الآبار المكشوفة... خطر جديد يحدق بأطفال إدلب
تكررت حوادث سقوط الأطفال في الآبار المكشوفة بإدلب والتي قلما يتم إخراجهم منها وهم على قيد الحياة رغم كل المحاولات لإنقاذهم وخاصةً فيما يتعلق بالآبار الارتوازية الضيقة والأكثر عمقاً
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
راحت تشكل التجمعات المائية المكشوفة المحيطة بمنازل المدنيين والقريبة من المخيمات خطراً محدقاً بحياة الأطفال وخاصة بعد تزايد حوادث سقوط الأطفال فيها دون حسيب أو رقيب لما يواجه الأطفال من تهديدات غفل عنها القاصي والداني.
لم ينجو الطفل حسن الزعلان البالغ من العمر عشر سنوات بعد سقوطه في إحدى الآبار الارتوازية حين كان بصحبة والده في بلدة كفر روحين شمال إدلب والذي استغرقت عملية الحفر لإخراجه جثة هامدة أكثر من يومين متتاليين.
تقول سمية العلوان (٣٢) عاماً إحدى المقربات من عائلة الطفل حسن، أن الطفل راح ضحية العمالة والإهمال، إذ لم يكن يذهب إلى المدرسة كباقي الأطفال من عمره لمساعدة والده في العمل على آلية حفر الآبار الارتوازية التي اتخذها الوالد مهنة له.
وتؤكد أنه من الخطير على طفل صغير كحسن العمل في هذا المجال الصعب والذي لا يتناسب مع سنه وصغر حجمه، وهي لا تعلم كيف استطاع أهله إقحام الطفل في مثل هذا العمل الذي يستدعي الكثير من الخبرة والمهارة والحذر.
لم تستطع سمية العلوان أن تخفي تأثرها بالحادثة التي تعرض لها الطفل قائلةً إن "الأعمال التي راح الأطفال يلجؤون إليها في ظل فقر أهلهم هي معظمها خطرة ومهددة للحياة، ومع ذلك لا نجد من يحد من عمالة الأطفال أو مساعدتهم في العودة إلى مدارسهم واستيعاب حاجاتهم ومتطلبات حياتهم".
اختلفت الأسباب التي رصدت حوادث سقوط الأطفال في الآبار المكشوفة ويعد إهمال القائمين على حفر تلك الآبار السبب الرئيسي في وقوع معظم الحوادث التي كان ضحيتها من الأطفال.
فقدت الطفلة رنا الحلاق البالغة من العمر ست سنوات والقاطنة في مخيمات دير حسان بتاريخ ٢٥ أغسطس/آب الماضي، وبعد عمليات البحث عنها التي استمرت أيام تم العثور على جثة الطفلة في إحدى الآبار المكشوفة في المنطقة.
والدة رنا الحلاق وتدعى حنان الطويل (٣٨) عاماً تروي متأثرة بما حدث مع ابنتها في ذلك اليوم، قائلةً إن رنا خرجت للعب مع الأطفال في المخيم ليتم فقدها بعد ساعات قليلة.
اعتقدت الأم في البداية أن ابنتها تعرضت للخطف خاصةً بعد سماعها الكثير من قصص الخطف في إدلب، وما لم يخطر في بال الأم أن يتم العثور على الطفلة في إحدى الآبار المكشوفة وقد فارقت الحياة.
تضع الأم اللوم على المعنيين وكل من ساهم بحفر تلك الآبار الذين لم يسعوا لجعلها أكثر أماناً وخاصة لقربها من الأماكن السكنية والمخيمات التي تعج بالأطفال والتي راحت تهدد حياتهم في أي لحظة.
حالات قليلة تم إنقاذها في اللحظات الأخيرة كحالة الطفلة جنى الكردي (٧) سنوات والتي نجت من حادثة سقوط مروعة في إحدى الآبار بعد ملاحظة قربها من حافة البئر من قبل أخيها الأكبر مروان (١٣) عاماً والذي سارع لإبعادها عن أطراف البئر قبل أن تزل قدمها وتسقط على غفلة من أعين الجميع.
يقول مروان أن العديد من الأطفال سقطوا في هذا البئر ومع ذلك لم تحرك كل تلك الحوادث أحداً لإغلاقه أو جعله أكثر أماناً "كأن أمر حياة هؤلاء الأطفال لا يعني أحد".
ويشير إلى أن منطقة شمال إدلب تنتشر فيها الآبار المكشوفة بشكل كبير خاصةً بعد حركات النزوح الأخيرة والتي راح فيها النازحون يحفرون الآبار إما للحصول على المياه الجوفية أو جعلها خزانات مياه لسعتها الكبيرة واستمرارها الأطول، لكنهم لم يضعوا مخاطر سقوط الأطفال بها في حساباتهم لترك أفواهها مكشوفة ما تسبب بالكثير من الحوادث.
من جهتها علقت الناشطة المدنية ربا الحلبي (30) عاماً على موضوع سقوط الأطفال في الآبار المكشوفة وتعرضهم للخطر الدائم، أن الأطفال بطبعهم يميلون لاكتشاف ما حولهم دون وعي للمخاطر التي يمكن أن تحدث لهم ومسؤولية حمايتهم تقع على الجميع تبدأ بالأسرة وتنتهي بالمجتمع، ويفترض أن يكون هنالك لجان مهمتها رصد ومتابعة حماية الأطفال ووضع الحلول لتجنيبهم ما يمكن أن يتعرضون له من عنف وعمالة وتسرب مدرسي ومخاطر بيئية محتملة.
لا توجد إحصائية دقيقة لحوادث سقوط الأطفال في الآبار المكشوفة، ورغم اختلاف الأسباب إلا أن إهمال القائمين على حفر تلك الآبار كان السبب الرئيسي في وقوع معظم الحوادث، ويستمر الاستهتار الذي بدا سيد الموقف ليبقى مصير الأطفال عالقاً بين الموت والإهمال.