المجتمع وكورونا ثنائي يدفع الزوجات لمواجهة العنف وحدهن
تعاني نساء كُثر في قطاع غزة من عدة قواعد لا تنتمي للدين أو للقانون، إنما فرضتها عليهن العادات والتقاليد منذ زمن طويل؛ لتدفعهن إلى التزام الصمت وعدم الشكوى من العنف الذي يتعرضن له داخل منازلهن، بدافع الحفاظ على الأسرة
رفيف اسليم
غزة ـ وكتمان سر الزوج الذي يتخذ من سكوت المرأة وعائلتها دافع قوي لممارسة شتى أنواع العنف سواءً اللفظي أو الجسدي أو النفسي بحقها.
ساهم ظهور فايروس كورونا والحجر الصحي المفروض إثره خلال عام 2020، في زيادة العنف ضد النساء، وخاصة العنف الاقتصادي الذي فاقم من سوء الأوضاع التي تعايشها النساء بحالات وقصص مختلفة غالبيتها انتهت بالصفح عن الزوج وعدم التوجه للشكوى عليه سواء أمام القضاء أو المؤسسات النسوية المختصة بالتصدي للعنف ضد النساء في قطاع غزة.
وكالتنا أرادت رصد تلك الظاهرة خاصة بعد تفاقمها خلال الفترة الماضية وفق عدة دراسات محلية أكدت ذلك، فتواصلت مع عدد من تلك النساء لسماع قصصهن ومحاولاتهن في التصدي للعنف الممارس عليهن، مع إخفاء كامل لهويتهن خوفاً على حياتهن أو أي ضرر قد يلحق بهن.
تقول "نغم" وهو اسم مستعار ذات (28) عاماً أنها تزوجت قبل 6 سنوات من الآن لكن لم تكن فترة خطبتها تبشر بالخير فكان نادراً ما يأخذ برأيها أو يستشيرها، وعندما ذهبت لأمها كي تشكو سوء معاملته ولسانه السليط كان رد الأم بكل برود "بكرى يتغير"، مكملةً أنه لم يتغير وبعد أشهر من الزواج استخدم الدين ليخنقها به وأصبحت كلمة حرام حال لسانه، فألبسها النقاب وفصل الانترنت عن المنزل وخط الهاتف وكسر التلفاز وحدد لها موعد لزيارة أهلها مرة كل عدة أشهر.
ذلك الجحيم والحديث "لنغم" لم يكن الصورة الكاملة لجميع أفعاله فبينما كان يتستر بعباءة الدين أصبح مدمن للمخدرات بعد أن ترك عمله ليتجه لأعمال أخرى مشبوهة، ملفتةً أنها عندما واجهته بتلك الأفعال كانت حامل بشهرها الثامن فانهال الزوج عليها بالضرب مما تسبب بسقوط جنينها ومكوثها بالمشفى لمدة أسبوع وعندما سُألت عن الفاعل من قبل الشرطة أجابت بضغط من أهلها أنها أوقعت نفسها عن درج المنزل.
تتذكر "نغم" تلك الحادثة وهي تبكي لتكمل حديثها مسرعة قبل أن ينتبه أحد لها، أنها بعد تلك الحادثة طلبت من عائلتها أن تُطلق منه لكنهم رفضوا قائلين "ما عنا بنات تطلق" وأرجعوها له بعد شهر من الحادثة، مشيرةً أنها اليوم أمضت السنة السادسة من حياتها بهذا الجحيم برفقة ثلاثة أطفال لا يعرفون ماذا يعني الأنترنت ولم يزوروا بحر قطاع غزة قط من يوم مولدهم، لرفض والدهم أن يختلطوا بالناس أو يشاهدوا الحياة المليئة بالمحرمات على حد وصفه.
"نغم" ليست الفتاة الوحيدة التي واجهت سياط العنف الأسري فهناك أيضاً "أمل" ذات (35) عاماً التي تحمل قصة مختلفة عنها، فتقول إنها منذ اليوم الأول تصدت لزوجها ومنعته من ضربها لكنها لم تسلم من لسانه السليط وألفاظه النابية التي ينعتها بها، مكملةً بالرغم من أن مستواه الاقتصادي جيد إلا أنه يرفض الانفاق عليها وعلى أطفالها ويكتفي بإحضار القليل من الطعام والشراب الذي يسد رمقهم.
