العاملات في القطاع الفلاحي... كادحات ومنسيات
تشكّل النساء 70% من اليد العاملة في قطاع الفلاحي، لكنّ أجورهنّ أقلّ بحوالي 50% من نظرائهن الرجال، ويتمتع عدد قليل منهنّ بالحماية الاجتماعية، إذ إنّ 33% فقط من النساء العاملات الفلاحات لديهنّ ضمان اجتماعيّ.
إخلاص الحمروني
تونس ـ كثيراً ما توصف تونس بأنّها دولة رائدة في مجال حقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه بمجرد التجول في الحقول والمزارع المنتشرة في المناطق الداخلية تدرك نسبية ومحدودية هذه الحقيقة، وتتضح الصورة أكثر عند التحدث إلى الفلاحات اللواتي تواجهن الاستغلال بكل أنواعه.
في أحد حقول الزيتون الشاسعة على مشارف مدينة بوفيشة من ولاية سوسة (مدينة ساحلية تبعد عن العاصمة 140 كلم)، تجتمع مجموعة من النساء تجنين الزيتون، كل امرأتين أو ثلاثة تحت شجرة، في ظل طقس بارد ورياح قوية وأثار المطر التي هطلت ليلاً لا تزال موجودة على الأرض، محملات بأدوات تساعدهن في عملهن، بعضهن تحدثن بحرية وسمحنا لنا بتصويرهن وأخريات تحدثن بتحفظ فيما رفضت أخريات التحدث عن قصصهن لأن زميلاتهن قالوا كل ما يمكن قوله.
هنا تتشابه قصص العاملات حيث تعيش غالبيتهن ظروفاً اجتماعية قاسية، وتضطررن إلى الإنفاق على عائلاتهن، تعملن في البرد والمطر وتحت أشعة الشمس الحارقة، وتشكل أيديهن المجرحة من العمل وأقدامهن الملطخة بالوحل الشاهد الأكبر على معاناتهن من جني الزيتون ومن دون أن يسمح لهن بالشكوى أو بالتوقف عن العمل، والحصول على قسط من الراحة.
معاناة يومية
بحرقة وألم يكاد يحبس أنفاسها، تتحدث الستينية مريم السباعي والقادمة من أرياف القصرين عن عملها وحياتها اليومية، وتقول "لدي 5 أبناء يدرس 2 منهم في الجامعة، وجميع مصاريف دراستهم واحتياجاتهم تقع على كاهلي".
وأوضحت أن وضعها يشبه إلى حد ما وضعية العاملات الأخريات "لا تتوقف معاناتنا اليومية عند التعب نحن نتعرض في معظم الأحيان إلى عنف لفظي من صاحب الأرض والعاملين، ونواجه معاملة مهينة واستغلالاً في قيمة الأجر المحدد المدفوع لنا، وساعات العمل الطويلة، ففي الموسم الماضي لجني الزيتون كنا نحصل على 10 دنانير (3 دولارات) يومياً رغم أننا نعمل بجهد كبير لمدة 9 ساعات، ونعود عادة إلى بيوتنا في الريف بعد رحلة تستمر ساعات عدة. وهذا العام وعدنا صاحب هذا الحقل ب 25 دينار ( حوالي 7.5 دولار)".
وبينت أنها أمضت أكثر من 30 عاماً في العمل بالفلاحة "أجبرتني الظروف في منطقتي على هذا العمل في ظل غياب مصانع، أو أي فرص عمل أخرى".
15 عاماً من العمل بلا راحة
من جهتها قالت الخمسينية عائشة التواتي، والمتكفلة بتربية 3 أطفال أيتام أطفال صغار وتعيش في منطقة بوفيشة، أنها تنهض في الصباح الباكر تعد فطور الصباح والغذاء معاً لصغارها. وبعد أن ترتب ما استطاعت القيام به في المنزل، تخرج مسرعة، مرتدية ما يحميها من البرد القارص ومهرولة إلى مكان اجتماع النساء في انتظار سيارة تنقلهن إلى حقول الزيتون، مشيرة إلى أن "الحقول التي نعمل بها يومياً بعيدة عن منازلنا وللوصول إليها نستعمل شاحنات النقل غير الرسميّة، ندفع دينارين يوميّاً مقابل نقلي في ظلّ ظروف غير آمنة".
وتابعت كلامها بحسرة "قضيت 15 عاماً من العمل المتواصل بلا راحة أو عطلة، لأن اليوم الذي أقضيه في البيت يعني ذلك عدم حصولي على أجر، فأنا لا أملك خيارات أخرى للعمل في مكان أخر".
مطالب بسيطة
من جهتها أكدت (ف. ب) شابة في العشرينات من عمرها، إنّ الحاجة دفعتها إلى العمل في الحقول "هذه أول مرة أعمل في القطاع الفلاحي لتغطية نفقات العيش، فظروف عائلتي المادية صعبة".
(ف. ب) مطلعة على حقوق المرأة وعلى دراية ببعض النصوص القانونية وحول ذلك قالت "هناك قوانين تحمي المرأة العاملة في القطاع الفلاحي لكنني حقاً أراها حبر على ورق، كالأجر الزهيد وساعات العمل الشاقّة، كما تتعرّض العاملات في القطاع الفلاحي إلى عدة أشكال من العنف رغم وجود قوانين تحميها مثل القانون الخص بتجريم العنف ضد المرأة وأيضاً قانون الحماية الاجتماعية وقانون النقل الآمن".
وترى أن الوقت حان لتفعيل هذه القوانين من أجل حماية العاملات خاصة وأن المطالب بسيطة "مطالبنا تشمل توفير وسائل نقل آمنة للوصول إلى العمل في القرى والحقول، فوجود 40 امرأة في شاحنة مغامرة محفوفة بالمخاطر وقد خلف ذلك العديد من الضحايا من أجل جني لقمة العيش، وتحسين ظروف العمل المهينة لأننا لا نتمتع بتغطية اجتماعية وأي حقوق أخرى، في حين نعمل في ظل هطول المطر والطقس الحار، ولا يحق لنا التوقف ويضاف إلى ذلك سوء معاملة بعض أصحاب العمل".
العاملات الفلاحات في أرقام
وفقاً لأرقام المعهد الوطنيّ للإحصاء، تعيش 32% من النساء التونسيّات في مناطق ريفيّة وانقطعت قرابة 65% منهن عن التعليم في سنّ مبكرة، لتتجاوز بذلك نسبة الأمّيّة بين النساء الريفيّات 30%.
ووفق إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تشكّل النساء 70% من اليد العاملة في قطاع الفلاحي، لكنّ أجورهنّ أقلّ بحوالي 50% من نظرائهن الرجال، ويتمتع عدد قليل للغاية منهنّ بالحماية الاجتماعية، إذ إنّ 33% فقط من النساء العاملات الفلاحات لديهنّ ضمان اجتماعيّ، وهو عدد أقلّ أيضاً بكثير من مثيله لدى العاملين الرجال.
ووفقاً لدراسة أعدّتها "الجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات"، فإنّ حوالي 60% من النساء في الريف التونسيّ تعانين من مشاكِل صحّيّة ناتجة معظمها عن ظروف العمل، ويرجع السبب في ذلك إلى افتقار المناطق منخفضة الدخل مثل جندوبة والكاف والقصرين وقصفة إلى مراكز الرعاية الصحّيّة الجيّدة.