اغتصاب واختطاف وزواج قسري... صراع السودان الأقسى على النساء (2)
منذ بداية الصراع في الخرطوم في الـ 15 أبريل/نيسان2023 ، ظهرت انعكاساتها جلياً على النساء وكان السلاح الفتاك لقوات الدعم السريع هو استخدام أجساد النساء ساحة للمعارك لإجبار الأسر على النزوح وترك منازلهم ومدنهم حفاظاً على نسائهم.

ميرفت عبد القادر
السودان ـ بعد انتقال الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وعدد من الولايات الأخرى ارتفعت أعداد الانتهاكات التي طالت النساء أضعافاً مضاعفة حيث عمدت هذه القوات لتحويل معركتها وخصّت بها النساء من اغتصاب واختطاف وزواج قسري.
بيع النساء والإتجار بهن في دارفور
أثارت معلومات متداولة حول افتتاح سوق لبيع النساء اللائي تم اختطافهن من شمال ووسط السودان بمناطق الصراع وبيعهن بدارفور غربي السودان مخاوف الأسر والنساء.
ووفق تقرير كان قد نشره المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة أثبت وجود سوق لبيع النساء بدارفور بمنطقة (خور جهنم) أورد فيه روايات عن اختطاف الدعم السريع نساءً من مناطق الصراع في شمال السودان وبشكل خاص من الخرطوم وضواحيها، وولاية الجزيرة واقتيادهن إلى دارفور.
وأوضح التقرير أنه تمت مشاهدة نساء وفتيات على متن سيارات بعضهن مقيدات بالسلاسل ما يرجح خطفهن من مدينة الخرطوم، حيث يجري استعبادهن جنسياً، وبيع بعضهن لذات الغرض، والمساومة في بعض الحالات مع أسر بعضهن لدفع فدية مقابل الإفراج عنهن.
وروت (ص. ف) قصتها لوكالتنا والمعاناة التي عاشتها حين تم اختطافها من قبل قوات الدعم السريع من ولاية الخرطوم في مساومة لأسرتها واشترطت القوات تسليمها لأسرتها مقابل تسليم الأسرة لشقيقها الذي كان في صفوف الجيش السوداني، حيث تم ممارسة أساليب عنف عديدة ضدها.
أوضحت أنه في المعتقل الذي دخلت إليه كانت برفقتها 17 امرأة أعمارهن متفاوتة تم اختطافهن لأغراض مختلفة منها طلب الفدية أو تسليم شخص مقابلهن أو لتسفيرهن لغربي السودان ودول الجوار ومنهن لسبب اغتصابهن حيث يتم اغتصابهن أمام الجميع في نفس المعتقل.
وأكدت على أن الاختطاف بمناطق الصراع يتم بشكل مستمر حيث أنها نجت من عملية اختطاف قبل اختطافها الأخير ولكن تم اختطاف 4 من رفيقاتها ولم تعرف أسرهن مكانهن حتى الآن.
وحول ذلك قالت الدكتورة هالة عبد العزيز الطاهر أمينة المرأة والطفل بحركة العدل والمساواة السودانية "تعرضت آلاف النساء والفتيات بدارفور، بمن فيهن القاصرات، للاعتداءات الجنسية منذ بداية الصراع بدارفور سواء خلال الهجمات على القرى أو أثناء النزوح وتركت الضحايا دون حماية قانونية أو دعم نفسي واجتماعي بسبب الوصمة المجتمعية والخوف من الانتقام".
وأوضحت أن مئات النساء والفتيات تم اختطافهن من قراهن أو أثناء الهروب من العنف، ولا يزال مصير العديد منهن مجهولاً وبعض المختطفات تم إجبارهن على العبودية الجنسية أو الزواج القسري من المقاتلين.
وأكدت أن هناك عدد كبير من حالات الاتجار بالبشر تم توثيقها، حيث تم استغلال بعض النساء في العمل القسري أو التهريب عبر الحدود "تعرضت النساء اللاتي قاومن العنف أو رفضن الانصياع لأوامر القوات للقتل أو التعذيب، حيث وثقت منظمات حقوق الإنسان شهادات عن عمليات جلد وضرب وحرق للنساء كوسيلة للعقاب والترهيب".
وبينت أن الحرب أدت إلى نزوح ملايين الأشخاص، وكانت النساء والفتيات في مقدمة المتضررين وواجهت النازحات ظروفاً قاسية في المخيمات، حيث استمر العنف الجنسي، مع ضعف الحماية الأمنية ونقص الخدمات الأساسية وعلى الرغم من توثيق هذه الجرائم من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، إلا أن العدالة لا تزال بعيدة المنال للكثير من الضحايا "أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق عدد من المسؤولين عن الجرائم في دارفور، لكن تنفيذ العدالة ظل محدوداً بسبب الظروف السياسية والأمنية في السودان".
وأفادت بأن ما حدث للنساء في دارفور يعكس وحشية الصراعات المسلحة وتأثيرها المدمر على الفئات الأكثر ضعفاً فهناك حاجة ملحّة لمحاسبة الجناة، وضمان الحماية القانونية للضحايا، وتعزيز دور المرأة في عمليات السلام لمنع تكرارها في المستقبل.
