النساء في الأحياء الشعبية مقيدات بالعرف المجتمعي

النساء في الأحياء الشعبية المصرية تعانين من العنف والتمييز الواضح في جميع مناحي الحياة كالتعليم والعمل، بل والتعاملات الإنسانية اليومية وجميعها أفعال تنال من حقوقهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ ولادة امرأة في حي شعبي مصري تسلبها جانب ليس بالقليل من حقوقها الإنسانية فأغلب السكان به يعرفون عن بعضهم الكثير وهو أمر في غاية التعقيد لكونه رغم مساحة الأمان التي يوجدها إلا أنه في ذات الوقت يشكل تهديداً للخصوصية الفردية أو الأسرية ويحول دون قدرة الكثيرات على الخروج عن العرف السائد والاختيار لأنفسهن بعيداً عن السلطة الأبوية.

يعد نقص الوعي والخوف من الوصم المجتمعي أحد أكبر الأزمات التي تواجه النساء في منطقة بولاق الدكرور بمدينة الجيزة، وكذلك الأعباء التي تتحملها النساء بفعل الأزمة الاقتصادية، وهو الأمر الذي انسحب على الصحة العامة للأفراد هناك وأيضاً القبول الضمني ببعض الممارسات والانتهاكات التي قد تنال من حقوق النساء.

لمعرفة احتياجات النساء والمشاكل التي تواجههن في حي بولاق الدكرور كان لوكالتنا حوار مع نائب مدير إدارة المرأة في المركز الإعلامي لحقوق الإنسان "الرئيسي"، ورئيسة لجنة الشؤون الاجتماعية بحزب حماة وطن في تلك المنطقة ضحى عمران.

 

تعملين في منطقة شديدة الخصوصية (بولاق الدكرور) فهلا حدثتينا عن أكبر أزمات النساء هناك؟

نعمل في منطقة شعبية وبالتالي أهم الأزمات التي نواجهها تتمثل في قلة الوعي لدى المرأة التي قد لا تدرك حقوقها وحتى لا تملك القدرة على التقرير لنفسها في المشكلة أو الانتهاك الذي قد تتعرض له.

وحينما نعمل معها على الإجراءات التي تحتاجها خاصة في النطاق القانوني نجد أن هناك أمر أكثر تعقيد متمثل في العنف الذي قد يمارس عليها من المحيطين ووصمها مجتمعياً، وهو ما يدفعنا للجوء لحلول بديلة قد يكون جانب منها غير منصف لها.

وأغلب الحالات يتم التعامل معها بالحلول الودية لخوف الكثيرات من سلك المسار القانوني نظراً لأن الكثيرات يعزفن عن ذلك وتطلبن التدخلات العرفية "الودية" حتى لا يتم تصنيفهن أو وصمهن في الحي الذي تعشن به.

وهناك نسبة من التحرش والابتزاز ولكنه بدرجة أقل وعادة ما يتم الانحياز في تلك الوقائع لسلك نهج الحفاظ على سمعة الفتاة وهو الأمر الذي ينتج عنه هدر لحقوقها في كثير من الأحيان.

 

إلى أي مدى ترين المؤسسات النسوية فاعلة في المناطق الشعبية ومنها بولاق الدكرور؟

المؤسسات النسوية توجه الكثير من الجهود للمناطق الشعبية بالفعل خاصة أن الأهالي هناك يفتقرن للتفكير الحقوقي النسوي وبحاجة حقيقية لجميع أوجه الدعم الممكن.

ولكن الأزمة أن التوعية مازالت لم تتحقق بالقدر المرجو وهو الأمر الذي يستدعي تكاتف الجهود من أجل إحداث الأثر الحقيقي على أرض الواقع وبالتالي تغيير ما يقع على كاهل النساء من أعباء هناك.

والأزمة في المناطق الشعبية تكمن في عدم القبول المجتمعي للعمل النسوي الحقوقي لأن عدد ليس بالقليل من الرجال هناك يرون أن هذا النوع من العمل موجود فقط لـ "خراب البيوت" أو تقوية المرأة على زوجها للخلاص منه ورفض ما يطلبه منها، وهناك مما يتطلب دراسة فعلية للواقع للتمكن من العمل على تغييره.

