العنف ضد النساء في لبنان... قوانين ينقصها التطبيق!
تمكنت منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية في لبنان من الوصول إلى إقرار قوانين تعنى بمكافحة العنف ضد النساء، إلا أن التنفيذ العملي لهذه القوانين لا يزال يشكل تحدياً يحرم النساء من تحقيق العدالة.

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ معاناة النساء في لبنان مستمرة بسبب العنف والتمييز، كما تواجهن تحديات كبيرة في تحقيق العدالة والمساواة، على الرغم من الجهود المكثفة التي أدت إلى إقرار قوانين خاصة بحماية النساء من العنف وتسعى لتحقيق تغيير تدريجي عبر المناصرة المستمرة والعمل المشترك.
رغم جهود منظمات المجتمع المدني المستمرة لتحسين أوضاع النساء من الناحيتين القانونية والاجتماعية، إلا أن النساء ما زلن تعانين من مظاهر عنف متعددة، تتجلى بشكل خاص بسبب الهيمنة الذكورية المتجذرة في المذاهب المختلفة والسلطة الدينية، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، الحروب المتكررة، والاعتداءات الإسرائيلية، من جهة أخرى، يُعزز نقص الوعي لدى النساء بحقوقهن من تفاقم هذه المظاهر المؤلمة، مما يجعل الحاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فعالة.
وتتمثل الحلول الأساسية في استعادة الحكومة لدورها التشريعي وتطبيق قوانين شاملة من خلال المجلس النيابي، خصوصاً فيما يتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، يشمل ذلك إصدار قانون أحوال شخصية موحد يجعل الحكومة المرجع الوحيد لجميع المواطنين بعيداً عن القوانين الطائفية، إلى جانب تعزيز دور القضاء النزيه وتسريع آليات المحاسبة وتطبيق العقوبات الرادعة لضمان الحماية الكاملة للنساء في مواجهة العنف.
تأثير الهيمنة الذكورية والسلطة الدينية على حقوق النساء
وتعقيباً على ذلك، قالت منسقة التواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني رشا وزني، إن "معاناة النساء والفتيات في لبنان لا تزال مستمرة، حيث لم نتمكن بعد من تحقيق العدالة والمساواة بشكل كامل، رغم الجهود المستمرة"، مرجعة السبب إلى "النظام المجتمعي الذكوري والأبوي المتجذر في تقاليد وعادات تعيق تمكين النساء وتحرمهن من حقوقهن الأساسية، هذه التقاليد تحد من أدوارهن وتحصرهن في أنماط محددة تفرضها الأعراف الاجتماعية".
وأشارت إلى أن "الوضع الاقتصادي المتدهور يزيد من حدة هذه المشكلات، إذ يسهم في استغلال النساء والفتيات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ويدفع ببعضهن إلى الزواج المبكر، بالإضافة إلى ذلك، تُسهم السلطة الدينية في تعزيز الأدوار التقليدية المتعلقة بالنساء، مما يؤدي إلى تهميش دورهن وتقويض حقوقهن، هذا الوضع يتفاقم بسبب غياب قانون موحّد للأحوال الشخصية، حيث تخضع كل امرأة أو فتاة لقوانين المحكمة الروحية التابعة للمذهب الذي تنتمي إليه، سواء فيما يتعلق بسن الزواج أو الحضانة وحقوق النفقة وغيرها من القضايا المرتبطة بقوانين المحاكم الروحية المتعددة".
ولفتت إلى أن "نقص الوعي المجتمعي بحقوق النساء والفتيات، وأهمية تمكينهن من أداء دورهن الحيوي في المجتمع، والذي يسهم في تطويره جنباً إلى جنب مع الرجل، فالرجال يُعتبرون شركاء أساسيين في إنهاء العنف ضد النساء وتعزيز العدالة الاجتماعية".
الأعراف الاجتماعية والوضع الاقتصادي
وأوضحت "رغم التحديات، شهدت السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً بفضل جهود منظمات المجتمع المدني والنشاط النسوي على الأرض، حيث تم تحقيق العديد من الإنجازات، أبرزها رفع مستوى الوعي بقضايا العنف ضد النساء وحقوقهن، وخلق رأي عام مناهض لهذا العنف، وهو ما بات واضحاً مع انتشار مواقع التواصل الافتراضي والتكنولوجيا الرقمية، كما أُقرَّت بعض القوانين مثل قانون العنف الأسري وقانون التحرش الجنسي، والتي تُعد خطوات مهمة في مجال الحماية القانونية".
