إدلب... العمل في مهن خطرة يهدد حياة الأطفال
تفاقمت خلال سنوات الحرب ظاهرة عمالة الأطفال في إدلب، وانخراطهم بأعمال لا تتناسب مع صغر سنهم وضعف أجسادهم لأسباب عدة على رأسها النزوح المتكرر والفقر المدقع وفقدان المعيل للأسرة.
هديل العمر
إدلب ـ يزداد انخراط الأطفال بأعمال خطرة في الشمال السوري بعد مضي أكثر من عقد ونيف على الحرب السورية، وما آلت إليه من تداعيات النزوح والعيش في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وهو ما عاد بكوارث على صحة الأطفال وحياتهم الجسدية والنفسية وصلت حد الوفاة.
كلما زادت مخاطر العمل تفاقمت تداعياته، ويرتبط عمل الأطفال بمجالات خطرة بشكل وثيق بفقر الأسرة والتسرب المدرسي وشروط وظروف العمل دون وجود أي إجراءات رامية لمعالجة هذه المشكلة.
توفي الطفل عبد الرؤوف الناقو الذي يبلغ من العمر 14عاماً، إثر حادث مأساوي أثناء عمله في معمل ألمنيوم بمدينة الباب شرقي حلب، وذلك أثناء عمله على آلة لشحذ الألمنيوم قبل أن تسحبه الآلة بشكل مفاجئ، ما أسفر عن وفاته على الفور بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر أواخر العام الفائت 2023.
وقال صديق الطفل عبد الرؤوف الناقو المقرب ويدعى أيهم البرهان البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، إنه كان يعمل لإعالة والداته وإخوته الخمسة بعد وفاة والده حيث كان الأكبر سناً بين إخوته.
وأضاف أنه اضطر للعمل في معمل الألمنيوم رغم خطورته وبأجر قليل لا يتعدى الـ 30 ليرة تركية في اليوم، أي دولار أمريكي واحد نظراً لقلة فرص العمل بعد عجزه عن إيجاد عمل أفضل.
ووفقاً لآخر تقدير عالميّ صادرٍ عن منظمة العمل الدولية، ينخرط أكثر من 115 مليون طفل في العمل الخطر ومن الممكن أن تسبّب طبيعة هذا العمل وتداعياته الضرر لصحةّ وسلامة وأخلاق الأطفال، وبالتالي فهي ترى هذه الظاهرة مشكلةً شاملةً تطال الدول الصناعية والنامية على حدّ سواء.
ومن الأعمال الخطرة هي تلك التي تعرض الأطفال للعنف الجسدي والنفسي والجنسي، والعمل تحت الأرض أو تحت المياه أو على ارتفاع خطير أو في مساحات محصورة، والعمل باستخدام الآلات والأجهزة والأدوات الخطيرة أو التي تتضمن حمل أو نقل الحمولات الثقيلة، والعمل في بيئة غير صحيةّ قد تُعرّض الأطفال لمواد أو أدوات أو عمليات خطرة أو لدرجات حرارة أو مستويات ضجيج أو ذبذبات تعرض صحّتهم للخطر بشكل أو بآخر.
وتعرض الطفل سليم الجوارحي البالغ من العمر ثماني أعوام لحادث أليم أثناء عمله في التنقيب عن الخرداوات وما يمكن الاستفادة منه من مكبات النفايات حين تعرضت قدمه للبتر جراء انفجار إحدى القنابل من مخلفات قصف سابق بعد دعسه عليها دون قصد.
لم يعد يفكر سليم الجوارحي بكيفية جمع المال لمساعدة أهله بل راح يحلم بتركيب طرف صناعي يساعده على المشي من جديد، حيث يعيش سليم وعائلته في مخيم للنازحين بريف إدلب ظروفاً غاية في الصعوبة بعد أن استهدفت حكومة دمشق منزلهم في ريف حماة ما أجبرهم على النزوح.
يتوق سليم الجوارحي للتنقل واللعب مع أقرانه وممارسة حياته الطبيعية بعد أن فقد إحدى قدميه، وراح يعاني اضطرابات نفسية جراء إصابته وحياته البائسة التي تركت الكثير من الندبات داخله حين وجد نفسه معاقاً بعد أن كان يحمل داخله الكثير من الطموحات الأحلام.
فيقول بينما يلاعب قطته الصغيرة أنه يشعر بالملل، وقلما يستطيع الخروج من الخيمة، وخاصة وسط الأمطار وبرد الشتاء التي لم تكن تعيقه عن الخروج والعمل قبل تعرضه لذاك الحادث الذي أحدث عجزاً ليس في قدمه وحسب بل في حياته كلها.
وقالت المرشدة النفسية والاجتماعية رولا الطالب أن العمل الخطير هو من أسوء أشكال عمل الأطفال، وقد برزت الحاجة إلى اتخاذ إجراءات طارئة ووضع خارطة طريق للقضاء على هذه الظاهرة، عن طريق تعزيز الجهود العالمية والمحلية للقضاء على جميع أشكال عمالة الأطفال.
وأكدت على أهمية تفعيل طرق التوعية والحماية الاجتماعية عبر الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وإتاحة فرص العمل اللائق أمام الأهل، ما يشكّل عنصراً أساسياً في ظلّ الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر.
وأوضحت أن العمل في ظل شروط وظروف صعبة مثل العمل لساعات طويلة أو العمل الليلي أو الذي يؤدّي إلى احتجاز الطفل في مكان العمل، تشمل تداعياته الإصابات الطفيفة نسبياً وقد تصل إلى الإعاقة أو حتى الموت، كما يسبب العمل مشاكل جسدية أو نفسية قد لا تظهر إلّا بعد انقضاء أعوام عديدة مثل حالات التسمّم بالمعادن الخطيرة، ودعت منظمات المجتمع المدني لإحداث برامج يستهدف الأطفال العاملين في مهن خطيرة لتحسين ظروف وشروط حياتهم ومساعدتهم في الوصول إلى حياة آمنة.