الانفصال حرية... عندما يصبح عدم الإنجاب سبباً للعنف

العنف على النساء قائم منذ زمن بعيد وخاصة في تلك المناطق التي تفتقر للتعليم والتوعية، أما في مناطق شمال شرق سوريا فالنساء أصبحن محظوظات في السنوات الأخيرة بالنسبة لحجم التوعية بحقوقهن

نسرين كلش

قامشلو ـ العنف على النساء قائم منذ زمن بعيد وخاصة في تلك المناطق التي تفتقر للتعليم والتوعية، أما في مناطق شمال شرق سوريا فالنساء أصبحن محظوظات في السنوات الأخيرة بالنسبة لحجم التوعية بحقوقهن، والمراكز والمؤسسات التي تدافع عن قضاياهن، والقوانين التي تشرع في سبيل تأمين حياة كريمة وعادلة لهن.  

يعرف العنف ضد المرأة بأنه أي سلوك عنيف يمارس ضدها ولا يقتصر بالضرب والإيذاء فقط إنما له عدة أشكال، جسدية وجنسية ونفسية، كما أن التهديد وحرمانها من حرياتها وتعدد الزوجات تعتبر من ممارسات عنيفة، بالتالي انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان.

في شمال وشرق سوريا تأسست العديد من المنظمات التي تنادي بحقوق النساء، والوقوف إلى جانبهن حيال الانتهاكات التي ترتكب بحقوقهم، كمنظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي كانت لها بصمة في العديد من القضايا.

الإدارية في منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة ارزو تمو قالت "تتعرض النساء لعنف مختلف الأشكال والأوجه، لكن نسبة كبيرة منهن أصبحن يرفضن هذا العنف وتلجأن إلينا، فعندما تتقدم الينا هذه الحالات ندرس الخلاف إن كان يمكن حله بجلسات توعية للطرفين فنقوم بذلك، أما بالحالات التي تكون فيها آثار العنف واضحة نعالج هذه الحالات في محاكم الإدارة الذاتية بقسم الدعاوى الجزائية".  

وذكرت أن العنف اللفظي هو الأكثر شيوعاً في مناطق شمال وشرق سوريا دون التطرق إلى أبعاد هذا العنف على المرأة أولاً وعلى المجتمع ثانياً "يسيطر المجتمع الأبوي على حياة النساء، لذلك تعتبر الكثير منهن أن العنف هو الضرب فقط، فهذه الشريحة لا تقدر مخاطر العنف اللفظي الذي يطال أولادها وفيما بعد المجتمع، الأمر الذي نحاول حله من خلال الجلسات والحوارات والندوات التوعوية التي ننظمها كل فترة".  

كما أشارت إلى العنف الجنسي وقالت إن له مخاطر عديدة "في هذا النوع من العنف لا تتم مراعاة حالة المرأة أو احترام رأيها، فتتحول هذه الممارسة إلى اغتصاب، كذلك التحرش ومحاولات الاغتصاب والملامسات الجنسية كلها أفعال تقع تحت خانة العنف الجنسي".

وعن الإجراءات التي تتخذها منظمة سارا بحال تم تحويل القضية للمحكمة قالت أرزو تمو "عندما يصل العنف الجسدي إلى مراحل وجود آثار للضرب والإهانة بشكل علني، نقوم باتخاذ الإجراءات التالية، وهي تصوير الآثار وأخذها للنيابة، وفيما بعد كتابة تقرير باسم منظمة سارا، يعبر عن الحالة التي تعيشها المرأة، سواء كانت نفسية أو جسدية، وتضمينه مع تقرير طبيب شرعي، ومن ثم تقديمها للنيابة مع الدلائل والثبوتيات وبعد استلامهم تتحول هذه القضية إلى المحكمة، ومن ثم نتابع القضية والجلسات كما أن لمنظمة سارا الحق في التدخل بمجرى المحاكمة، ونستمر في ذلك حتى التأكد من حصول المرأة على حقوقها بشكل كامل".  

وفي ختام حديثها وجهت رسالة للنساء اللواتي تتعرضن للعنف وما زلن صامتات، طالبتهن فيها بالتوجه إلى المراكز والمؤسسات التي تدافع عن حقوق النساء، وعدم التغاضي لأن العنف المستمر يؤدي في كثير من الحالات إلى الموت.  

