البيوت الطينية... وسيلة صمود نازحات في إدلب
في ظل تلاشي الأمل بالعودة القريبة إلى منازلهن، سارعت النازحات في إدلب إلى البحث عن حلول دائمة وبدائل عن الخيام، ببناء بيوت من طين.
لينا الخطيب
إدلب ـ تحاول نازحات في إدلب التخلص من حياة الخيام التي تفتقد الأمان والخصوصية، والبحث عن بدائل تتناسب مع قسوة واقعهن، فبادرن لبناء غرف من طين بتكاليف بسيطة، كحل مؤقت بديل عن المساكن الإسمنتية، وتأمين مأوى مناسب وسط ظروف معيشية واقتصادية متردية.
تمكنت مروة الحمدان (45 عاماً) بمساعدة أولادها وإحدى جاراتها من جمع الحجارة والتراب من الجبل القريب من المخيم الذي تقطن به، بهدف بناء غرفة طينية، لتكون حلاً بديلاً عن خيمتهم البالية التي لا ترد عنهم برد الشتاء أو حر الصيف.
وأوضحت أن ما دفعها لبناء غرفة طينية هو معاناة أسرتها خلال فصل الشتاء الفائت جراء البرد القارس، والعواصف التي تسببت باقتلاع الخيمة عدة مرات، فضلاً عن تسرب مياه الأمطار إلى محتوياتها والأغطية والوسائد التي يجلسون عليها.
وعن ميزات الغرفة الطينية تقول "الخيمة بحاجة إلى تبديل وصيانة كل عام، أما الغرفة الطينية فتدوم مدة أطول، وتتميز بالبرودة صيفاً والدفء شتاء وعزلها الكبير لتقلبات الطقس".
وحول نزوحهم من مدينتهم قالت "بعد نزوحنا من ريف مدينة سراقب بداية عام 2020 ظننا أن النزوح لن يدوم أكثر من عدة أشهر، ولكن مع مرور الوقت لم يعد لدينا أي أمل بالعودة القريبة إلى منازلنا، مما استدعى البحث عن حلول دائمة وبدائل عن الخيام".
وعن طريقة بناء الغرفة الطينية تقول "قمت بداية بخلط التراب مع القش والماء ليصبح أكثر تماسكاً، ثم بدأت بوضع الحجارة وتثبيتها بالطين من الخارج والداخل، وبعد الانتهاء من بناء المنزل قمت بوضع ألواح خشبية وشادر من النايلون في السقف".
ولفتت إلى انتشار ورشات لصناعة الحجارة الطينية في المنطقة، حيث يقوم العمال فيه بغربلة التراب لإبعاد الشوائب عنه، ثم يمزج التراب مع التبن والماء ويوضع المزيج في قالب خاص من الحديد أو الخشب، ثم يتم إخراج القطعة من القالب، وتوضع عدة أيام تحت أشعة الشمس حتى تجف تماماً وتصبح قابلة للاستخدام، ثم تتم عملية بناء الحجارة الطينية أو الطوب بنفس طريقة بناء الحجارة الإسمنتية.
من جانبها قالت سلمى القسوم (19 عاماً) أن الغرفة الطينية تؤمن بعض الخصوصية لها ولأمها ولأختها البالغة من العمر 15 عاماً، "العيش في الخيمة لا يختلف عن السكن في العراء، حيث كانت حريتنا مقيدة في اللباس والكلام، وكان علينا البقاء بوضعية الاستعداد طوال اليوم، إلى جانب خوفنا المستمر من دخول اللصوص أو الحيوانات الضالة إلى الخيمة أثناء نومنا، ولكننا وجدنا الغرفة الطينية أكثر أماناً واستقلالية".
الخمسينية نوال الحمشو النازحة من مدينة خان شيخون إلى مخيم على أطراف مدينة أطمة الحدودية استبدلت خيمتها بمنزل من حجارة وطين لتأوي إليه خلال رحلة نزوحها، وعن ذلك تقول "صحيح أن هذا المنزل أشبه بمنازل أجدادنا البدائية، لكنني آمل أن يصمد في وجه البرد والحر، ويحميني من الأمطار والثلوج كل شتاء".
وتشكو من إهمال منظمات المجتمع المدني وتقصيرها تجاه مخيمات النازحين في المنطقة، وعدم تقديم الدعم اللازم لتحسين ظروف القاطنين فيها، وتجاوز مشكلة السكن.
بعد احتراق خيمتها سارعت وليدة العوني (35 عاماً) النازحة من بلدة خان السبل إلى مخيم كفرعروق بريف إدلب الشمالي، لبناء غرفة من طين، "منذ قرابة ثلاثة أشهر كنت أشعل الموقد إلى جانب الخيمة لتجهيز الطعام لأسرتي، وأثناء هبوب الرياح انتقلت النار إلى طرف الخيمة، ما أدى إلى اشتعالها، ولم تصمد كثيراً أمام النار التي حولتها خلال دقائق إلى رماد باعتبارها سريعة الاشتعال، ومصنوعة من القماش والنايلون".
وقالت أنها بادرت لبناء غرفة من طين حتى لا تتكرر حادثة الاحتراق، "عدم الاستقرار والخوف الدائم من نزوح جديد، لا يشجعنا على بناء منازل إسمنتية مرتفعة التكاليف، لذلك وجدنا في هذه المنازل الطينية حلاً مجدياً واقتصادياً".
بحلول بدائية وبيوت من طين تتغلب نساء في إدلب على مرارة النزوح وقلة الموارد وارتفاع أسعار مواد البناء، ويتحايلن لتوفير حياة أفضل لأسرهن، والتخلص من العيش في الخيام القماشية التي لا تحمي ساكنها من برد الشتاء أو حر الصيف، ويبقى لديهن الأمل أن تنتهي معاناة النزوح والتشريد بعودة قريبة إلى منازلهن.