'الجمال ليس معياراً واحداً ثابتاً بل مزيج من شخصية المرأة وثقتها بنفسها وصحتها'
تحاول الرأسمالية تحريف مفهوم الجمال وتسليعه من خلال صناعة المعايير الجديدة والموحدة للجمال، وترويجها عبر صور مشاهير في المجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، لتكريس معايير تجارية تحقق العائد المالي لها.
منى توكا
ليبيا ـ في عصر تسوده الصورة، أصبحت المرأة في دائرة الضوء كمستهلك رئيسي لمنتجات وعمليات التجميل، لكن مع تزايد انتشار هذه المنتجات والعيادات، يثار سؤال أساسي هل تحولت المرأة إلى هدف تجاري تستغله شركات التجميل لزيادة أرباحها؟ أم أن هذه الشركات تساهم حقاً في تعزيز ثقتها بنفسها من خلال الحفاظ على مظهرها؟ هذا ما ذكرته نساء عبر تجاربهن السلبية في هذا الموضوع.
"كنت أشعر بالضغط النفسي بسبب التعليقات السلبية حول شكلي على مواقع التواصل الاجتماعي. اعتقدت أن هذا الإجراء سيمنحني الثقة، لكنني أنفقت أموالاً طائلة على جلسات تصحيح، ولم أستعد شكلي الطبيعي بالكامل حتى الآن"، بهذه الكلمات عبرت نساء ليبيات عن استيائهن من عمليات التجميل التي اضطررن للخضوع لها.
منى سيدي (35 سنة)، موظفة من سبها "خضعت لجلسات تبييض بشرة مكلفة بناءً على إعلانات مركز تجميلي، لكنني لاحظت أن النتائج كانت مؤقتة، وأن بشرتها تضررت بعد عدة أشهر، وتقول "لقد أقنعوني بأنني سأبدو افتح من لون بشرتي بـ 3 درجات. بعد التجربة، اكتشفت أنني دفعت أموالاً بلا فائدة، وأصبحت بحاجة إلى علاج طبي لإصلاح الأضرار".
بدورها تقول المحامية فاطمة كادر (35 سنة)، إنها خضعت لإجراء بسيط لإزالة آثار ندبة قديمة على وجهها، وهي ترى أن هذا ساعدها على استعادة ثقتها بنفسها "يجب أن يكون الهدف تحسين نوعية الحياة وليس البحث عن الجمال المثالي. تجربتي كانت إيجابية لأنني اخترت مركزاً متخصصاً وتحت إشراف طبيب موثوق".
وخضعت رانيا أحمد أستاذة في التعليم الخاص، لجلسات تقشير وعناية دورية بالبشرة، وترى أن هذه الخطوات ساعدتها في الحفاظ على مظهرها دون اللجوء إلى تغييرات جذرية، وتقول "أنا أؤمن بأن العناية بالبشرة والاستثمار في منتجات ذات جودة عالية أمر مهم لكل امرأة. الجمال يبدأ بالعناية الصحية قبل أي شيء آخر. بالنسبة لي، التجديد الطبيعي يعزز شعوري بالثقة دون أي إفراط".
أميرة شهاء (33 سنة)، ربة منزل من سبها، تقول إنها بدأت باستخدام مستحضرات للعناية بالبشرة بعد متابعة خبراء تجميل على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها لاحظت أن العديد من المنتجات التي اشترتها لم تكن فعالة، مضيفةً "التجميل جزء من حياتنا كنساء، لكنني أدركت لاحقاً أن معظم الإعلانات التي نراها تهدف فقط إلى بيع المنتجات، بغض النظر عن فائدتها. الآن أبحث عن طرق طبيعية أكثر للعناية ببشرتي".
وترى فاطمة الشعيبي (38 سنة)، معلمة من مدينة أوباري، أن التجميل ليس عيباً إذا كان في حدود المعقول، قائلة "لم أخضع لعمليات تجميلية، لكنني أحرص على اختيار كريمات طبية وعلاجات لتحسين بشرتي. أعتقد أن كل امرأة تحتاج إلى روتين يعتني بها بعيداً عن الهوس بالجمال".