   

لم تنجب أطفال فكانت عرضة للعنف

إ.ش ممرضة تبلغ من العمر 30 عاماً قالت إنها طالما تعرضت للعنف من قبل زوجها "لم أرزق بأطفال رغم مرور ثلاث سنوات على زواجي، مع تأكيد الأطباء على أن حالتنا أنا وزوجي سليمة، وهو ما اتخذه زوجي سبباً لتعنيفي لفظياً بوصفي بالعاقر"، مضيفةً "تكتمت على الأمر معتبرةً أن هذه الحالة مؤقتة لكن الأمر ازداد تعقيداً".

وتابعت "فضلت عدم الحديث عن مشكلتي أو المطالبة باحترامي كوني تربيت في بيئة تحث المرأة على التحمل من أجل الحفاظ على بيتها، وبأمل مني على تغييره، حاولت حل المشاكل التي تواجهنا بالنقاش لكن محاولاتي باءت بالفشل".

 

"للصبر حدود"

وأشارت إ.ش إلى أن العنف اللفظي والنفسي تحولا لعنف جسدي "عندما تعرضت للضرب، فضلت عدم الاعتراض لأنني كنت أخشى من مواجهة المجتمع، لكن في إحدى المرات، أمسك بعصا وبدأ بضربي وطالبني بإنجاب طفل، حتى أن علامات الضرب بقيت لأيام على وجهي وجسدي عندها قررت وضع حد لهذه المعاناة".

تقول إنها صبرت كثيراً لكن "للصبر حدود"، مضيفةً "نفذ صبري فالمعاناة والتعاسة اللتان أعيش بهما بشكل دائم من بعد أول سنتي زواج، والعنف النفسي والجسدي اللذين أتعرض لهما دفعاني لاتخاذ قرار بأن أترك المنزل". مشيرةً إلى أن عائلتها تعلم بممارسات زوجها لكنهم لأول مرة يرون آثار العنف.

 

"لا بد من مواجهة المجتمع"

قررت إ.ش تحرير نفسها من هذا الزواج "تأكدت من قراري بالانفصال، وليس ذلك فقط إنما تحصيل كامل حقوقي، وتلقيت دعماً من أسرتي وكذلك من منظمة سارا التي من خلالها فهمت حقوقي، وأيقنت أن انفصالي عنه هو الأنسب، وبعد الدلائل والثبوتيات التي تثبت أنني تعرضت للعنف حكمت المحكمة بالطلاق والحصول على حقوقي كاملة".

بالسؤال عن الدافع الذي جعلها تواجه المجتمع على الرغم من خوفها منه سابقاً بينت أن "مواجهة المجتمع في أي قضية أمر محسوم ولا يمكن مناقشته، بعد الضرب والعنف والإهانات التي تعرضت لها، أدركت أن المجتمع وكلامه لا شيء مقارنة مع الآلام والمعاناة التي أعيشها كل يوم".

نظرة إ.ش ليست متشائمة نحو المجتمع فهي ترى أنه أصبح منفتحاً أكثر ومتقبلاً لحقوق المرأة، "تغير مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة وأصبح يقدر المرأة، فالتصورات التي كنت أتخيلها سابقاً لم أرى منها إلا القليل، فتمنيت لو أنني أقدمت على هذه الخطوة قبل وصولي لمرحلة الضرب المبرح".

 

عادت لتمارس موهبتها

ذكرت أنها بعد الانفصال دخلت بمرحلة العزلة لمدة شهر، فكانت ترفض اللقاء بأي أحد خارج نطاق عائلتها، وعن هذه الفترة قالت "بعد الانفصال، أيقنت أنه كان القرار الأسلم فعندما لا يعطي الزوج أي احترام لزوجته كإنسان فإن الانفصال عنه واجب".

وأشارت إلى أن البيئة التي عاشت بها دفنت الشغف والموهبة التي تمتلكها ألا وهي الرسم والعزف على العود "فرضت العزلة على نفسي، لأحدد أولوياتي ولأظهر بصورة جديدة تليق بامرأة قوية، فقمت بمتابعة عملي في المستشفى، ومارست هواياتي التي أحبها جداً، مع التفاؤل والأمل اللذين أعدتهما إلى حياتي مجدداً، فأصبح الوتر أكثر بهجة وريشتي حرة".  

واختتمت إ.ش حديثها موجهة رسالة إلى النساء اللواتي يتعرضن للعنف وما زلن صامتات قالت فيها "لا يوجد اختلاف بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات لذلك على النساء أن ترفضن العنف، لأنه إهانة للنفس قبل الجسد، يجب كسر الصمت لأنه يجعل الطرف الآخر يتمادى أكثر في انتهاك حقوقكن، عليكن ألا تخشين من ردة فعل المجتمع بل أن تغيرن نظرته تجاه المرأة".