العنف الجنسي وغياب القوانين... حرب على أجساد النساء في السودان

غياب القوانين والحرب المستمرة وحالات النزوح كلها أمور فاقمت معاناة النساء في السودان وتسببت بتعرضهن للاغتصاب والعنف الجنسي وصولاً إلى الاختطاف والاحتجاز كرهائن مقابل الحصول على المال.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ لم تقتصر قصص الحرب المأساوية التي تعاني منها النساء في السودان منذ انطلاقها في العاصمة السودانية الخرطوم، على النزوح المستمر والتشرد وفقدان الأهل فقط، فأكثر ما يؤرق النساء في مناطق الحرب هو العنف الجنسي والاغتصاب الذي تعرضت له الكثير من الفتيات.

تعيش النساء والفتيات في السودان الرعب من التعرض للعنف الجنسي والاغتصاب ناهيك عن الخوف من الآخرين وعدم اليقين، وولد هذا الخوف أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، أغلبهن نساء هربن من هول ما عاشته اللواتي تعرضن للاغتصاب.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة فإنه منذ بداية الحرب كان هناك أكثر من 180 امرأة وفتاة تم اختطافهن واغتصابهن واحتجازهن كرهائن مقابل الحصول على الأموال في ظروف أشبه بالعبودية بل وتم فتح سوق لبيع النساء في ولاية دارفور.

وقام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء لجنة تحقيق دولية للتحقيق في حوادث الاغتصاب والعنف الجنسي التي حدثت لضمان محاسبة المسؤولين.

وصرحت مفوضية حقوق الإنسان الأممية في تقاريرها أن 70% من حوادث العنف الجنسي المؤكدة ارتكبت  من قبل أشخاص يرتدون زي قوات الدعم السريع بينما حادثة واحدة فقط ارتكبها شخص يرتدي زي الجيش السوداني.

أما وكالة رويترز فقالت أن هناك عدد من الفتيات في دارفور تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي الذي تم بواسطة قوات الدعم السريع بغرض التشفي والقبلية فهؤلاء الضحايا كلهن من قبيلة واحدة بدارفور، في حين ذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن قوات الدعم السريع اغتصبت عشرات الفتيات في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور.

 

دور المنظمات النسوية في مكافحة العنف الجنسي

ولا تزال المنظمات النسوية والحقوقية في السودان تنادي بحقوق المرأة وحمايتها من العنف الجنسي والاغتصاب منذ بداية الحرب ومع وقوع أول حادثة اغتصاب أُعلن عنها، كانت هذه المنظمات قد وثّقت عدد من حالات العنف الجنسي بولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة التي مازالت تعاني من نيران الحرب.

وتقول المنظمات إن عدد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي أكبر من ذلك بكثير ولكن بعض الضحايا وأسرهم يلتزمون الصمت وعدم الإفصاح عما تعرضن له خوفاً من الوصمة التي قد يجدنها من المجتمع.

وحول هذا الموضوع تقول الحقوقية والمديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي هالة الكارب إن العنف الجنسي الممنهج ضد النساء والفتيات في السودان لم تتوقف "لا نزال نتلقى بلاغات عن حالات العنف الجنسي من ولاية الجزيرة التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع ومن مناطق دارفور تحديداً في شمالها المكتظة بطرفي الحرب الدائرة".

وأشارت إلى أن معظم حالات العنف الجنسي التي تتم من قبل قوات الدعم السريع هي حالات اغتصاب جماعي مما يؤكد أن العنف الجنسي يتم استخدامه كاستراتيجية حرب بغرض التهجير القسري والسيطرة "أظهرت حالات العنف الجنسي في بيوت الإيواء في العديد من المناطق تحت سيطرة الجيش السوداني، وهي حالات تعكس واقع غياب القوانين أو أي آليات لحماية الفتيات والنساء في مراكز الإيواء".

وأضافت أن جرائم الاغتصاب في السودان أصبحت تلاحق النساء حتى بمراكز الإيواء والمناطق التي من المفترض أن تكون آمنة، داعيةً إلى تدخل المجتمع الدولي لوضع رادع وقرارات تحد من انتشار حالات العنف الجنسي"، مؤكدةً أن كل الحكومات في السودان لم تولي قضايا النساء وجرائم العنف الجنسي اهتماماً".

 

 

من جانبها أكدت الناشطة الحقوقية ورئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة سُليمى إسحاق، أن معظم حالات الاغتصاب والعنف الجنسي التي وصلتنا جميعها بحسب إفادات الضحايا ارتُكبت من قبل أشخاص يرتدون زي قوات الدعم السريع".

"الإحصاءات التي أُفصح عنها تمثل 2٪ فقط من الموجودة على أرض الواقع لعدم توفر خدمات نحصل من خلالها على إحصاءات حقيقية، فالعنف الجنسي أثناء الحرب يحدث من أجل ترويع وتخويف السكان وتهجيرهم قسرياً من مناطقهم، إضافة لابتزازهم من أجل التسليح" وفق ما أوضحته سُليمى إسحاق.

 

 

تدمير نفسي

مما لاشك فيه أن العنف الجنسي والاغتصاب الذي تتعرض له النساء يتسبب بأزمة نفسية لهن خاصة أن معظم الحالات المسجلة كانت حالات اغتصاب جماعي وهناك بعض القصص عن عدد من الحالات تم ذكرها في مواقع التواصل الاجتماعي بأنها قامت بالانتحار بعد تعرضها للاغتصاب ولكن لم يتم التأكد منها لصعوبة الوصول لهذه الحالات.

وعن ذلك تقول الدكتورة سارة أبُّو اخصائية علم النفس، أن للعنف الجنسي أشكال وأنماط مختلفة وهو مرفوض ويشكل جريمة كاملة الأركان ويشمل التحرش اللفظي والتحرش الفعلي بالإشارة، إضافة للحركات الإيحائية بالجسم باستعمال الآلات المختلفة أو الأيادي ثم الاغتصاب "من اسوأ حالات العنف الجنسي والاغتصاب إذا كان تحت تهديد السلاح والذي يشكل جريمة بحق الفتيات كما أنهن تعرض حياتهن للخطر".

ويعتبر العنف الجنسي من أخطر سلبيات الحرب التي وقعت على النساء اللواتي تم اغتصابهن من قبل قوات الدعم السريع لذلك تم التواصل مع كثير من الضحايا منهن من أجل تقديم الدعم النفسي لهن وهذا الدعم يستمر لفترات طويلة لأن ما مررن به أمر في غاية الصعوبة ويجب على المجتمع تقديم الدعم النفسي لهن في ظل غياب المحاسبة والقانون بسبب الحرب الدائرة وفقاً لما أردفته.

ونوهت إلى أن الحالة النفسية للمرأة أو الفتاة التي تم اغتصابها تكون سيئة جداً جراء الصدمة العنيفة وتعرضها لاضطرابات مختلفة أولها كراهية الغير وعدم الثقة بالآخرين "على المجتمع احتواء الضحية والتخفيف عنها ودعمها نفسياً وعدم إيقاع اللوم عليها فهي ليست مسئولة عما حدث لها لذلك يجب عرضها على الأطباء النفسيين من أجل تجاوز محنتها والوقوف معها ومساندتها".