ولكن بحسب رشا وزني فالتطبيق العملي لهذه القوانين لا يزال يعاني من ثغرات تحد من فعاليته، مما يستدعي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المعتدين، وتطوير آليات تنفيذ تضمن تحقيق الأهداف المرجوة "رغم وجود بعض القوانين التي تهدف إلى حماية النساء، إلا أن تطبيقها لا يزال يعاني من ثغرات خطيرة، خاصة في ظل غياب سياسة واضحة تمنع الإفلات من العقاب، فعلى مدار سنوات، شهدنا جرائم قتل ارتُكبت بحق النساء دون محاسبة جدية، أو بعقوبات مُخففة ناتجة عن المحسوبيات أو ضعف في تطبيق القوانين على أرض الواقع، هذا الوضع أدى إلى ارتفاع ملحوظ في مظاهر العنف ضد النساء، بما في ذلك جرائم القتل والاعتداءات المتكررة".
فكما أوضحت "هناك تباطؤاً واضحاً أو غياباً للأولوية في معالجة قضايا أساسية تُشكل محور نضالنا المستمر، مثل قانون تحديد سن الزواج بـ 18 سنة وتجريم تزويج القاصرات، بالإضافة إلى ضرورة إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية".
وترى أنه لمجابهة تلك التحديات بداية يجب رفع مستوى الوعي بين كافة فئات المجتمع، وليس النساء فقط، إلى جانب إلزامية التعليم والتمكين الاقتصادي للنساء، حيث يُعد التعليم عنصراً جوهرياً في بناء مجتمع واعٍ بحقوقه وأكثر تمكيناً.
وأكدت رشا وزني في ختام حديثها على أن الوصول إلى التغيير الجذري لا يتحقق بسرعة، بل هو عملية تدريجية تتطلب المناصرة المستمرة والعمل على الأرض والنضال الدؤوب لسنوات طويلة "سنواصل جهودنا لتحقيق صورة متكاملة من العدالة والمساواة، حيث يكون المجتمع خالياً من التمييز، وتتمتع فيه النساء والفتيات والرجال وجميع الفئات بحقوق متساوية وقدرة على أداء أدوار فاعلة تُساهم في تطور واستمرار صمود المجتمع اللبناني".
التربية الذكورية ودورها في ترسيخ التمييز
من جانبها قالت المحامية فاطمة الحاج عضوة "منظمة كفى عنف واستغلال"، أن ظاهرة العنف في المجتمع متجذرة وتُظهر نفسها في الحياة العامة والخاصة على حد سواء "نحن نعيش في مجتمع عنيف يتجلى عنفه بسلوكياته اليومية، إذ تتعرض المرأة في العديد من المشاهد الاجتماعية للقدح، الذم، والإهانة، مما يعكس استسهال العنف ضد النساء كجزء من الثقافة المجتمعية".
وأرجعت أسباب هذه الظاهرة إلى التربية الذكورية التي تكرس التمييز والعنف ضد المرأة، بالإضافة إلى القوانين المجحفة، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية المنتشرة بين الطوائف المختلفة والتي يبلغ عددها 18 طائفة و15 قانوناً، مشيرةً إلى أن "هذه القوانين تُرسخ مفاهيم الطاعة وتأديب المرأة، مثل منح الزوج الحق في تأديب زوجته في حال خرجت عن سلطته".
قانون الحماية نقلة نوعية بحاجة للتطبيق الفعال
وأكدت على أن "تساهل الحكومة في قضايا العنف ضد المرأة يظهر من خلال الأرقام المفزعة، حيث شهد عام 2024 حوالي 17 حالة قتل لنساء على يد أزواجهن، بينما كانت الأرقام أكبر في عام 2023"، لافتةً إلى أن هناك جرائم أخرى لم تُسجل بشكل رسمي، حيث تُفسر أحياناً كحوادث انتحار أو سقوط، مما يؤدي إلى عدم تحقيق العدالة.
رغم ذلك، أشارت إلى بعض التقدم الذي تحقق على صعيد تشريعات حماية النساء، مثل قانون حماية النساء من العنف الأسري لعام 2014، والذي أتاح تشديد العقوبات على الجناة وتسريع المحاكمات، مشددةً على ضرورة سد الثغرات في تطبيق هذه القوانين لضمان تحقيق عدالة حقيقية وحماية شاملة للنساء.
إنجازات تشريعية تُعزز الحماية القانونية للنساء
وأوضحت فاطمة الحاج أن قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، المعروف بالرقم 293، قد خضع لتعديل في عام 2020 لمعالجة الثغرات التي ظهرت أثناء تطبيقه، مشيرةً إلى أن "منظمة كفى عنف واستغلال" عملت على معالجة هذه الثغرات عبر اقتراح مشروع قانون للبرلمان، والذي تم تعديله في نفس العام تحت الرقم 204.
ولفتت إلى أن هذا القانون يحتوي على شقين رئيسيين، شق عقابي يشدد العقوبات على الجناة الذين يرتكبون العنف ضد أفراد الأسرة، خصوصاً النساء، وشق حماية يتضمن لأول مرة إجراءات محددة لحماية الضحايا "هذه الإجراءات تشمل تقديم الدعم من خلال مراكز منظمة "كفى"، حيث يُمكن للمعنفات طلب الحماية من العنف والضرر"، منوهةً إلى أنه بالرغم من وجود بعض النساء اللواتي لا تطلبن حبس المعتدي بسبب وجود الأطفال، في هذه الحالة القانون يُمكن الضحايا من اللجوء إلى قاضي العجلة لمنع المعتدي من العودة إلى المنزل الزوجي أو التقدم بطلب عدم التعرض، كما يمكنهن الحصول على سلفة نفقة ونقل الحاجيات الشخصية إذا أرادت المعنفة.
