المغرب... مؤسسة "دار الطالبة" توفر لطالبات القرى ملاذاً آمناً لإكمال دراستهن
في ظل منع فتيات الريف من الالتحاق بالمدارس بسبب قلق آبائهن وأمهاتهن من بُعد المدارس وما يترتب على ذلك من استخدام وسائل النقل، تم إنشاء "دار الطالبة" التي ساهمت في تخفيف مخاوف الأسر، حيث توفر للطالبات مكاناً آمناً للإقامة والدراسة.
رجاء خيرات
المغرب ـ افتتحت "دار الطالبة" بإقليم الحوز "المتاخم لمراكش" بالمغرب، أبوابها أمام الفتيات القادمات من القرى والمدن البعيدة في المغرب، لمواصلة مسارهن الدراسي، حيث تقدم لهن العديد من الخدمات كالإيواء والطعام والمواكبة التربوية والاجتماعية والنفسية، بهدف محاربة التسرب المدرسي هناك.
منذ تأسيسها في عام 2003 بإقليم الحوز، تستقبل "دار الطالبة" العشرات من الفتيات القادمات من القرى البعيدة، لدعمهن في إكمال مسارهن الدراسي، بسبب قلة وسائل النقل وانعدام الأمن بها، وقد ساهمت هذه المؤسسة بشكل كبير في الحد من التسرب المدرسي في صفوفهن، إذ لولاها لما تمكنت العديد من الفتيات اللاتي تعانين من الهشاشة والفقر من مواصلة دراستهن.
وقالت مديرة "دار الطالبة" بتحناوت التابعة لإقليم الحوز فاطمة فوقجدي إن العديد من الفتيات في القرى والمدن البعيدة يصعب عليهن إكمال تعليمهن إثر بُعد المدارس عن أماكن معيشتهن، وكذلك صعوبة التنقل بسبب وعورة الطرق الجبلية وغيرها من الظروف الاجتماعية الصعبة.
ولفتت إلى أن "دار الطالبة" احتضنت تلك الفتيات من أجل متابعة دراستهن في ظروف ملائمة، حيث توفر لهن الإيواء والطعام، وتقدم لهن الدعم المدرسي والمواكبة الاجتماعية والنفسية كذلك، وتوفر لهن كل الخدمات الأساسية التي يحتجنها لمتابعة دراستهن الإعدادية والثانوية، مشيرةً إلى أن المؤسسة تستقبل ما بين 70 ـ 100 طالبة سنوياً تنحدرن من مختلف الجماعات القروية في الإقليم، منوهةً إلى أن أغلب الآباء يترددون من هذه الخطوة، لكنهم ما أن تطأ أرجلهم الدار ويطمئنون لظروف الإقامة في دار الطالبة، يسارعون في تسجيل بناتهم دون تردد أو خوف.
وأوضحت أن "دار الطالبة" ساهمت إلى حد كبير في تشجيع الفتيات على إكمال دراستهن، كما كان يتم إرسال الطالبات اللواتي تحصلن على الشهادة الثانوية إلى دار الحوز بمراكش لإكمال الدراسات الجامعية، حيث تشكل دار الطالبة بتحناوت إحدى الروافد الأساسية لـ "دار الحوز".
من جهتها قالت الطالبة هبة منتصر التي تنحدر من ضواحي مراكش وتتابع دراستها بالسنة الأولى إعدادي، إنها ذهبت لدار الطالبة من أجل متابعة دراستها، مبينةً أنه لا توجد في قريتها مدرسة للتعليم الإعدادي والثانوي، وأن صغر سنها يمنعها من أن تستقل الحافلة يومياً، حيث يستغرق الوصول إلى أقرب مدرسة ساعة أو أكثر.
وأكدت على أنه حتى لو لم يكن "دار الطالبة" موجوداً لما توقفت عن دراستها لأنه السبيل الوحيد لتحقيق أحلامها، لافتة إلى أن الفتيان في قريتها لا يتوقفون عن الدراسة حتى في غياب دور التعليم لأنه يسمح لهم أن يستقلوا وسائل النقل المتوفرة كيفما كانت طبيعتها، على عكس الفتيات اللواتي لا يسمح لهن بذلك بسبب التقاليد البالية.
