الخيمة كابوس يؤرق نساء غزة في ظل اشتداد العمليات العسكرية
تكتظ منطقة جنوب وادي غزة بآلاف النازحين ممن أجبرتهم القوات الإسرائيلية على مغادرة منازلهم يعيشون فيها ظروفاً إنسانية صعبة في ظل فقدان أبسط مقومات الحياة.
رفيف اسليم
غزة ـ تعيش النازحة هداية حسنين داخل خيمة لا تقيئها برد الشتاء ولا حرارة الصيف ولا تحميها من الأمراض والأوبئة التي تنتشر بين العائلات عموماً والنساء والأطفال خصوصاً، واصفة العيش فيها بالموت البطيء.
منذ اندلاع الهجوم على قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم هجرت القوات الإسرائيلية ألاف السكان إلى منطقة جنوب وادي غزة بحسب ما أسمتها خلال بياناتها، فلم تجد تلك العائلات من الأطفال والنساء سوى الخيام لتكون مأوى لهم، فعانوا خلال فصل الشتاء من غرق وتلف لما يمتلكوه، وأكمل الصيف ذلك الكابوس، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي ساعدت على انتشار العقارب والزواحف والحشرات بالخيام.
تقول هداية حسنين إحدى ساكنات تلك الخيام، إنها تسكن تلك الخيمة منذ سبعة أشهر، فكان الوضع ربما أفضل خلال فصل الشتاء لكن في فصل الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة تفاقمت معاناتها كونه لا مفر من أشعة الشمس التي تزيد من لهيب الخيمة، مما أدى إلى أصابتها بالعديد من الأمراض الجلدية، واصفة مسكنها بالشارع لأن قطعة القماش تلك ببساطة لا تقي من أي ضرر.
ووصفت العيش خلال الصيف بخيمة لا تقيهم برد الشتاء ولا حرارة الصيف بالموت البطيء "ذلك الوصف قد لا يكون مبالغ فيه فمن جرب بالفعل تلك الحياة يمكنه فقط فهم ما قصدته"، مضيفة أن التعايش مع ذلك الوضع بعد أن كان لها بيت واسع ولكل فرد غرفته، من الصعب تقبله، فالخيمة قد لا تتسع سوى لبضع فرشات ووسائد ومجموعة من الكراتين التي توضع بها الحاجيات المهمة.
وأكدت أن تلك التفاصيل الوارد ذكرها مسبقاً تقتل نساء غزة كل يوم كما تفعل الصواريخ المتواصل سقوطها منذ عشرة أشهر، متسائلة كيف يمكن لامرأة طهو الطعام، أو غسل ملابسها، أو تنظيف تلك الأواني والصحون، والأهم من هذا كله هو كيف يمكنها قضاء حاجتها في الخلاء وسط الرمال دون وجود حمام مخصص، أو التعامل مع فترة حيضها والاستحمام في ظل فوضى مخيم بدائي.
قطع من القماش والنايلون، تلك هي الخيمة بحسب وصف هداية حسنين، لا تقي من تقلبات الجو كما لا تحمي من الأمراض والأوبئة التي تنتشر بين العائلات عموماً والنساء والأطفال خاصةً، كالأمراض الجلدية مثل الحكة وحساسية الشمس والحساسية الجلدية، مشيرة إلى أنه بحسب ثقافتها البسيطة حول هذه الأمراض وجدت أنها تحتاج وقتاً طويلاً حتى تتماثل للشفاء مع الحفاظ على النظافة التامة، لكن كيف في ظل الوضع الحالي مع تفشي التلوث وندرة المياه والعلاج.
ولفتت إلى أن الحشرات كالذباب والبعوض الذي ينهش الجسم خاصة خلال فترة الليل لا تفارق الخيمة، كما تجد المياه العادمة طريقها إليها، عدا عن الزواحف والأفاعي والعقارب التي تقتحم الخيام فتقض مضاجع نوم النازحين من النساء والأطفال، بل وتجعل من دخول المرحاض كابوس يدفعهن للتساؤل هل سأنجو أم سأموت بلدغة ما خلال قضاء الحاجة.
وتستيقظ هداية حسنين، في كل يوم على لدغات تنفخ جزء من جسدها أو على حرارة الشمس التي تجتاح الخيمة مع تسلل قطرات العرق فتشعر بحروق تمزق جلدها، قبل أن تبدأ يومها حتى، مضيفة أنها مع مرور تلك الأشهر لم تتمكن من التأقلم مع ذلك الروتين خاصة عندما يبيت 16 فرد في مكان لا يتسع لأكثر من 7 أشخاص، فتجد جسدها قد أصبح على حين غرة ممر يدوسه الأخرين كي يجتاز المسافة الواصلة إلى آخر الخيمة.
ولا تعرف هداية حسنين، كما جميع النساء النازحات في المخيم معنى الخصوصية فقد تبقى طوال اليوم بحجابها، فجل مساحة الخيمة هي عبارة عن غرفة النوم والمطبخ والجلوس التي يجتمع داخلها الجميع الأب والأم والإخوة والأخوات، الأحفاد، والزوار من الأصدقاء والأحباء الذين يرغبون بالزيارة والاطمئنان، فلا تستطيع بالتالي منح نفسها دقائق معدودة من العزلة، عدا عن الأصوات التي تخترق المساحات التي تغرق بالقماش ليصاب الرأس بصداع مزمن لا يفارقه.
وفي ختام حديثها قالت هداية حسنين، إن البقاء في الخيمة طوال الليل والنهار يعني الموت فتضطر النساء لارتداء اللباس المناسب والخروج للجلوس بالقرب من الخيمة، أو المشي لبضع كيلو مترات حتى تصلن إلى شاطئ البحر حيث غزة، فتلك هي فرصتهن الوحيدة للتفريغ والتخلص من كبتهن، متمنية أن تصبح تلك الخيمة عما قريبة ذكرى سيئة لها ولجميع قاطني المدينة.