العنف الأسري والاجتماعي ظاهرة تغذيها العادات وغياب القوانين
تشهد مدينة إدلب بالشمال السوري، تزايداً في حالات العنف ضد النساء والفتيات، يصل في بعض الحالات إلى الوفاة، وذلك نتيجة أسباب عديدة تقف وراء انتشار هذه الظاهرة وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية والجسدية على الناجيات والضحايا.
سلام العمر
إدلب ـ تصدرت سوريا قائمة الدول العربية في ارتفاع معدل الجريمة، واحتلت المرتبة الثامنة عالمياً لعام 2023 على قائمة الدول الأخطر في العالم، بحسب تقرير لموقع "Numbeo Crime Index" المتخصص بمؤشرات الجريمة في العالم.
"العنف هو الأسلوب السائد لحل المشاكل"، بهذه الكلمات تلخص سارة العبد الله (26عاماً) وهي نازحة مقيمة في مخيمات دير حسان شمال إدلب، معاناتها مع زوجها الذي يعنفها بشكل مستمر، مما جعلها تعيش في حالة خوف دائم من التعنيف في منزلها.
وتقول سارة العبد الله إنها حاولت الطلاق بعد لجوئها لإخوتها وأهلها، لكن الجميع نصحوها بالصبر لتحمل المسؤولية "كأم وزوجة" وهو ما جعلها تفقد ثقتها بنفسها وصحتها النفسية والجسدية، بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قرار وسط الضغوط النفسية والاجتماعية والأسرية التي تحيط بها.
وأضافت أن قصتها بدأت بعد أن فقد زوجها وظيفته، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ومنذ ذلك الحين بات يعاني من نوبات غضب وعنف، تمثلت بالصراخ والإهانة وتطورت إلى الضرب عند أي مشكلة تحصل بينهما.
وأشارت إلى أنها اعتادت ارتياد إحدى المراكز المتخصصة في تمكين المرأة، وهو ما جعلها تشعر بأن هناك من يفهمها ويستمع لها، ما ساعدها في استعادة قوتها النفسية، وذلك من خلال النصائح والتوجيهات التي تحصل عليها لإدارة حياتها مع زوجها.
ووفقاً لناشطات وعاملات في مجال تمكين المرأة التقت بهن وكالتنا، فإن الزواج المبكر وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وضعف تطبيق القوانين، بالإضافة للأعراف والتقاليد الاجتماعية، ساهمت بشكل كبير في تكوين أرضية صلبة لظاهرة تعنيف النساء بكافة أشكالها الاجتماعية والأسرية والنفسية والجسدية.
وأشارت هؤلاء النساء إلى أن الظاهرة تؤثر بشكل مباشر على النساء والفتيات المعنفات، حيث يعانين من اضطرابات نفسية خطيرة قد تصل إلى حالات الاكتئاب الشديد والانتحار، كما تؤدي إلى تمزق النسيج الأسري، وتفاقم مشكلات التعليم والصحة للأطفال والشباب في البيئة المعنفة.
"من الضرب، إلى السجن والعنف"، تقول رانيا اليوسف (32عاماً) في إشارة منها إلى الحياة الصعبة التي تعيشها، بعد أن تطلقت من زوجها الذي كان يضربها ويعنفها، لتجد من أهلها وذويها ذات المعاملة عندما لجأت إليهم.
وأشارت إلى إن معاملة زوجها القاسية لها دفعتها لطلب الطلاق الذي حصلت عليه بعد عناء طويل، لتجد نفسها ضمن أجواء مماثلة عند أهلها الذين منعوها حتى من خروجها من المنزل، وذلك بسبب النظرة الاجتماعية الدونية للأرملة أو المطلقة.
وأضافت أنها تعيش ضمن سجن كبير وسط لوم أهلها لها، واتهامها بأنها كانت سبب انفصالها عن زوجها، وهو ما يزيد من حجم الأسى في قلبها، بسبب عدم تفهم المجتمع المحيط لمعاناتها وألمها الذي دفعها لاتخاذ قرار الطلاق.
وأوضحت أن النظرة الاجتماعية السائدة في مدينة إدلب، تجبر المرأة على كتم آلامها والعيش مجبرة تحت رحمة الزوج، دون القدرة عم المطالبة بأبسط حقوقها والدفاع عن نفسها، في ظل غياب القوانين الداعمة لها بالمنطقة.
من جهتها تقول رحاب عربوا العاملة في مركز تمكين المرأة بمدينة إدلب، إنها تستقبل يومياً العديد من النساء اللواتي تعرضن للعنف بأشكاله مختلفة، إذ أن الضغوطات النفسية والأسرية أبرز ما تعانين، مضيفةً أن العنف يساهم في تفاقم حالات الاكتئاب والقلق لديهن، كما يتسبب بآثار طويلة الأمد على الصحة النفسية للناجيات، حيث يتركز عمل "تمكين المرأة" على تقديم الدعم النفسي من خلال جلسات تأهيلية تساعدهن على تجاوز التجارب المؤلمة.
وعن سبب ازدياد الظاهرة، أشارت إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه المركز التأثير على وعي المجتمع الذي يعتبر أن العنف مبرر، وهو ما يجب تغييره بتكثيف حملات التوعية المجتمعية، وضرورة إقرار قوانين تحميهن بشكل أفضل.