أما الطالبة آية أهرام المنحدرة من دوار إيجكن بجماعة أغواطيم التابعة لإقليم الحوز، لفتت إلى أنها استطاعت إكمال دراستها بفضل "دار الطالبة" لأن في قريتها لا يوجد مدارس وأن الطريق للمدارس بالقرى الأخرى صعب.
وأوضحت أنه في البداية كان هناك تردد من قبل والدها لتسجيلها في دار الطالبة إلى أن قام بزيارة الدار وتفقد أحوالها وعندما تأكد من توفر الأمن والسلامة والظروف الجيدة سمح لها أن تتابع دراستها، مشيرةً إلى أنها تحلم بأن تصبح في المستقبل شرطية وأنه لو لم تكن "دار الطالبة" موجودةً لأصبح مصيرها كالعديد من فتيات قريتها اللاتي توقفن عن دراستهن ومكثن في بيوتهن.
فيما قالت الطالبة هند أفضواك من ضواحي جماعة أوريكا التابعة لإقليم الحوز، إنها في البداية لم تتحمس للقدوم لـ "دار الطالبة" لأنها كانت خائفة ومتوترة من الأجواء السائدة، إلا أنها لم تشعر إلا وقد مر ثلاثة أعوام وهي تتابع دراستها في الدار حيث أن المواكبة التي توفرها المسؤولات هناك جعلها تشعر بالأمان للإقامة بها، مؤكدةً على أنها لن تغادر قبل أن تنال الشهادة الثانوية وتحقق حلمها بأن تصبح مهندسة.
أما الطالبة سارة الفهيم التي تنحدر من ضواحي مراكش التابعة لإقليم الحوز، أشارت إلى أن وضعها الاجتماعي لا يسمح أن تستقل وسائل النقل العمومية، وأنها وجدت في "دار الطالبة" فرصة لإتمام دراستها، بفضل الخدمات التي توفرها المؤسسة من إيواء وطعام وتوجيه ومواكبة، وكذلك الدعم المدرسي والطالبات اللاتي تساعدن بعضهن البعض الأمر الذي جعلها تشعر كما لو أنها في بيتها وبين عائلتها.
ولفتت إلى أنها تتمنى أن تصبح ممرضة، وأن حبها للمسرح منذ صغرها جعلها تتطلع لممارسته في معهد عال حتى تصبح ممثلة مسرحية، منوهةً إلى أن هذا لن يصبح لو لم تكن دار الطالبة موجودة التي فتحت لها أبوابها، والذي لولاها لكان من الممكن أن تتوقف عن دراستها.
هاجر أفضواك التي تقطن بضواحي أوريكا (منتجع سياحي جبلي) التابع لإقليم الحوز، قالت إنها في البداية لم تكن متحمسة للقدوم إلى دار الطالبة، خوفاً من الطالبات اللواتي سبقنها ولهن تجربة وخبرة تفوقها، ولا سيما أنها السنة الأولى لها، لكنها وبعد مرور أيام اكتشفت أن خوفها لا مبرر له، وأن الفتيات يساعدنها ويقدمن لها النصائح والإرشاد، مشيرةً إلى أنها ندمت لكونها فكرت في أن تستقل الحافلة المخصصة بقريتها للنقل المدرسي بدل الإيواء بدار الطالبة، حيث أن النقل متعب ولا يساعدها في التحصيل الدراسي الجيد بسبب بُعد القرية والرحلة الطويلة الشاقة للوصول إلى المدرسة.
وأوضحت أن العديد من الفتيات بقريتها توقفن عن الدراسة لعدم معرفتهن بوجود دار الطالبة، ومن بينهن شقيقتها التي لم تتمكن من متابعة الدراسة لتستسلم كغيرها من الكثيرات للزواج المبكر، وأنها تزوجت وأنجبت طفلاً دون أن تتمكن من تحقيق حلمها بالوصول إلى مركز مرموق، لافتةً إلى أنها تحلم في أن تصبح طبيبة وتحب الغناء، حيث أنها تكتفي بممارسة هوايتها وسط الطالبات اللاتي يثنين على صوتها ويشجعنها عليه.