العادات والتقاليد... البعض نجحن في تجاوزها وأخريات أسيرات لها
واحدة من أكبر عوائق العمل على قضايا النساء والسعي نحو التغيير هي العادات والتقاليد الراسخة في كيان المجتمع، والتي تجعل هناك حتمية لمعاناة النساء في المواجهة وخاصةً ما يرتبط بالقضايا الشائكة كختان الإناث أو تزويج القاصرات.
أسماء فتحي
القاهرة ـ العادات والتقاليد متوارثة ينقلها جيل عن جيل ولكنها مع تطور الزمن وعدم الاتساق العام والضغوط الاقتصادية والاجتماعية باتت واحدة من أكبر الأسلحة التي تفتك بالنساء، ولا تقف عند حد حرمانهن من مواقع صنع القرار أو الاختيار بل جعلت منهن ضحايا وسط قبول مجتمعي لممارسة مختلف أشكال العنف.
تلك المواجهة التي ظلت النساء تقمن بها لسنوات فقط لقول أنه لهن حق الحياة وتقرير المصير، لم تنتهي ولن تنتهي قبل تغيير تلك الثقافة المرتبطة بالعادات والتقاليد البالية، وخلال جولتنا بمحافظة الإسماعيلية في محاولة التعرف على واقع المرأة هناك التقينا بنساء قاومن تلك الأفكار وأثبتن عن جدارة استحقاقهن وإرادتهن المستقلة، فيما رأينا أخريات حالت تلك العادات بينهن وبين أحلامهن وتطلعاتهن كما سنرى في التقرير التالي.
واقع النساء في الإسماعيلية وسط عادات المجتمع الرجعية
لا يمكن الحديث عن قضايا النساء وأزماتهن دون الوقوف على كون العادات والتقاليد والثقافة السائدة إحدى أهم معوقات نيل الحقوق على النحو المرجو ومنع انتهاك النساء أو تعنيفهن.
وعن ذلك تقول الحاصلة على ماجستير في القانون العام هايدي عادل، إن العادات والتقاليد تعد الأكثر تأثيراً على نفوس الأهالي خاصةً فيما يتعلق بالإطار الذي لا يجب أن تخرج عنه المرأة، مضيفةً أن أي محاولة لكسر الصور النمطية التي رسختها تلك التقاليد تواجه بهجوم شديد.
وأوضحت أنه على سبيل المثال لا يمكن للمرأة أن تخوض الانتخابات وإن كانت راغبة في ذلك لأن الرجال لن يمنحوها أصواتهم على مقعد فردي مهما كانت تستحق ذلك، وكذلك مسألة التعليم وحصر فرصها داخل المحافظة فالخروج عن الإسماعيلية يعد كسر للعادات والتقاليد وهو أمر غير مقبول.
ولفتت إلى أن الفرص والترقي في العمل غير مسموح به إذا كان الأمر مرتبط بالخروج عن حدود المحافظة ومحاولات النساء للوصول لمواقع صنع القرار أيضاً تواجه بشراسة إن تعارضت مع العادات والتقاليد التي رسختها ثقافة المجتمع.
واعتبرت هايدي عادل أن إحدى أهم المفاهيم التي رسختها العادات والتقاليد تتعلق بفكر الزواج، فكل ما يحدث في حياة الفتاة في صغرها وكبرها يتمحور حول أن تعليمها وحصولها على شهادة عليا في الكثير من الأحيان يكون لمنحها فرص أفضل في الارتباط.
وأشارت إلى أن الطموح أمر مرفوض تماماً ومسألة السفر خارج البلاد تعد جريمة، وكذلك الرغبة في التطوير من خلال الماجستير والدكتوراه وغيرها من الأمور مرفوضة، لافتةً إلى أن العادات والتقاليد لا تسمح للفتاة اختيار زوجها بذريعة أنهم يعرفون أكثر منها ولديهم خبرة في الحياة لاختيار الزوج المناسب لها.
