بشظايا متفرقة في أنحاء جسده، بعد قصف مدفعي وصاروخي استهدف مدرسته في بلدة آفس الواقعة بريف إدلب الشرقي بداية الشهر الجاري.
وتقول منار الخالد (32) عاماً والدة يوسف عبد العزيز، إنها امتنعت عن إرسال طفلها للمدرسة نتيجة الحالة الأمنية الصعبة والتصعيد العسكري المستمر بين أطراف النزاع في المنطقة، إذ أنها كادت تخسر طفلها الوحيد الذي سيعاني من إعاقة دائمة في قدمه اليسرى على خلفية إصابته، خاصة وأن المدرسة باتت تشكل له هاجساً نفسياً صعباً لا يذكره إلا بالخوف والقصف وأصوات الصواريخ والقذائف.
وأوضحت أنها غير سعيدة بانقطاع ابنها عن المدرسة خاصة وأنه من الطلاب المتفوقين والأوائل، إلا أنها باتت مجبرة للحفاظ على حياته بعد أن تكررت عمليات قصف المدارس والمنشآت التعليمية التي انتهت بقصف مدرسة ابنها وإصابته مع معلمته، ما يمنعها من المجازفة وإرساله لاستكمال تحصيله العلمي.
وأشارت إلى أن معظم أطفال القرية محرومين من التعليم بسبب القصف المتبادل الذي لا يأخذ في عين الاعتبار تجنب المدارس التي تعتبر عمليات استهدافها جرائم حرب لأنها تؤدي لدمار العملية التعليمية والتربوية وتهدد بظهور جيل أمي لا يعرف أدنى أساسيات القراءة والكتابة.
الطفل يوسف واحد من مئات الأطفال الذين أصيبوا أو قتلوا نتيجة القصف البري والجوي في العمليات العسكرية الأخيرة التي لم تسلم منها المدارس والقطاعات التعليمية، وهو ما أدى لتضرر 17 منشأة تعليمية ومدرسة، بما فيها مبنى مديرية التربية والتعليم في مدينة إدلب، منذ بداية العام الدراسي الحالي وحتى الآن.
لم تكن رويدة عرفات (28) عاماً، تعلم بأنها ستفقد طفلها أحمد ذو العشرة أعوام، نتيجة إصابته بقذيفة صاروخية وهو في طريقه إلى المدرسة، لتخسر بذلك أكبر أطفالها أثناء بحثه عن أبسط حقوقه في التعليم ومتابعة تحصيله الدراسي.
"نرسل أطفالنا للتعلم فيعودون جثثاً هامدة"، بهذه الكلمات تعبر رويدة عرفات عن حزنها وألمها على طفلها الذي فقدته أواخر العام الماضي في مدينة إدلب، ما دفعها لعدم إرسال بقية أطفالها إلى المدارس خوفاً على حياتهم من أي أذى أو مكروه.
ولا تخفي شعورها بالألم والحسرة على أطفالها كونهم دون تعليم ومنقطعين عن الدراسة، ولكن "ما باليد حيله" على حد وصفها، فإما أن تكابد عناء الخوف والقلق عليهم، وإما تتوقف عن إرسالهم إلى المدرسة وهو ما رأته الحل الأنسب بعد فقدانها لطفلها الأكبر.
ووصلت نسبة الأطفال المتسربين من الدراسة إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة في الشمال السوري، الذي شهد أكثر من 318 ألف طفل متسربين من التعليم، بينهم 78 ألف طفل في مخيمات النازحين وفقاً لإحصائيات محلية ورسمية.
من جانبها ترى إخلاص مندو (35) عاماً وهي معلمة مقيمة في مدينة إدلب، أن القطاع التعليمي يشهد انتكاسات مستمرة نتيجة القصف المتبادل واستهدافهم للمدارس والمنشآت التعليمية التي غدت إحداثيات لفوهات المدافع والراجمات، وهو ما يمنع قسم كبير من الأهالي من المجازفة وإرسال أطفالهم إلى المدارس.
وأوضحت أن حالة الفلتان الأمني وغياب الاستقرار التي تشهدها المنطقة منذ أعوام، أدت لظهور جيل أمي لا يجيد أدنى مستويات التعليم، وهو ما وصفته "بالجريمة" التي لا تغتفر، بسبب ضياع مستقبل جيل كامل في براثن الجهل والظلام.
وأشارت إلى أن خيار التعلم عن بعد هو الأمثل في مثل هذه الظروف، إذ أنه سيحد بشكل كبير من التسرب والانقطاع الدراسي، ويضمن شيئاً من الأمن والاستقرار للطلاب وذويهم، في ظل الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها التعليم في مناطق الشمال السوري.