الفطر البري غذاء ومصدر رزق لأطفال إدلب
رغم المخاطر والتحديات يصر الكثير من أطفال إدلب على المضي في رحلات البحث وجمع الفطر البري من الحقول، كونه مصدر دخل وغذاء لعوائلهم النازحة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.
لينا الخطيب
إدلب ـ يبحث أطفال إدلب خلال فصل الشتاء ووسط أجواء ضبابية عن نبات الفطر وسط تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، حاملين على عاتقهم مساعدة أسرهم على الرغم من صغر سنهم.
يتجول أطفال من مدينة إدلب في الشمال السوري بين الغابات والأراضي الزراعية، بحثاً عن نبات الفطر البري الصالح للأكل لتأمين مصدر دخل يساعدهم في تأمين احتياجاتهم، حيث يستفيد الطفل وائل الدعاس البالغ من العمر 10 سنوات وهو نازح من مدينة سراقب شرق إدلب، من فصل الشتاء لجمع الفطر بكافة أنواعه، وبيعه في الأسواق مقابل القليل من المال يمكنه من شراء بعض المستلزمات، حيث قالت والدته حسناء الجانودي البالغة من العمر 35 عاماً "لا تتوفر لزوجي فرص عمل في الكثير من الأوقات، لذا نجد في بيع الفطر مصدر دخل موسمي، حيث يخرج أطفالنا خلال الأيام المشمسة والدافئة للبحث عنه وجمعه ثم بيعه"، مؤكدة أنه يغنيهم عن اللحوم التي ليس بمقدورهم شرائها إلا في الأعياد والمناسبات نظراً لارتفاع أسعارها.
كما أن بيع الفطر بات يشكل مصدر دخل للطفلة النازحة من ريف حماة إلى مخيم حربنوش شمالي إدلب سمر الجابر البالغة من العمر 12عاماً، وتقول "منذ أن هُجرنا من مدينتنا، أقوم في كل شتاء بجمع نبات الفطر البري في أجواء يتخللها اللهو والعمل، كما أقوم بتعليم أخوتي على كيفية البحث عن الفطر وبذلك يمكنهم مساعدتي في زيادة دخل عائلتنا"، موضحة أن الفطر يكون في الطبقة السطحية من التربة أو تحت أوراق وأغصان الاشجار المتساقطة، لذلك تنبش التراب بتروي باستخدام يديها حتى لا يتكسر ويفقد شكله، مبينةً أنها تأخذ حاجة أسرتها منه كونه مصدر غذائي هام يغنيهم عن اللحوم التي يعجزون عن شرائها لارتفاع ثمنها.
من جهتها قالت فنية التغذية العلاجية روان الأحمدو "يعدّ موسم جمع الفطر موسماً مهماً بالنسبة لأهالي إدلب، ما إن يبدأ فصل الشتاء حتى يقصدوا الجبال بحثاً عنه، إذ يعتمد الكثير منهم على ثمنه في تأمين دخلهم، نظراً لقلة فرص العمل بالمنطقة والظروف المعيشية الصعبة، وليس جميع أنواع الفطر يمكن تناولها فبعضها نافع وصالح للأكل وبعضها الآخر سام وقاتل لذلك يجب التأكد من نوع الفطر البري قبل تناوله، خاصة أنه انتشرت عدة أنواع سامة وغير قابلة للاستهلاك في المنطقة، يجب تحذير الأطفال من الاقتراب من الفطر البري لصعوبة تمييزهم بين السام والصالح للأكل"، مؤكدةً أن الأعراض الناتجة عن التسمم بالفطر تختلف بين أعراض خفيفة تحدث في الجهاز الهضمي إلى فشل في وظائف بعض أعضاء الجسم قد تؤدي للوفاة.
أما عن فوائد الفطر الصالح للأكل قالت إن الدراسات الطبية أثبتت أن العناصر الغذائية والفوائد التي يتمتع بها الفطر تجعله طعاماً مهماً لمن يعانون ظروف معيشية واقتصادية متردية، فهو يحتوي على البروتينات والفيتامينات والكالسيوم التي لا تتوفر بسبب صعوبة الوصول إلى مصادر الغذاء خاصة في ظروف النزوح واللجوء، وهو البديل الصحي للحوم، بروتيناته تساعد على نمو أنسجة الجسم كما يقلل فرص الإصابة بفقر الدم.
والعمل بجمع الفطر لا يخلو من المخاطر خاصة في ظل انتشار مخلفات الحرب التي لم تنفجر بعد وكذلك الحيوانات المفترسة، كما أن أغلب الأطفال لا يستطيعون التمييز بين أنواع الفطر، مما يجعلهم عرضة للتسمم، فقد نجا ولدا كاملة الحسين البالغة من العمر 39 عاماً وهي نازحة من معرة النعمان إلى بلدة كللي شمالي إدلب، من الموت بعد تناولهما لأحد أنواع الفطر السامة، وتقول "بعد عودتهما من جمع نبات الفطر بدأت أعراض التسمم تظهر عليهما حيث شعرا بالدوار وفقدان التوازن، ترافق ذلك مع آلام شديدة في المعدة وإسهال".
بتاريخ 6 من شهر شباط/فبراير الجاري فقد طفلان ينحدران من بلدة كللي بريف ادلب الشمالي حياتهما بعد تناولهما الفطر السام، ولكن رغم المخاطر يصر الكثير من الأهالي على المضي في رحلات جمع الفطر البري من الحقول، كونه مصدر دخل وغذاء للعديد من العوائل النازحة.