العنف ضد الأطفال يخلق أطفال عنيفين
نشاهد تلميذاً يضرب زميله، وآخر يحطم ما يصادف في طريقه، وثالث انعزل عن رفاقه، ورابع أصبحت ساعة الدوام تعلن موعده مع الخوف والرهبة
أماني المانع
دمشق ـ ، وتمر هذه المشاهد ونحن نرى فيها الطفل فقط ولا نرى هذا الوحش المستتر المسمى بالعنف الذي يسكن داخله.
تعددت أشكال العنف باليد أو القدم أو التهديد والتحقير والسب والشتم والنعت بألقاب معينة، تمزيق الكتب واللوحات، تخريب المرافق العامة والأثاث المدرسي، وردة الفعل المتسرعة والقاسية والتهديد الدائم بالرسوب كل ذلك نتيجة لتعرض الطفل للإساءة في المنزل أو في المدرسة؛ فهم يعانون من تداعيات نفسية وخيمة كالخوف والتهميش والاكتئاب وانعدام الثقة.
وفي لقاء معها تحدثت المرشدة والباحثة الاجتماعية عبير عباس عن العنف المدرسي الممارس ضد التلاميذ ونتائجه.
وعرفت العنف المدرسي بأنه يشمل كافة الأنشطة والسلوكيات التي تتسبب بالأذى والضرر على الطفل "ترتفع نسبة العنف وبشكل خاص في بداية العام الدراسي مع العودة إلى المدارس؛ بسبب عدم تكيّف بعض التلاميذ مع الجو المدرسي، مما يدفعهم لارتكاب العنف ضدّ ممتلكات المدرسة أو زملائهم".
ولا تتوقف أفعّال التلاميذ عند بداية العام الدراسي "تظهر أسباب أخرى خلال سير العملية التربوية في المدرسة كأسلوب بعض المعلمين في تلقين المادة الدراسيّة، وعدم مراعاة الفروق الفردية أو الضعف والتقصير، إضافة إلى ضعف شخصيّة المعلم وعدم قدرته على ضبط الصّف، أو تعامله بأسلوب النديّة مع الطالب وسرعة استفزازه".
وعن آثار العنف المدرسي قالت إن "الآثار الجسدية والتي تظهر بشكل مباشر كالكدمات، تتحوّل إلى أعراض نفسية سلوكية تؤثر على الصحة النفسية للطفل كالتبول اللاإرادي، الاكتئاب البسيط، الإحباط وغيرها".
للأسرة دور أساسي في تشكيل شخصية الطفل وانعكاسها على سلوكياته "تنعكس المشاكل الأسرية على سلوك الطفل ضمن المدرسة كمكان لتفريغ انفعالاته وحالات الإحباط التي يتعرض لها لذلك لا نغفل عن طبيعة البيئة الأسرية للطالب، وأساليب التربية العنيفة المتبعة ضمن أسرته، والتي تظهر معنا من خلال دراسة حالته، بالإضافة إلى الضغوط النفسية التي يتعرّض لها".
وازدادت المشاكل الأسرية وحالات التعنيف للأطفال والنساء منذ فرض الحجر الصحي "حدث خللاً حقيقي في أساليب التربية ضمن الأسرة وصولاً إلى المدرسة، في ظل المرحلة الحالية من انتشار وباء كورونا، والجو النفسي العام الذي يدعو إلى القلق والخوف، ويحرّض مشاعر العدوان والعنف للتخلّص من الإحباط".
تنتشر ظاهرة تسرب التلاميذ من المدرسة إذا أن الطفل ينفر منها "الطفل الممارس للعنف لا يستطيع بناء علاقات اجتماعية سليمة مع زملائه، أو معلميه، وحتى مع نفسه كذلك ضعف تحصيله الدراسيّ، وعدم قدرته على إحراز التفوّق يدفعانه للتهرب من المدرسة".
وعن الواقع التعليمي أكدت أن عدم التنظيم في المدرسة، وعدم وجود قواعد للانضباط ساهمت في استفحال ظاهرة التعنيف المدرسي "عدم وضوح قواعد الانضباط المدرسيّة، ووجود تهاون أو العكس من قبل الإدارة المدرسية، وضعف أساليب التواصل والحوار بين أفراد الكادر التدريسي هي أسباب لوجود بعض حالات العنف".
أما عن الحلول فأكدت أنهم يعملون على تأمين بيئة صحية وآمنة لكافة التلاميذ، حيث أن الإرشاد النفسي يأخذ دوره في المدارس بشكل كبير "نسعى كمرشدين من خلال جلسات الدعم النفسي والاجتماعي وما نقوم به من نشاطات تساعد الطالب على التفريغ الانفعالي والتعبير عن مشاعره بشكل إيجابي، والتعديل من سلوكه أيضاً بتوجيه ميوله ومواهبه وتهذيبها من خلال حصص الرياضة، الموسيقا، الفنون. ويتم التواصل مع الأهل بشكل مستمر لمراجعة أساليبهم التربوية، والتأكيد على ثقافة الحوار الإيجابي ضمن الأسرة والمدرسة وصولاً إلى المجتمع ككل، كما نقوم بنشر لوحات إرشادية توعوية تدعو للتواصل اللاعنيف والابتعاد عن الألعاب العنيفة والتأكيد على ثقافة التسامح والمحبة بين الجميع".
