العالم الافتراضي يزيد من حالات التحرش والاغتصاب ضد الأطفال

اخترقت الهواتف الذكية خصوصية الأطفال واغتالت براءتهم، في واقع افتراضي بات أقسى عليهم من الواقع الحقيقي.

كارولين بزي

بيروت ـ يعيش الأطفال اليوم في عالم غير محدود، من خلال فيديوهات يشاهدونها، أو ألعاب عنيفة تقودهم إلى العدوانية أو إعلانات تقتحم فيديوهات مخصصة لهم، إعلانات غير مناسبة لسن هؤلاء الأطفال يتم الترويج لها على طريقة رسوم متحركة، بالإضافة إلى ازدياد حالات التحرش والاغتصاب عند الأطفال.

 

"الحماية أصبحت أكثر صعوبة"

في عالم أصبح يفتقد للخصوصية، تستذكر الأخصائية في علم النفس شارلوت الخليل عالم ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وتقول لوكالتنا "في الماضي عندما كان الأطفال يعودون إلى المنزل من المدارس أو من نشاطاتهم الرياضية على سبيل المثال، كان الأهالي يدركون أنه عندما يدخل أولادهم الغرفة هم بأمان. اليوم عندما يعود الأطفال إلى المنزل، يتوجهون مباشرةً إلى هواتفهم المحمولة وإلى مواقع التواصل الاجتماعي، ولا نعرف ما الذي يمكن أن يتعرضوا له حتى خلال تواجدهم في المنزل".

وأشارت إلى أن "حماية الأطفال بعنوانه العريض أصبحت أصعب بكثير عن ذي قبل وتحتاج إلى الحذر والتوعية، هي تحتاج لتضافر الجهود، فالمسألة ليست مسألة أهل أو مدرسة بل هي مسألة مجتمع بأكمله. وبالتالي كل فرد منا اليوم يتحمل مسؤولية في هذا الموضوع لكي نستطيع أن نحد من خطورته بكافة الطرق".

تحذر شارلوت الخليل من أنه لا يجوز لأي طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر أن يؤسس حساباً له على مواقع التواصل الاجتماعي "يدخل الأولاد بأعمار صغيرة جداً إلى مواقع التواصل الاجتماعي وهم غير جاهزين بالنسبة لنموهم لهذا الواقع لا من الناحية الفكرية ولا النفسية والاجتماعية، فكما يتم الإشارة إلى الأفلام بأنه يُمنع بمشاهدة أفلام معينة لأشخاص ما دون الـ16 أو 18 سنة مثلاً، علينا أن نعرف أن مواقع التواصل الاجتماعي ممنوعة لمن هم دون الـ13 سنة، إلا أن هذا الأمر لا يتم تطبيقه حالياً".

 

"الرقابة والمتابعة"

يعيش العالم اليوم في عالم افتراضي بات يفرض سيطرته على الواقع، وتشير شارلوت الخليل إلى أن أي عامل يخيفنا على أطفالنا في الحقيقة يمكن أن يتعرض له الطفل في العالم الافتراضي بطريقة أقسى وأقوى لأن الطفل يفترض أو يعتقد أنه بمأمن، وهنا يكمن الخطر".

يستطيع الأهالي أن يتخذوا التدابير الوقائية اللازمة من أجل حماية أطفالهم ولكن في ظل الواقع الذي يسيطر عليه العالم الافتراضي أصبح الأمر أصعب ويمكن للأهل ألا يتنبهوا للخطر الذي يطال أولادهم، وتقول "من هنا تؤثر الحدود التي نرسمها، كنشر التوعية وفرض الرقابة. وهذه الرقابة لا تعني التعدي على خصوصية الفئة الشابة أو المراهقين/ات بل على العكس، فهي تعني المتابعة وعندما نلاحظ أن الطفل أو المراهق تغيرت تصرفاته، ربما من خلال البقاء وقتاً أطول بمفرده ولم يعد ينخرط بمجتمعه وحتى تأثر أسلوب أكله ونومه، هذه التفاصيل الصغيرة التي نلاحظها بأطفالنا عندما تتغير، علينا أن ننتبه لها ونتخذ الإجراءات اللازمة وألا نغض النظر عنها، إذ يمكن أن تخبئ خلفها الكثير".

 

التوازن

تحولت الهواتف الذكية بيد الأطفال بعد توفيرها من قبل الأهالي بسبب انشغالاتهم إلى إدمان، وعن ذلك تقول شارلوت الخليل "لا يمكننا أن ننسى أننا اليوم نتحدث عن إدمان الأطفال على الهواتف الذكية بعد مرور عامين ونصف العام على انتشار وباء كورونا، وافقنا أم لا زادت نسبة تعرض الأطفال للشاشات وزادت حاجتهم لها لأننا ندرك ما فرضه العالم الافتراضي. كما لم يكن أمام الأهالي قدرة على ملئ فراغ أولادهم بأنشطة إيجابية ومهما أطلقنا نظريات فأحياناً تكون صعبة التطبيق، لذلك علينا أن نكون حذرين ونتنبه أكثر لأطفالنا في الوقت الحالي".