وتبين "أمل" أن المشكلة كانت محدودة عندما كان أطفالها الأربعة صغاراً لكن عندما بدأوا يكبرون ويذهبون للروضة ثم المدرسة تفاقم الأمر وذهبت لتشكيه لوالدها الذي أعطاها مبلغ من المال وأرجعها للمنزل، مضيفةً أنه زواجها بعد أن بلغت سن السادسة عشر فقط دون إكمال تعليمها ساهم في مفاقمة مشكلتها ودفعها للعمل سراً في البيوت دون أن يعرف زوجها أو عائلتها خلال ساعات غياب الزوج عن المنزل لتغطي مصاريف أطفالها.
وتؤكد "أمل" لو أن أسرتها دعمتها وسمحت لها بالطلاق منذ البداية وإكمال تعليمها لما واجهت ذلك الذل، في حين أن أسرتها وزوجها لا يعانوا من ضيق الحال، وكانت استطاعت أن تجني المال بكرامة، ملفتةً أنها الآن لازالت تخدم في البيوت لساعات محددة من النهار على علم زوجها ولا مشكلة لديه وتنتظر أن تأخذ حقها من ورث أبيها كي تطلق منه وتسكن هي وأطفالها في بيت صغير لتبدأ مشروعها الخاص وتحصل على مصروفها الشخصي فقط.
فيما لم تسمح "دنيا" اسم مستعار ذات (22) عاماً على حد قولها أن تبقى على ذمة زوجها بعد أن جلب معه عدة رجال للمنزل طالباً منها أن تجلس معهم في الصالة وطفليها الصغيران يراقبان ما يحدث فأخذت في الصراخ بعلو صوتها حتى صعد الجيران وشاهدوا بأعينهم ما قام به الزوج، مكملةً أنهم اتصلوا على أهلها في الحال ليأخذوا ابنتهم وعندما وصلت بيت أبيها انهال الأب عليها بالضرب لأنها فضحت زوجها عندما طلبت النجدة ممن حولها على حد قول الأب.
وتضيف "دنيا" أنها تحملت الضرب والضغط النفسي وجميع ما يخطر على بال المرء من أساليب الإهانة لكنها لم تتحمل أن تكمل حياتها بتلك الطريقة حتى لو ماتت ذات يوم من الضرب بين يدي والدها، ملفتةً أنها عندما توجهت لإحدى المؤسسات في قطاع غزة للتبليغ عن حالة العنف علم والدها بذلك وأرجعها للمنزل بالقوة، فهو لم يقتنع حتى اليوم أن ابنته مجرد ضحية ويصر على تزويجها لأول شخص يتقدم لها.
وكان لفترة كورونا دور في تعزيز العنف ضد النساء فتقول "هنا" ذات (25) عاماً، أنها تزوجت من شخص ميسور الحال واضطرت للسكن بالإيجار لكن مع ظهور الفايروس أصبح عاطل عن العمل نظراً لعلمه في مجال السياحة، ومنذ ذلك الوقت أصبح الزوج عند أقل طلب يهددها بالضرب هي وطفلها أيضاً، مضيفةً أنه نقلها للسكن بغرفة في بيت عائلته وقد شاهدت منهم ما يكفي من التنمر والعنف بحقها هي وطفلها الذي يبلغ ثلاثة أعوام فقط.
وتشير "هنا" أنه عندما تسكن المرأة مع أربعة رجال في عمر العشرين ببيت يتكون من ثلاث غرف تكون مراقبة في جميع حركاتها ويحسب عليها عدد وجبات طعامها وكم مرة دخلت الحمام في اليوم الواحد، عدا عن حدوث بعض السلوكيات الغير مقبولة والتي تصل للتحرش في بعض الأحيان بالرغم من تبرير ذلك العمل بالمزحة، ملفتةً أنها تتمنى أن تتحسن أحوال زوجها لترجع حياتها كما كانت قبل كورونا.
وحسب آخر استطلاع الكتروني لعام 2020 والذي نشرته جمعية "عائشة" لحماية المرأة والطفل في قطاع غزة خلال فترة جائحة كورونا فقد بلغت نسبة النساء اللواتي يتعرضن لعنف اقتصادي 69.9%، و60.7% تعرضن لعنف نفسي، و30.2% تعرضن للعنف الاجتماعي، و8.9 % تعرضن لعنف لفظي، و22.9 تعرضن لعنف جسدي.
ذلك الاستطلاع الالكتروني الذي نشرت الجمعية نتائجه من خلال ورقة بحثية عبر الانترنت أثبت وجود ممارسات وسلوكيات غير مرغوب فيها يتم ممارستها ضد النساء، فتبلغ نسبة التنمر على النساء 21.1%، وتعرضت 14.9 % للابتزاز والاستغلال، كما تعرضت 2.0% من النساء للتحرش، و0.7 % للاغتصاب.