أما عند وقوع حالات عنف فيكون التركيز على معالجة الحالة "في حالات العنف نلجأ إلى تخفيف العنف، واستخدام الأساليب العقلانية والمعرفية كالمساندة النفسية، وتعليم التلاميذ طريقة حل مشاكلهم، ومساعدتهم على تفريغ انفعالاتهم ومشاعرهم المكبوتة، عن طريق نشاطات الدعم النفسي الاجتماعي والتعزيز وكتابة اتفاقيات السلوكيات الاجتماعية، والاستعانة بالرسم وضبط الذات وتغيير المفاهيم والمعتقدات الخاطئة، كما نساعدهم ونوجههم لتنمية مواهبهم في مجالات الرياضة، الموسيقا، المطالعة، وغيرها".
واختتمت المرشدة والباحثة الاجتماعية عبير عباس حديثها بعدة أمثلة عن حالات صادفتها خلال عملها في المدرسة "من ضمن الحالات التي صادفتني تلميذ في الصف الأول يعنّف زملاءه ويتلف أغراضهم، وبعد مقابلته والتعرف على بيئته الأسرية كانت النتيجة أن هذا الطفل يتعرّض للعنف في منزله ويرى أمه تعنّف أمامه، مما دفعه لتفريغ انفعالاته المكبوتة ضد زملائه الأضعف منه... تواصلت مع الأهل وعرضنا لهم خطورة العنف على نفسية الطفل وسلوكه الآن وفي المستقبل، وتمت متابعة حالته بتشجيعه على تعديل سلوكه والتركيز على الجوانب الإيجابية في سلوكه وتعزيزها بالإثابة والشكر. وفي حالة أخرى تبين بعد اللقاء مع تلميذ يبلغ من العمر ٨ سنوات أنّ سبب عدوانيته ضد أقرانه وعدم احترامه لمعلمته، هو غيرته من أخته الصغيرة واستياؤه من حصولها على ألعابه، كذلك تمّ التواصل مع الأم ومناقشتها حول أهمية المساواة والعدل بين الإخوة، وأن تكون أكثر إنصاتا واحتواء لطفلها".
وقالت مروة عيد إحدى الأمهات اللواتي تعرض ابنائهنَّ للتعنيف أن ابنها "تعرض للسخرية من مجموعة من التلاميذ الذين شكلوا عصابة في المدرسة، ويقومون بإيذاء التلاميذ وابتزازهم بسرقة ما لديهم من مال أو طعام أو أدوات مدرسية مميزة بعد نهاية الدوام وخارج محيط المدرسة، وفي بعض الأحيان تتم الاستعانة بمن هم أكبر منهم سناً من أقربائهم وإخوتهم لترويع التلاميذ".
عن أسباب تعرض هذه المجموعة لابنها أشارت إلى أن "السبب الأول للسخرية من ابني هو أنه ليس ابن المنطقة ولاختلاف لهجته عنهم، والسبب الثاني هو ضعف ابني بالنسبة لأقرانه وهدوءه الذي يوحي بالجبن، وفي أحد الأيام قاموا بضرب ابني بالكرسي على رقبته مما سبب له الألم لأيام عديدة، وحين توجهنا لإدارة المدرسة بالشكوى تم استدعاء التلميذ من قبل مدير المدرسة والمرشدة الاجتماعية ومعلمة الصف، بعد ذلك تم استدعاء والديه وتبين فيما بعد أن هذا التلميذ يتعرض للعنف الأسري، الأمر الذي يجعله ينقل هذا الاضطهاد والعنف لمن هم أضعف منه".
فيما أكدت (س، أ) أن مشكلة ابنها بدأت منذ انفصالها عن والده، مما تسبب بعزلة ابنها وشكل لديه بعض العدوانية التي تمثلت بالتعامل بفظاظة مع معلميه ورفاقه، "في الصف الثالث كانت معلمته تعامله بسخرية واستهزاء وتلجأ لمقارنته برفاقه وتطلب منهم أن ينبذوه، دون أن تعرف مشكلته أو تتواصل معنا ومع الإرشاد المدرسي، مما جعل ابني يكره المدرسة ويتغيب عنها بشكل مستمر أدى لضعف مستواه الدراسي والاجتماعي ولاتساع الهوة بينه وبيني لأنه كان يحملني ذنب طلاقي من والده، بعد تواصلي مع المدرسة ونقل ابني لصف آخر وبعد أن استطاعت المعلمة الجديدة استيعابه تبدل حاله للأفضل".
هذه المشكلة ليست في دمشق فقط لكنها تأزمت أكثر بسبب الحرب والظروف التي مرت بها البلاد، كذلك جاءت نتيجة التصادم بين التربية القديمة وما تعتمد عليه من سلطة وبين الانفتاح الذي تشهده المجتمعات.