وكانت شبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" قد كشفت في تقرير جديد عبر مؤتمر صحفي لها عن الاختفاء القسري للنساء في السودان في ظل الحرب تحت عنوان "غير مرئيات وغير مسموعات"، أوضح التقرير أن 209 من أصل 236 فتاة وامرأة مختفيات قسراً، ورصدت الشبكة منذ بداية الحرب وحتى كانون الأول/ديسمبر 2024 قرابة 236 حالة لفتيات تواصلت الشبكة مع معظم أهاليهن وتم الإبلاغ عن اختفائهن.
وحسب التقرير فإن هذه الأعداد ليست دقيقة وليست كلية فهناك حالات اختفاء لا يبلغ عنها الأهل خوفاً من الوصمة المجتمعية، ووفق التقرير هناك نمطين للاختفاء القسري، أثناء اجتياح قوات الدعم السريع لمناطق جديدة وبعد استقرار القوات بهذه المناطق حيث تظهر حالات العنف الجنسي والاختطاف والاستعباد والاسترقاق وكل أشكال الانتهاكات بحق النساء.
زواج تحت تهديد السلاح
انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السودان عدد من مقاطع الفيديو لجنود من قوات الدعم السريع وهم يتزوجون فتيات بالإكراه منهن قاصرات، بل هناك مقاطع وقصص أثبتت أن الفتاة يتم تزويجها لأكثر من جندي يتشاركونها معاً فإن مات أحد الأزواج تبقى مع الآخر.
(ش، و) الناجية من عملية اختطاف بهدف الزواج، تبلغ من العمر 16 ربيعاً، تروي قصتها لوكالتنا عندما التقيناها داخل مركز الأمل لعلاج الناجيات.
تقول إنها تم اختطافها عند عودتها للمنزل من مكان شبكة الاتصالات ستارلينك المملوك لقوات الدعم السريع حيث تمت مراقبتها وقام 4 جنود باختطافها وتخديرها واقتيادها إلى منزل يوجد فيه عدد كبير من النساء هن أهل لهؤلاء الجنود، حيث تم حبسها داخل غرفة لأربعة أيام، أضربت خلالها عن الطعام، وكان الاختطاف بهدف ترحيلها إلى غربي السودان وتزويجها لأحد الجنود هناك.
سألناها أن كانت هناك محاولة من أهل الخاطف تحثه على إرجاعها لصغر سنها فقالت إن نساء أسرته أخبرنها بمدى سعادتهن باختطافها وأن أحد أبنائهن سيتزوجها ويرحلها إلى غرب السودان بدارفور.
إلا أن والدها وجد عم الخاطف ونجح في استدرار عاطفته وقام بإرجاعها لأهلها لتقوم أسرتها بالهروب من القرية التي قطنوا بها خوفاً من خطفها مرة أخرى وخوفاً كذلك من الوصمة المجتمعية التي قد يصفها بها سكان المنطقة، وماتزال (ش، و) تعاني من الألم النفسي الذي سببه لها الخاطفون وتتلقى العلاج النفسي حتى تشفى.
أما (ه. د) التقيناها أيضاً داخل المركز في حالة يرثى لها فهي تعاني من مرض الصرع بسبب ما حدث لها وتفقد وعيها بشكل مستمر لذا لا تفارقها الممرضة فهي دائماً بحاجة للتدخل العلاجي السريع.
كانت (ه. د) بإحدى ضواحي الخرطوم العاصمة السودانية، لظروفهم المادية الصعبة لم تستطيع هي وأسرتها الخروج، تقول إن أحد جنود قوات الدعم السريع قام بتهديدها بقتل والدها وخالها أن لم تتزوجه وتذهب للعيش معه بمنزله فتزوجته خوفاً على أهلها، وكان يعود إليها ليلاً مخموراً يقوم بضربها وكانت قد حملت منه حتى اجهصت جنينها، وبعدها قامت بالهرب حتى وصلت مدينة بورتسودان وتتلقى الآن العلاج بالمركز.
لم تقف الانتهاكات التي تطال النساء على هذه القصص فحسب فهناك مئات النساء المفقوادت اللائي فضلت أسرهن احتسابهن مع عداد الموتى بدلاً من أن تلاحقهم وصمة المجتمع.
وبدورها قالت مديرة شبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة) هالة الكارب "إن الاختفاء القسري والاسترقاق للنساء والفتيات جريمة تمت ممارستها بشكل مخيف في حرب السودان وهي جريمة تحدث بانتظام في مناطق سيطرة الدعم وارتبطت بالاسترقاق الجنسي وتقديم الخدمات لجنود الدعم السريع، حيث تتعرص مئات النساء والأطفال للاختفاء القسري ويقتل العديد منهم في ظل الاوضاع المنافية للإنسانية التي يعيشونها".
وأوضحت أن الاختفاء القسري يرتبط بقتل النساء بعد تعرضهن للتعذيب والعنف الجنسي لأوقات طويلة "تعاني ضحايا الاختفاء القسري وأسرهن من الوصمة الاجتماعية لذا فأن الأعداد الحقيقة لاتزال غير معروفة للمختفيات قسرياً لدرجة أن بعض الأسر تفضل القول أن النساء اللواتي تم اختطافهن قد فارقن الحياة خوفاً من الوصمة".
وقالت إن الاختفاء القسري له تاريخ طويل في السودان تمت ممارسته ضد السياسيين والنساء الناشطات، وكان مقرون أيضاً بجرائم العنف الجنسي كما يحدث في دارفور ومناطق جنوب كردفان بانتظام من قبل قوات الدعم السريع "تعد الحصانة وغياب المحاسبة وسلطة القانون من أسباب تمكين الجناة وانتشار هذه الجرائم اللاإنسانية".