"من واقع التجربة نجحت في إثبات ذاتي"
روت هايدي عادل تجربتها الشخصية للترشح في نموذج محاكاة مجلس الشيوخ ولأنه على عكس ما تراه العادات والتقاليد من دور للمرأة فوجئت بهجوم شديد خاصةً على فكرة خوضها على المقعد الفردي، ولكنها رأت أنها ليست أقل من الرجال بشيء فهي حاصلة على درجة علمية مناسبة ولديها ما يؤهلها لذلك من خبرة.
وقالت "فكرت في الترشح وأنه هناك مساحة للتواجد السياسي خلال الفترة الأخيرة، لذلك قررت خوض التجربة ومحاولة الاستفادة من الظروف المواتية بالترشح فنصحني الجميع بالنزول على القائمة لأني امرأة وبالتالي لن أنجح بالحصول على المقعد الفردي، رغم أن هناك تجارب ناجحة ومشجعة في المحافظة".
وأضافت "قررت خوض التجربة ورأيت أنه علي أن أتحلى بروح التحدي فلا ينقصني شيء كي أخاف أو اتراجع، وكوني امرأة فهذا لا يقلل من حقي في التجربة ومهما كانت النتائج سأسعد بنتيجة اصراري وسعيي ومحاولتي لنيل النجاح".
وفي ختام حديثها اعتبرت هايدي عادل أن المرأة عليها العمل لتحقيق ذاتها والوصول لأحلامها لأن المجتمع ترسخت في أفكاره دور للمرأة يجعلها فقط قابعة في قبضة الرجل تعمل بكامل طاقتها على تحقيق رفاهيته ونجاحه دون النظر إلى مستقبلها وباتت التضحية فرض عليها وواجب وبلا أي مقابل يذكر لذا فالوعي بالحقوق والسعي على تحقيقها يجب أن يكون نابعاً من النساء أنفسهن.
هكذا قهرت العادات والتقاليد أحلام الصغيرات
بدأت زينب جميل حديثها لوكالتنا بعبارة "افقدني ثقتي بنفسي وهو الشعور الأسوأ على الإطلاق"، حيث كانت متفوقة في دراستها ونالت شهادتها الجامعية بامتياز، إلا أن أسرتها رأت ضرورة تزويجها من ابن عمها لمجرد أنه تاجر كبير ولديه ما يؤمن به مستقبلها.
وأضافت "كنت أهتم بدراستي وأرى أنه في إمكاني أن أصبح محاضرة بواحدة من الجامعات ولدي طموح في عالم إدارة الأعمال، ولكن أسرتي بعد حصولي على الشهادة التي حاربت لسنوات حتى حصلت عليها، قررت عائلتي تزويجي من ابن عمي وهو لم يكمل تعليمه فقط حصل على إحدى الديبلومات الفنية وشق طريقه في التجارة ولأنه ميسور الحال أصرت عائلتي على ذلك، ولا يحق لي كامرأة الرفض وفعلت ذلك ولكن بلا جدوى".
ولفتت إلى أن "العادات والتقاليد خاصةً تلك التي تقرر للفتاة سن زواج محدد ومستقبل لا يخرج عن إطار الأسرة وقررت الرضوخ للضغوط ومع الوقت عمل ابن عمي بكل ما لديه من قوة على افقادي ثقتي في نفسي، وأيضاً تحت ضغط تلك العادات لم يسمح لي بالعمل أو حتى مواصلة دراساتي العليا، وبقيت قابعة في المنزل لعشر سنوات في ظل المعاناة والإهانة وحالات الاضطراب والنقص التي تداهم ابن عمي فيفرغ طاقته بي، وها أنا الآن أرغب في الهروب من تلك الحياة بأطفالي ولا أجد داعماً وأسرتي ترفض ولكني لن أعود لحياة لم أرغب بها يوماً لمجرد أن من حولي يرغبون في ذلك".
وأوضحت زينب جميل أن لديها صديقات كان أمامهن منح وفرص للسفر خارج البلاد ولأن مثل هذه الأمور لا يحق للنساء التفكير بها عانين في صمت وتراجعن عن رغباتهن علماً بأن سفرهن كان سيحول مسار حياتهن.