الفقر وتدني مستوى الثقافة من أسباب تسرب الفتيات من المدارس
تسرب الفتيات من المدارس في سن مبكرة واحدة من معوقات تمكينهن لمواجهة الثقافة الاجتماعية السائدة حول دور المرأة المنمط بالمجتمع، والتعامل مع تلك الأزمة يعد أولى بوابات تغيير واقع الفتيات والنساء.
أسماء فتحي
القاهرة ـ حرمان الفتيات من حقهن في التعليم مؤشر لفهم سياقات تسربهن من المدارس في القرى والأرياف، لتكون النساء هناك الأتعس حظاً باستثناءات ليست الأعم لكون الثقافة السائدة هناك لا تجد في تعليم الفتيات وخروجهن للعمل أهمية بقدر تزويجهن في سن مبكرة.
"اتمنى لو أن التعليم يكون طيلة فترة حياتي فقط لأتمكن من فك الخط، لم أعد أتقبل كوني أمية وجاهلة بأبسط مبادئ القراءة والكتابة"، بهذه الكلمات عبرت هدى رجب "اسم مستعار" عن حسرتها لحرمانها من حقها في التعليم لأن أسرتها لم تكن قادرة على تحمل تكاليف تعليم 5 أطفال، لتجبر هي وأختها على ترك المدرسة حتى يتمكن أخوتهن من متابعتها.
التسرب لا يرتبط برغبة الفتيات ولكنه قرار يرجع للأهل
روت هدى رجب قصة حرمانها من التعليم، حيث قالت "بكيت كثيراً وما زلت حزينة لأني لم أحصل على التعليم، وكنت أحفظ مع إخوتي وأجيب على الأسئلة أسرع منهم وتمكنت من تعلم الكتابة والقراءة مؤخراً، رغم أني لم أدخل المدرسة سوى لعام واحد فقط ولا أعلم لماذا قررت أسرتي أن تخرجني وأختي منها فيما تابع أخوتي الذكور، رغم أننا كنا متفوقتين عليهم كما أنهم لم يحبوا التعليم وتركوه لاحقاً ليلتحقوا بسوق العمل".
وأكدت أنها لم تلتمس أية بوادر رغبة من أخوتها في اكمال تعليمهم، حيث كانت تقول لهم "لماذا لم يسمح أهلي ليّ بإكمال تعليمي، كنت سأحصل على المركز الأول كل عام، أتيحت لكم أفضل الفرص لكنكم لا تدرسون".
ولفتت إلى أنها طوال حياتها ترى أن التعليم مهم للفتيات وهو ما حرصت أن تحصل عليه بناتها "الفكر السائد في مجتمعنا أن الفتاة مصيرها الزواج والصرف على تعليمها تضييع للمال"، إلا أنها لم تكن تؤمن بذلك وبناتها في مراحل تعليم مختلفة "أحرص على تخصيص جزء من الدخل الذي أحصل عليه على تعليمهن، كل ذلك حتى أعوض ما خسرته من حقوقي الأساسية، لقد علمّنني القراءة والكتابة".
الفقر والثقافة السائدة من أسباب حرمان الفتيات من التعليم في القرى
قالت ميرنا علاء خريجة أدب عربي من الشرقية، إن القرى تسودها الكثير من الأفكار التي تجعل الفتيات في ترتيب أقل من أقرانهن، حيث أن الظروف الاقتصادية تؤثر بدرجة كبيرة على قرارات ذويهن، ففي مسألة التسرب من التعليم هناك "استرخاص واستسهال" فبدلاً من الإنفاق على الفتاة لإكمال تعليمها يحال أمرها للزوج ليقوم بهذا الدور.
وأضافت أن غالبية القرى لا يوجد بها اهتمام بالتعليم حتى أن مستوى المدارس سيء من حيث قلة الكادر التعليمي وتدني مستوى التعامل مع الأطفال في حد ذاتها منفرة للغاية، كما أن البنية التحتية للمدارس تحتاج إلى إعادة نظر وتأهيل حتى تتشجع الفتيات على الالتحاق بها، إلى جانب ثقافة الأهل نفسها تجاه تعليم الفتيات وأهمية ذلك.
وأرجعت السبب في تدني نسب التحاق الفتيات بالمدارس وانتشار الجهل بشكل عام في بعض القرى، حيث أن أغلب الأسر غير متعلمة ولا تدرك أهمية تأثير ذلك على مستقبل الفتيات، كما أن للأوضاع الاقتصادية دور كبير في تلك الأزمة فالأهل قد لا يملكون المال الكافي للإنفاق على تعليمهن وهو أمر يجعل ذويهن يضعون تعليم الأبناء في مقدمة أولياتهم.
واعتبرت أن الوضع في المدن مختلف عن ذلك، فهناك نسبة تعليم كبيرة لكون الأهل أنفسهم متعلمين ويدركون أهمية التعليم ولديهم وعي تجاه فكرة دعم الفتاة حتى تستطيع النجاح في حياتها ومواجهة مصاعب الحياة.
التعليم يغير واقع الفتيات والنساء نحو الأفضل
أكدت أروى علاء واحدة من فتيات الشرقية، أن هناك توعية واسعة حول أهمية تعليم الفتيات من أجل تغيير واقعهن نحو الأفضل خاصة في بعض المدن ذات الطابع الريفي، بعد الاطلاع على الأوضاع والتطور التكنولوجي، فضلاً عن النجاحات التي حققتها النساء في مجال التعليم والعمل والحياة الأسرية.
واعتبرت أن الفكر ذاته يحاصر المرأة ويخشى من تبعات خروجها وتعلمها ويربط حياتها بالزواج والأسرة وكأن ذلك الدور الوحيد الذي خلقت من أجله، مرجعة عدم تعليم الفتيات للتربية ذاتها فالأسرة نشأ أفرادها على موروث ينص على تجريد الفتيات من حقهن في التعليم، مؤكدةً أن للفقر دور كبير في تسرب الفتيات في سن مبكر من العملية التعليمية بسبب عدم القدرة على الإنفاق.
وأضافت أن هناك فروق كبيرة بين البنت المعلمة وغيرها سواء على مستوى التحدث أو المواقف أو مواجهة صعوبات الحياة بتنويعاتها التي تزداد يوماً تلو الآخر، معتبرةً أن التعليم أداة قوية تجعل الفتيات قادرات على التعليم والعمل لاحقاً وحتى النجاح في إدارة أسرتها.
وعن رغبة النساء القوية في التعلم قالت أروى علاء "لدي صديقات أجبرن على ترك المدرسة مبكراً، إلا أن الكثير منه حينما تتاح لهن الفرص تعدن مرة أخرى وتكملن تعلمهن لكونهن راغبات في ذلك، وهو أمر يتضح جلياً في نحاج فصول محو الأمية والرغبة القوية لدى أغلب النساء الغير متعلمات في تشجيع الفتيات على متابعة تعليمهن".