 

تعملين مع النساء في بولاق الدكرور وأيضاً المجلس القومي لحقوق الإنسان وداخل تنظيم حزبي... فماذا تقدمين للنساء وما أبرز مطالبهن؟

طلب المعاش أو الدعم المالي أحد أكبر الاحتياجات التي ترد إلينا خاصة أن الكثيرات لا تدركن المسار الإجرائي للحصول على هذا الدعم، وهو الأمر الذي نوليه اهتماماً كبيراً بتوجيههن للمنافذ الحكومية والجهات المختصة والفاعلة بالملف.

كما أننا نقدم عدد من الخدمات للنساء بشكل مباشر ونعمل على تذليل الكثير من الصعوبات أمامهن وفي الكثير من الأوقات أصطحب الحالات لمكتب الشؤون الاجتماعية لإنجاز الإجراءات المطلوبة، وعادة ما يتم إنجاز الأمر نتيجة التعاون معنا.

كما أننا نعمل على أغلب الطلبات التي ترد إلينا ولدينا نشاط توعوي ميداني لكوننا نرغب في رفع الوعي بالحقوق داخل الأحياء الشعبية ومنها بولاق الدكرور.

 

نماذج المشاكل التي يتعرض لها الأهالي هناك في بعض الأحيان مختلفة هلا تحدثتي عن بعضها؟

أتت إلينا الكثير من المشاكل التي كادت أن تودي بأرواح فتيات ومنها على سبيل المثال ترك فتاة بيت أهلها للزواج بشاب تراه الأسرة غير قادر على الزواج والإنفاق، وهو الأمر الذي تفاقمت حدته وتم التدخل فيه بشكل ودي حتى تم القبول بالزيجة، وكثيرة تلك الأزمات التي قد تهدد حياة الفتيات والنساء.

ولغياب الوعي نستقبل الكثير من حالات الإهمال الذي ينتج عنه في بعض الأحيان إعاقة الأطفال، وواحدة من الحالات كانت لطفل يعاني منذ ولادته من وجود كهرباء في الدماغ، وتم إهماله لسنوات طويلة حتى بات طريح الفراش كلياً في سن الـ 12 عام، وهذا النوع من الأزمات لا يفرق بين ذكر أنثى بل ينال من الجميع.

ويحدث جانب من الأزمات الصحية في الأحياء الشعبية جراء عدم الوعي بما قد تؤول له الأمور مستقبلاً، والجانب الآخر مرتبط بشكل أساسي بالتعثر المادي الناتج عن سوء الأوضاع الاقتصادية، وهو الأمر الذي لا يجعل من الصحة العامة للأفراد أولوية وفي حال إدراك البعض ذلك قد لا يملكون المعرفة أو القدرة المالية على متابعته بشكل دوري وحماية النفس والأطفال.

 

إلى أي مدى ترين أن النساء مقيدات ولسن صاحبات قرار؟

أغلب النساء هناك مقيدات ولسن صاحبات قرار بسبب سلطة الذكر المستندة للنوع الاجتماعي بالأساس، فهناك أدوار تم التعارف عليها تجعل الرجل في مرتبة أعلى من المرأة وهو ما ينسحب على باقي أوجه الحياة.

والنساء مقيدات بقرارات الرجال ولا يمكنهن الخروج عنها مهما كانت معرفتهن وقدرتهن على اتخاذ القرار المناسب، فهناك عرف وعادات وتقاليد هي أساس المعاملات التي لا يمكن الخروج عنها.

ويمكن القول إن الصبغة العامة تعطي السيادة للرجل وهناك وصم اجتماعي للذكور ممن يستجيبون لآراء النساء في الأحياء الشعبية، وكذلك وصم مضاد لكل امرأة تخرج عن القواعد المتوافق عليها مجتمعياً، وتحاول تحقيق ذاتها أو لعب أدوار لا يراها المحيطين بها ملائمة لها، الأمر الذي يجعل الكثيرات لا تستطعن المواجهة، وإجمالاً الواقع يحتاج بالفعل لتدخل وتضافر للجهود من أجل تغييره.