الموت خوفاً هاجس يلاحق نساء غزة
كانت النساء دوماً الضحية الأولى للحروب والنزاعات التي تمارس من قبل الأنظمة القمعية، فبالرغم من المقاومة التي تبذلها نساء غزة في سبيل العيش بأمان واستقرار إلا أن الموت يلاحقهم في كل لحظة.

رفيف اسليم
غزة ـ توفيت عشرات النساء في قطاع غزة بالسكتة القلبية، أي بمعنى آخر توقف قلبهن من الخوف والهلع الذي يواجهونها إثر الغارات الإسرائيلية الشرسة، بعضهن فقد حياتهن في لحظة واحدة ونقلت بعضهن إلى المشفى وبقين في غرف العناية المكثفة إلى أن فارقن الحياة.
فقدت هيا مرتجى صاحبة الثلاثين عام حياتها، في 18 من آذار/مارس، إثر نوبة قلبية جاءتها نتيجة اختراق القوات الإسرائيلية للهدنة، معلنة عن ذلك بحزام ناري هزّ كافة أرجاء قطاع غزة في حدود الساعة الثانية فجراً، لتنقل بعدها للمشفى وتمكث هناك عشرة أيام إلى أن أعلن الأطباء بشكل رسمي فقدانها لحياتها بسبب عدم توفير الخدمات الطبية الكافية، تاركة ورائها طفلتين ما زالتا تبحثان عنها حتى اليوم وهما شام ومريم.
اشتهرت هيا مرتجى، في انتاج أعمال تخص الأطفال منها الأغاني ودبلجة الشخصيات الكرتونية حتى أنه كان لها قناة مخصص على موقع يوتيوب، كما عملت مع هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الأونروا عبر ظهورها على الشاشة، محولة الدروس التعليمية إلى رسوم متحركة يتفاعل معها الصغار بنشاط وفرح.
رحلة نزوح...معاناة وتحديات
نزحت هيا مرتجى، في بداية هجوم 2023 إلى مراكز الإيواء في جنوب قطاع غزة لتتنقل من رفح حتى النصيرات ومناطق أخرى عديدة، وقد انتهى بها الحال بصف في مدرسة مع آلاف النساء الفلسطينيات، ومن ثم عادت مع مليون شخص لتجد منزلها في حي النص قد دمرته الغارات الإسرائيلية مساوية إياه بالتراب، فحاولت التعايش مع الوضع وتحمل مشاقة المعيشة بعيداً عن أصوات الغارات.
وكانت هيا مرتجى، لا تحتمل أصوات الانفجارات التي تسببها الغارات فيرتجف جسدها بشدة خاصة كلما اقترب الصوت أو اهتز المنزل، كما أنها لا تحتمل رؤية طفلتيها خائفين من الهجمات، فلا تدرك هل عليها التهدئة من روع نفسها أم طمأنة الطفلتين، فكانت تتساءل مع نفسها كيف لها أن تفعل ذلك وهي بحاجة لمن يمنحها شعور الأمان.
النساء ضحية للانتهاكات التي تمارسها الأنظمة القمعية
هيا مرتجى ليست وحدها التي تلقت نوبة قلبية إثر الهجمات الوحشية التي تشهدها قطاع غزة، فهناك الصحفية سعاد سكيك، والصحفية فاطمة كريري، ومرح عويضة، ووفاء أبو الروس وعشرات الضحايا الأخريات اللواتي توفين نتيجة ذلك، فكان لكل واحدة منهن قصة قبل رحيلها عن الحياة، إثر عدم قدرتهن على احتمال الخوف في المدينة التي تحاصرها القوات الإسرائيلية بأطنان من الصواريخ والمتفجرات في كل يوم.
وعن المعاناة التي تواجهها النساء في قطاع غزة قالت الدكتورة سها شعت "في ظل الهجوم المستمر على قطاع غزة ذاقت النساء الفلسطينيات مختلف أنواع الموت منها الموت حرقاً، وجوعاً، وخوفاً بسبب حالات الهلع الشديدة المنتشر بين صفوفهن"، موضحة أن ما يحدث مع النساء اللواتي يواجهون نوبات قلبية هو إفراز كميات كبيرة من الأدرنالين التي لا تستطيع عضلة القلب التعامل معها فيتوقف القلب عن العمل.
وأضافت أن "الموت الذي يحدث نتيجة الخوف يأتي من القصف الشديد حيث تتجاوز الأصوات حدود السمع للمرء، مما يؤدي لانهيار الجسم تحت وطأة نوبات الهلع الشديد وعدم قدرته على التعامل مع الوضع المفروض عليه"، مشيرة إلى أن قدرات الأجسام تختلف من امرأة إلى أخرى فهناك من يحدث معها الأمر لمرة واحدة وتتوفى، وهناك نساء تحتملن نوبة واثنان وثلاث لينهار الجسم بالنهاية.
وأشارت إلى التحذيرات الأولية التي يجب تجنبها في حالات الإصابة بالنوبات القلبية "في حالة إصابة النساء بنوبات الهلع الشديد هناك إجراءات يجب اتباعها بالبداية محاولة تهدئة الشخص المصاب ولجم حالة الخوف التي قد تفقدها الوعي، وإبعادها عن المنطقة قدر الإمكان، مع فتح حديث حول موضوعات مختلفة بهدف تشتيتها ومحاولة استعادتها لتوازنها النفسي"، مبينة أن البعض قد يحتاج إلى تدخل بالأدوية لتعود إلى حالتها الطبيعية.
وأوضحت الدكتورة سها شعت أن النساء اللواتي يقطن مناطق الحروب والنزاعات خاصة النساء الفلسطينيات، عليهن الابتعاد عن نوبات الخوف والقلق، والبحث عن مكان آمن، مؤكدة على ضرورة طلب الدعم النفسي سواء من مختص أو من صديقة مقربة، والاستعانة بالناجيات لرواية قصصهن والاستفادة منهن، مع تركيز مؤسسات المجتمع المدني على ضرورة إنشاء ورش التأهيل النفسي مع التركيز على النساء العاملات في الكادر الصحي، مختتمة حديثها بالقول "لا يزال لدينا أمل بانتهاء الحروب بالعالم وتعيش كافة النساء بسلام وأمان".