وبحسب فاطمة الحاج هذا القانون يُعد نقلة نوعية في تعزيز الحماية، لكنه يعتمد بشكل كبير على فعالية التطبيق لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وحماية النساء من العنف، مضيفةً "غياب المحاسبة الجدية يشجع على استمرار العنف ضد النساء، حيث يعيش المجتمع في ظل ثقافة ذكورية عنيفة تُسهّل ارتكاب الجرائم بحق النساء دون رادع حقيقي، ورغم وجود قوانين تُجرّم العنف والقتل ضد النساء، إلا أن تطبيقها غالباً ما يكون ضعيفاً وغير كافٍ لخلق تأثير رادع".
وتابعت "غياب الإرادة لدى القضاء والدولة في محاسبة المعتدين يؤدي إلى زيادة الجرائم، خاصة في أوقات الأزمات، حيث يُعتبر العنف الأسري وسيلة لتنفيس الغضب".
التلكؤ في المحاسبة والتحديات
وتعتبر فاطمة الحاج أن التلكؤ في المحاسبة يُطيل أمد القضايا، كما حدث في قضية رولا يعقوب التي استغرقت المحاكمة فيها 8 سنوات قبل صدور الحكم في عام 2024، إذا تم تسريع الإجراءات القضائية وتطبيق القوانين بفعالية، فإن ذلك سيُسهم في تقليل الجرائم ويشكل رادعاً للمعتدين، أي أن التساهل في تطبيق القوانين يُغذي الثقافة الذكورية ويُعطي المعتدي شعوراً بالسلطة المطلقة، مما يؤدي إلى تصاعد العنف ضد النساء "هذا الوضع يتطلب تدخل الدولة لاستعادة دورها في فرض الأمن والأمان، وتطبيق القوانين بشكل صارم لضمان حماية النساء من العنف المستمر".
وترى أن "النضال في مجال مكافحة العنف ضد المرأة هو عملية طويلة ومستدامة، وقد قمنا بتقديم مقترح قانون شامل يتناول مناهضة العنف ضد المرأة بجميع أبعاده، وهو الآن بين أيدي المجلس النيابي، نأمل أن يترجم العهد الجديد والنواب الجدد الذين دعموا هذا المقترح إرادتهم إلى خطوات ملموسة من خلال إقرار هذا القانون الشامل الذي لا يقتصر على الحماية، بل يتضمن أيضاً ملاحقة المعتدين وتعويض الضحايا عن الأضرار التي لحقت بهم، حيث لا تزال المرأة تعاني من غياب أي تعويض عن الضرر حتى الآن".
وأشارت إلى الثغرات الموجودة في قانون التحرش الجنسي لعام 2017، الذي يحمل الرقم 205، موضحة أن عبء الإثبات يقع بشكل كامل على الضحية، مما يجعلها أكثر عرضة للعنف عند تقديم شكوى دون وجود إجراءات حماية كافية "عندما تقرر المرأة التحدث عن تعرضها للتحرش أو العنف، غالباً ما تجد نفسها في مواجهة المزيد من العقبات الناجمة عن السلطة الذكورية السائدة والتي تعيق وصول النساء إلى العدالة".
الرؤية المستقبلية
وأكدت على الأولوية الملحة لإقرار قانون شامل لمناهضة العنف ضد المرأة، إلى جانب اقتراح قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، مشددةً على أن "استرداد الحكومة لصلاحياتها التشريعية يضع حداً لتأثير القوانين الطائفية الموروثة، بهذا نعيد مرجعية المواطن للحكومة لا للطوائف، ونمكنها من ممارسة دورها التشريعي بشكل كامل، الأمر الذي يعزز العدالة والمساواة ويسهم في الحد من معاناة النساء".
واختتمت المحامية فاطمة الحاج حديثها بالتأكيد على أن "مرجعية الفرد يجب أن تكون للحكومة، مما يعني أن الأحوال الشخصية يجب أن تخضع لقوانين الدولة فقط بعيداً عن الأحكام المذهبية والقوانين التمييزية، لقد تم تقديم اقتراح قانون موحد للأحوال الشخصية إلى المجلس النيابي، ونتطلع إلى إقراره لتحقيق نظام قضائي نزيه وسلطة فعالة تمتد من أعلى الهرم إلى أدناه، بهدف الحد من معاناة النساء التي لن تنتهي إلا من خلال إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من إقرار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء يغطي كافة المجالات لضمان توفير الحماية الكاملة والتعامل الجدي مع هذه القضايا".