الباحثات في تونس... ضعف الدعم وهجرة مقلقة
تحتل تونس المرتبة الثانية عربياً من حيث عدد الباحثين/ات، وتمثل نسبة الباحثات 55 بالمائة من مجموع العاملين على مشاريع بحث في جميع القطاعات، وتعشن أوضاعاً صعبة نتيجة ضعف الميزانية المرصودة للبحث العلمي والدعم.
زهور المشرقي
تونس ـ تمثل نسبة الباحثات في تونس 55 بالمائة من مجموع العاملين على مشاريع بحث في جميع القطاعات في البلاد، وفق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كما تهمين الطالبات على مقاعد الدكتوراه مقارنة بالطلاب، وبرغم ذلك تعشن بعد استكمال المسار العلمي ظروفاً صعبة تدفعهن أحياناً للهجرة.
سجل حضور المرأة في التدريس والبحث العلمي تطوراً إذ تمثل النساء 50 بالمائة من إطار التدريس، لكنهن لا تحتلين مراكز قيادية في الجامعة.
ووصفت الباحثة التونسية المختصة في الهندسة الكهربائية الدكتورة رباب التواتي، وضعية الباحثات بالصعبة، بالرغم من أن تونس تحتل المرتبة الثانية عربياً من حيث عدد الباحثين الذين بلغ عددهم 11،800 باحثاً عام 2023، وكانت الأولى عربياً وإفريقياً في السنوات السابقة "هو أمر إيجابي يسجل لصالح الجامعة التونسية التي باتت مرجعا مهماً".
وأوضحت أنها كباحثة وجامعية كانت مؤهلة بأن تعمل كمهندسة فقط، لكنها اختارت استكمال مسارها العلمي لتصبح دكتورة تدرس في الجامعة، معبرةً عن غضبها من الوضع الذي فتح الأبواب للباحثات/ين للهجرة إلى الخارج مجبرات/ين.
وأكدت أن البحث نطاق ليس محلي بل عالمي "أنا كباحثة كل العالم يعترف بقدراتي ويتم الترحيب بي للمشاركة في المؤتمرات الدولية، كباحثات شهادتنا عالمية، ومكانة الباحث/ة مهمة، لذا يجب تقديرها في بلادنا وإيلاءنا الأهمية القصوى".
وعن الإشكاليات التي تعانيها الباحثة التونسية، أكدت أنها كثيرة، من بينها انعدام الدعم المادي من قبل الحكومة حتى تهيئ الأرضية لها للعمل والإنتاج والبحث، فضلاً عن التفرقة الاجتماعية التي ترى مكان المرأة الباحثة منزلها "إنها العقلية الذكورية المستبطنة التي تكابدها الباحثات عموماً".
وأضافت "البلد الذي تناضل فيه النساء عموماً من أجل إقرار المساواة التامة والفعلية؛ من حق الباحثات فيه أن توفر لهن فرص العمل وأن يتوفر لهن الدعم المادي من الحكومة للقيام بالبحث في أي مجال تردن"، معبرةً عن أسفها في استفادة دول أخرى من خبرات تونسية لم تجد حظها في بلدها.
وأشارت إلى أن "القوانين التي تقول الحكومة أنها تسعى إلى تحقيق المساواة غير كافية؛ نريد تفعيلاً لها على أرض الواقع؛ عبر تشريك الباحثات والعمل بالتساوي مع الباحثين الرجال؛ لدينا كفاءات عليا تستحق أن تنال منصباً في الجامعة كعميدة أو مديرة".
وقالت إن الباحثات أنفسهن تخشين الترشح لتلك المناصب لأنهن تعرفن جيداً عواقب الوضع، في مجتمع ذكوري نوعاً ما، فتفضلن البقاء في المخابر كباحثات "نسبة الباحثات في المراكز القيادية ضعيفة، برغم أن عددهن أكثر من الباحثين، لايوجد تساوي بينهما من ناحية الترقية والمنصب، لدينا رئيسة جامعة فقط في تونس؛ والتي أصبحت وزيرة، برغم ما حققته الباحثات من تميز".
وأضافت أن العقلية الذكورية المتوارثة تأثرت بها حتى الجامعة، التي يوجد بها مثقفون/ات لكن لازال قبول امرأة مسؤولة غير محبذ.
وعن تقدير مكانة الباحثة، قالت إنه لا يتم إنصافها "المنحة الوحيدة التي تصدرها وزارة الأسرة والمرأة التونسية في نهاية كل عام للنساء حول بحوث محددة، منحة يتيمة لانعرف عنها شيء وأحياناً لانسمع عنها إلا بعد تسلمها من الفائزات، وتحديداً لاختصاصات معينة، لانعرف من في اللجنة وكيف تسند الجائزة المقدرة تقريباً بـ 5 آلاف دولار أي 15 ألف دينار"، منوهة إلى خطورة هجرة الباحثات نتيجة هذه السياسات الإقصائية التي تحصر الجوائز وتخلق إشكاليات تفاقم ظاهرة هجرة الكفاءات التي درستها المدرسة والجامعة العمومية التونسية.
ودعت الباحثات إلى كسر حاجز الخوف واقتحام كل المجالات وإبداء الرأي فيها والحديث عن المشاكل التي تعشنها في مسارها العلمي حتى تنصت لها الحكومة، مؤكدة أن صوتهن قادر على التغيير والتأثير.
وتطرقت إلى المضايقات التي تتعرض لها الباحثات "هناك قانون ثوري صدر منذ عام 2017 جاء ليحميهن ويضمن كرامتهن، داعية إياهن للتبليغ وعدم الخوف من نظرة المجتمع"، مشيرة إلى أن عدم فتح باب الانتداب سنوياً يعقد وضع الباحثات ويفاقم البطالة في صفوفهن "النقد هدفه الإصلاح لا تعرية الواقع فقط".
وحول وضع الباحثات من ذوي الاحتياجات الخاصة أكدت أن الحكومة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وضعهن وتراعي الطريق المعقد الذي سلكنه للنجاح بتضحيات كبيرة تتطلب التقدير "يجب تشغيلهن وانتدابهن آلياً دون شروط وتعقيدات، الباحثة من ذوي الاحتياجات الخاصة المتحصلة على دكتوراه لم يكن طريقها سهلاً، كان صعبا للغاية ويجب احترامه".