وصرحت الدكتورة وردة الجراح أن "المرأة بفطرتها تحب العناية بنفسها، لكن شركات التجميل أصبحت تركز على تحويلها إلى مستهلكة رئيسية عبر تغيير معايير الجمال. الهدف الأساسي لهذه الشركات هو تسويق منتجاتها، وليس تمكين المرأة أو تعزيز ثقتها بنفسها. يجب أن يكون الجمال مرتبطاً بروتين يومي صحي وليس بمحاولة تغيير الشكل الجذري".
وعبرت الإعلامية ريماس القسام، عن رأيها "عيادات التجميل تلعب أحياناً دوراً إيجابياً، خاصة في الحالات الضرورية، مثل الإصابات أو التشوهات. لكن للأسف، هناك استغلال مادي مبالغ فيه، حيث تروج لعمليات غير ضرورية. على المرأة أن تدرك أن الجمال الحقيقي ينبع من الروح والشخصية، وليس من الوجه فقط".
أما الإعلامية نجوى الزوي، أبدت وجهة نظرها قائلة "برأيي، المنتجات التجميلية أقل ضرراً وأكثر أماناً من العمليات الجراحية. الرأسمالية أثرت على مفهوم الجمال، وجعلت العديد من النساء في الدول المتقدمة يشبهن بعضهن. الجمال الطبيعي، بعيداً عن هذه التغييرات الجذرية، هو الأفضل دائماً".
وشددت الإعلامية منية بن أحمد، على ضرورة توخي الحذر من استغلال الشركات "شركات التجميل العالمية فرضت معايير جمال غير واقعية، مثل الاعتماد على البوتوكس والفيلر. هذه المعايير ليست سوى أدوات تسويقية لاستغلال المرأة وزيادة مبيعاتها. لا يوجد جمال كامل، والجمال الحقيقي يبدأ من الداخل، من الثقة بالنفس والروح".
فيما أوضحت الأخصائية الجلدية مبروكة الشريف، خلال حديثها أن "مراكز التجميل ليست عدوة للمرأة، بل شريك في العناية بالبشرة إذا استخدمت خدماتها بشكل معتدل. التجميل يجب أن يكون له حدود وألا يتحول إلى هوس يؤدي إلى مشكلات نفسية. الأولوية دائماً هي معالجة أي أمراض جلدية قبل التوجه للتجميل. دورنا هو مساعدة المرأة على الحفاظ على بشرتها بشكل صحي وطبيعي".
وترى الأخصائية الاجتماعية ليلى مسعود، أن الضغط المجتمعي والإعلامي يلعب دوراً كبيراً في توجه النساء نحو منتجات وعيادات التجميل. وتقول إن "المرأة اليوم تواجه ضغوطاً هائلة من المجتمع ومن وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج لصورة مثالية وغير واقعية للجمال. هذا يولد شعوراً بالنقص لدى الكثير من النساء، ويدفعهن للبحث عن الحلول في منتجات وعمليات التجميل، حتى وإن لم يكن ذلك ضرورياً. في حالات كثيرة، يتحول هذا السعي إلى هوس قد يؤدي إلى مشكلات نفسية، مثل انخفاض الثقة بالنفس أو حتى اضطرابات القلق والاكتئاب".
وأضافت أن هذا الموضوع يحتاج إلى وعي مجتمعي أكبر "من المهم أن تدرك المرأة أن جمالها ليس معياراً واحداً ثابتاً، بل هو مزيج من شخصيتها وثقتها بنفسها وصحتها النفسية والجسدية. على الإعلام والمجتمع أن يلعبا دوراً إيجابياً في تعزيز فكرة الجمال الطبيعي بدلاً من تكريس معايير تجارية مستحيلة".