وأضافت "يجب أن نحدد مواعيد لأطفالنا أمام الشاشة، ونساعدهم على احترام هذه المواعيد". فيما يتعلق بمصطلح الإدمان، تلفت إلى أنه "في الدليل الخامس للتشخيص النفسي تم توصيف تعلق الأولاد بالأجهزة الإلكترونية نوع من الإدمان، إذ عندما يصبح لدينا تعلق شديد بأي شيء ولا نستطيع أن نضع له حداً ونشعر بأننا بحاجة له نضعه في خانة الإدمان. الموضوع دقيق جداً يجب أن نفكر به بطريقة جدية ونتعاون بشكل جدي داخل المنازل".

وتفضّل شارلوت الخليل ألا تطلق النظريات الغير قابلة للتطبيق، وتعترف أن الأهل أيضاً لا يستطيعون التخلي عن أجهزتهم وبالتالي لا يمكن أن نفرض هذا الأمر على الأولاد، ولكنها تؤكد "لا أحد يريد إلغاء الأجهزة الإلكترونية ولكن كل ما نطلبه هو أن نستفيد منها بطريقة إيجابية ونضع لها حداً بطريقة إيجابية وننظمها بطريقة صحيحة، مع إيجاد التوازن يمكننا أن نتخطى الكثير من السلبيات".    

وعن طريقة حماية الأطفال مما يشاهدونه على الشاشة، تقول "هناك الكثير من التطبيقات التي تساعدنا على حماية الأطفال. هناك تطبيقات تسمح للأهل أن يراقبوا أي تطبيق أو لعبة قام أحد أولادهم بتحميلها. الألعاب العنيفة التي يتعرف إليها الأطفال ويلعبونها بالتأكيد ستزيد من العدوانية لديهم وترفع من نسبة العنف عندهم، لذلك يجب أن تكون اللعبة مناسبة لعمر الطفل. الفترة التي يقضيها الطفل أمام الشاشة يجب أن تناسب سنه أيضاً، لأن المدة تختلف حسب اختلاف الأعمار".

وأضافت "علينا أن نحرص على الحفاظ على علاقات حقيقية لأطفالنا مع أصدقائهم، هذه الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تساعد في الحد من بقائهم أمام الشاشة، هناك العديد من النشاطات، لكن اليوم هناك ضرورة لتعزيزها وتشجيع الأطفال على أن يقوموا بها"، وتعتبر أن "هذا الأمر سيريح الأهل لأنهم يعلمون أن أولادهم في بيئة جيدة وبتواصل فعلي وحقيقي لا افتراضي".

 

"الاعتداء يؤدي إلى اضطراب"

ألعاب الحروب التي يختبرها الأطفال عبر هواتفهم الذكية ساهمت بتذكية الروح العدوانية لديهم بل وأكثر من ذلك فقد حوّلت بعض الفيديوهات عدد من الأطفال إلى متحرشين ومغتصبين أيضاً، وعلى سبيل المثال نذكر الفتى المصري الذي قام باغتصاب طفلة في الخامسة من عمرها.

تتحدث شارلوت الخليل عن واقع الأطفال والمراهقين اليوم ولا تنكر أن لفيروس كورونا دور كبير، وتقول "علينا أن نكون واقعين، الأطفال والمراهقون/ات الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات يواجهون مشاهد وأموراً غير مناسبة لسنهم ومنها المشاهد الجنسية في وقت مبكر. ومن أنواع الاعتداء على الطفل هو أن يقود شخص راشد طفل إلى مشاهدة أفلام إباحية في سن مبكر، وبالتالي هذا الأمر يعتبر نوعاً من الاعتداء الجنسي".

وأوضحت "الأطفال الذين يتعرضون لهذا النوع من الاعتداء في سن مبكر، يؤدي بهم إلى اضطرابات معينة تنعكس نتيجتها على العلاقات بين الأطفال أنفسهم، وكذلك يمكن إلى تخلق متحرشين بأعمار صغيرة مثل الذي نلاحظه اليوم".

وأشارت إلى أن "الجمعيات المعنية بحقوق الأطفال وحمايتهم تشدد على موضوع الوقاية، وكذلك تنظم حملات توعية تصل إلى المدارس والبيوت. للأسف ما يجري أصبح أكبر من قدرتنا على المتابعة لدرجة أن هناك الكثير من الحالات التي نراها ونسمع عنها".

ازدياد التحرش والاغتصاب لا يعني أنه في الماضي لم تكن هذه الظاهرة موجودة، لكن "الناس أصبحوا يتكلمون  ويفصحون عن الأمر، فالتحرش بالأطفال لطالما كان موجوداً ولكن فضحه كان من المعيب والمحرمات، اليوم علت الأصوات التي تفضح المتحرش بالأطفال وهو الأمر الذي يمكن أن يحد من هذه الظاهرة، والتبليغ عن هذا الأمر يضع حداً للمتحرش ولحالات التحرش والاعتداء ويجعلنا نحمي أطفالاً آخرين".

