النساء السودانيات تواجهن تداعيات النزاع الخطيرة

في ظل الاحتفال بإنجازات المرأة حول العالم، تبرز الحاجة لدراسة أسباب الانتهاكات التي تواجهها النساء في السودان مما يضع لبنة للمعالجة والتصدي للعنف الجنسي ضمن القوات النظامية وغير النظامية وبناء السلم المجتمعي.

سلمى الرشيد

السودان ـ تزامن احتفال هذا العام بيوم المرأة العالمي، مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لإعلان ومنهاج عمل بيجين، الذي وضع خارطة طريق لتمكين المرأة، وأكد على أن "حقوق المرأة هي حقوق إنسان"، وعلى الرغم من التقدم الكبير في حقوق المرأة منذ اعتماد المنهاج في عام 1995، إلا أن العالم يشهد أزمات جديدة ومتداخلة.

قالت عضوة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان أديبة إبراهيم السيد لوكالتنا، إن النزاع المستمر منذ الخامس عشر من نيسان ٢٠٢٣ شارف على دخول عامه الثاني أدى إلى مشاكل صحية وغذائية ونفسية يعاني منها العديد من النساء في السودان.

وأشارت إلى أن هناك ١٧٦ ألف امرأة حامل تعانين من سوء التغذية وكذلك ٨٥٠ ألف مرضعة، ٤٥ ألف طفل ماتوا بعد إصابتهم بسوء التغذية منذ بداية النزاع وحتى الآن، وأن عدد وفيات النساء بلغ ٦٨٠ ألف امرأة حامل وأكثر، في ظل حصار مطبق على ولايات جنوب كردفان، وهناك أكثر من ٥٤ ألف امرأة يعانين من سوء التغذية ومرض السل.

وأكدت على أن الاغتصاب يعد الجريمة الأكبر في البلاد ومنذ بداية النزاع تم حصر حوالي ٣٧٠ حالة في كل أرجاء السودان وازدادت إلى ٦٧٩ حالة، كما تمت ٤٨ حالة إجهاض ١٢ بمستشفى "النو" بمدينة أم درمان و٣٦ حالة في مستشفى "شندي"، وهناك ٤ حالات ولادة بمستشفى "النو" وتم التخلي عنهم وأصبحوا مجهولي الهوية.

وشددت على ضرورة البت في أمرهم من قبل منظمة "اليونسيف" أو من القانونيين والمنظمات التي تهتم بالطفولة، مضيفةً أن حالات التخلي عن الأطفال هذه فقط الحالات التي وصلت الحقل الصحي في المراكز والمشافي المختلفة، وكل الحالات وصلت في حالة صحية مزرية تعاني من إشكالات صحية متعددة أبرزها النزيف الحاد.

وأكدت أديبة إبراهيم السيد أن كل عمليات الاغتصاب تحتاج لبرتوكول علاجي للحماية من الأمراض المنقولة جنسياً وأيضاً الحمل "للأسف هناك صعاب تواجهنا في إتمام عملية البرتوكول العلاجي"، وارجعت ذلك لعدة أسباب أهمها هو وصمة المجتمع والعار والأسرة التي تعتقد أنها فقدت شرفها، إلى جانب عدم التعاطف مع الضحية التي قد تقدم على الانتحار.

هناك إحصائيات تشير إلى أن هناك حوالي ١٣٥ ضحية انتحرت حسب إحصائيات منظمة حقوق الإنسان للجندر، وهناك من قتلن من قبل أسرهن، بالإضافة إلى عدم التسجيل بالأسماء الحقيقية والتسجيل بأسماء وهمية، وأحيانا يتم التحفظ كما تفضل الناجيات الاختفاء الفوري بعد العناية الصحية. 

كما ذكرت أديبة السيد أن تعرض المشافي للاحتلال من قبل قوات الدعم السريع، والقصف من قبل الجيش السوداني، يقود إلى فقدان كشوفات الدخول للمشافي لحالات الاغتصاب إلى جانب هجرة الكوادر الصحية وعدم وجود ممرات آمنة.

ولفتت إلى أن هذا العام السودان يواجه انهيار كامل للنظام الصحي والصحة "إن جميع المرافق الصحية دُمرت بنسبة ٩٠% مما أدى إلى خروج المراكز والمشافي عن الخدمة، وأغلب المنظمات التطوعية والدولية عملت على محاربة المجاعة التي عمت العديد من ولايات السودان في ظل ارتفاع حاد في الأسعار بل وانعدامها وانهيار الوضع الصحي والانتهاكات الجنسية المروعة".

بحسب الإحصائيات في النظام الصحي، فإن هناك انتشار واسع لمرض الكوليرا التي حصدت أكثر من ٣١٦ ألف روح، وحمى الضنك التي أدت إلى وفاة أكثر من ٥٧٦ ألف، كذلك انتشار كل أنواع الحميات، الملاريا والسل وسوء التغذية للنساء الحوامل والمرضعات.

بدورها طالبت عضوة مبادرة "لا لقهر النساء" هند التجاني بضرورة وقف النزاع نظراً لأن الأكثر تضرراً من هذا النزاع هم النساء والأطفال، لذا يجب التفكير في الحل وليست المشكلة، مضيفةً "أول الحلول هي إيقاف النزاع من أجل عدم زيادة أعداد الضحايا من النساء، في ظل الوصمة المجتمعية التي تلاحق الناجيات من عمليات الاغتصاب وأن المجتمع لا يتقبل هذا".

وأكدت على أن تلك المشكلة مسؤولية مجتمعية ويجب العمل على إيجاد الحلول الاجتماعية من خلال توفير الدعم النفسي للضحايا وعدم التشهير بهن، لافتةً إلى أهمية نقل الضحايا إلى مناطق آمنة ومعالجتهن في مناطق يسهل فيها وجود الدعم النفسي والصحي.

وشددت هند التجاني على وقف النزاع عبر العمل الجاد بالضغط بقوة على الطرفين، من خلال مبادرات جادة، وحملات مثل حملة "حياتي حق"، وضرورة القيام بالتوعية المجتمعية التي تحارب وصمة العار للناجيات.

المرأة قادرة على تخطي الصعاب

من جانبها قالت الناشطة الحقوقية مي مأمون إنه فيما يحتفل العالم بالثامن من آذار تمر المرأة السودانية بأصعب الظروف على الإطلاق بسبب تداعيات النزاع الذي شارف على عامه الثاني وتعاني المرأة السودانية من ظروف معيشية بالغة التعقيد وانتهاكات تطالها بأعنف ما يمكن سواء داخل المناطق التي تدور فيها معارك أو داخل مراكز الإيواء أو في مناطق النزوح واللجوء.

ولفتت إلى أن استخدم الاغتصاب والعنف الجنسي خلال النزاع كسلاح ضد المدنيين ورغم أن أغلب الانتهاكات وقعت على النساء، إلا أن هذا العنف لم يستثني الرجال وحتى الأطفال الرضع، وهنا تبرز الحاجة لبناء القدرات في مجال توثيق الانتهاكات ليس بغرض المناصرة ولفت الأنظار للقضية، وإنما رصد بطريقة مهنية تقود إلى المحاسبة الجنائية لتحقيق واحد من أهداف العدالة الانتقالية مما يضمن استدامة السلام.