 

فضح المتحرش والتبليغ

شهد المجتمع اللبناني في الأسبوع الأول من شهر تموز/يوليو، جريمة اغتصاب 20 طفلاً قام بها رتيب في أحد الأسلاك العسكرية في لبنان، إذ قام بتصويرهم وتهديدهم كيلا يقدموا على فضحه.

في حال تعرض طفلة/طفل لاعتداء أو تحرش أو اغتصاب كيف يمكن للأهل أن يحرصوا على عدم تكرار ما تعرض له أطفالهم من اعتداء وكيف يمكن حماية هؤلاء الأطفال نفسياً مما تعرضوا له، تجيب شارلوت الخليل وتقول "أغلب الذين يتعرضون للتحرش والاغتصاب يتم تهديدهم بشتى الطرق ما يدفعهم للخوف والسكوت، علينا أن نشجع الجميع على فضح المتحرش أو المعتدي وحتى الذين يتعرضون للابتزاز الإلكتروني كل هذه الأمور يجب أن نبلّغ عنها، وبالتالي يمكن محاسبة هؤلاء الأشخاص، فقوى الأمن الداخلي تتدخل بشكل سريع وتتابع الموضوع حتى النهاية".

وشددت على ضرورة المتابعة النفسية للأطفال الذين يتعرضون للتحرش أو الاغتصاب "المتابعة النفسية أساسية، إحاطة الطفل واحتضانه. كما علينا أن نوصل رسالة مهمة وهي ألا نحمّل الطفل المسؤولية، إذ يمر الأطفال أحياناً بمرحلة من لوم الذات ويعتقدون أنهم يتحملون المسؤولية بل كل من يتعرض للاعتداء الجنسي يعتقد أنه السبب، لذلك من الأهمية أن نرفع المسؤولية عن الطفل أو الطفلة التي تعرضت للاعتداء، المتابعة مهمة وتعليمهم على كيفية حماية أنفسهم تساعدهم كثيراً على تخطي الصدمة، لأن الاعتداء والتحرش يخلق نوعاً من الصدمة عند الأطفال والمراهقين وحتى عند الناضجين. فالتدخل من أجل علاج الصدمة يساعدنا من التخفيف من تداعياتها أو الحد منها مستقبلاً".

 

"التوعية والدعم"

ولفتت إلى أهمية توعية الأطفال منذ الصغر على كيفية حماية أنفسهم وعلى أهمية خصوصية أجسامهم، وبأنه لا يحق لأحد أن يلمسهم أو يطلب منهم أي شيء يزعجهم "بدءاً من القبلة التي يُجبر الطفل على توزيعها على الأقارب، علماً أن أكثر المتحرشين بالأطفال هم من أقاربهم إذ يتعرض الأطفال في أغلب الأوقات للتحرش أو الاعتداء في أماكن من المفترض أن يكونوا فيها بمأمن، من المهم ألا نجبر الأطفال على الاقتراب جسدياً من أشخاص لا يشعرون بالراحة تجاههم. أن نعلّم الطفل عن خصوصية جسمه وبأنه لا يحق لأحد أن يقترب منه أو يلمسه، هذه الأمور يجب أن نعلمها لأطفالنا لكي نحميهم ونؤكد لهم دائماً بأننا إلى جانبهم ونستمع إليهم مهما حصل".

 

"صحة أطفالنا أهم من المجتمع"

وأوضحت "هذا الأمر يبدأ بالأخطاء الصغيرة التي يمر بها الطفل ويشعر أنه قام بخطأ ما، عندما نستمع إليه وندعمه سيعود بالأمور الكبيرة إلينا، بناء علاقة ثقة بين الأطفال والأهل هي من الأسس الضرورية التي تساعدنا على حمايتهم".

أحياناً يرتكب الأهالي خطأً بعدم فضح المعتدي على أطفالهم بسبب الخوف من المجتمع، تتوجه شارلوت الخليل إلى الأهالي بالقول "لا يوجد أي شيء أهم من صحة أطفالنا. عندما نتحدث عن الصحة النفسية وهي جزء من الصحة العامة، في حال تأثرت فهي ستؤثر على الصحة الجسدية وتؤثر على حياة الأطفال".

واختتمت شارلوت الخليل حديثها بالقول "أعتقد أن حلم كل أم وأب أن يرووا أطفالهم يكملون حياتهم بطريقة سليمة، ولكن إذا شجعنا الأطفال على تقبل اعتداء البعض على خصوصيتهم وحقوقهم سيتقبلون هذا الأمر طوال حياتهم وسيعيشون نتائج ذلك هم ومحيطهم، لذلك من الضروري أن ندرك أن صحة أطفالنا أهم من المجتمع الذي في غالب الأحيان لا يكون منصفاً".