ترهيب قانوني للصحافة النسوية... ملاحقة صحفيات رفعن صوت الناجيات من التحرش
على خلفية الدعوى التي رفعت ضدها، أكدت الصحفية حياة مرشاد على أن حرية الرأي والتعبير يجب أن تكون مُصانة، والتحرك بهذه الملفات والضغط هو شيء أساسي من أجل حماية حقوقهن في الكتابة والتعبير.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ في محاولة جديدة لقمع الصحفيين/ات والناشطين/ات وإسكاتهم/ن، استدعى مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية الملكية الفكرية رئيسة تحرير منصة "شريكة ولكن" الصحفية حياة مرشاد للمثول أمامها، رداً على شكوى "التشهير والقدح والذم" التي قدمها ضدها المخرج جو قديح.
في نيسان/أبريل الماضي، أطلقت منصة "شريكة ولكن" حملة لمقاطعة مسرحية من تأليف وإخراج جو قديح والتي كان من المقرر عرضها على مسرح مونو، وجاءت حملة المناصرة تعبيراً عن التضامن مع عدد من الناجيات من النساء والفتيات بينهن قاصرات كن طالباته اللواتي كشفن التحرش الجنسي المتكرر لهن من قبله، وإثر الضغط الإعلامي، أُلغي العرض المسرحي، ما يؤكد أهمية عمل المناصرة والحملات التي تقوم بها الناشطات ضد العنف والتحرش الذي تواجهه النساء في لبنان.
وفي أعقاب ذلك، أصر المدعي العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زاهر حمادة، على مثول رئيسة تحرير منصة "شريكة ولكن" الصحفية حياة مرشاد للتحقيق أمام مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، رغم تقديم محاميها فاروق المغربي بطاقة عضويتها في نقابة المحررين/ات الصحفيين/ات اللبنانيين/ات.
ولم تقم حياة مرشاد بالمثول الخميس الماضي الأول من حزيران/يونيو، أمام مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، في الشكوى المقدمة بحقها، حيث قام محاميها فاروق المغربي بإبلاغ المحامي العام الاستئنافي في بيروت زاهر حمادة بقرار موكلته حياة مرشاد عدم المثول للتحقيق أمام المكتب كونها صحفية وتحمل بطاقة انتساب إلى نقابة المحررين والشكوى تتعلق بمحتوى صحفي، وأن موكلته تنتظر قرار القاضي بشأن الادعاء عليها أمام المحكمة المختصة.
وقد أشارت رئيسة تحرير منصة "شريكة ولكن" والمديرة التنفيذية لمنظمة فيميل Fe-male حياة مرشاد في حديثها لوكالتنا إلى أنه "رفعت القضية ضد منصة "شريكة ولكن" من قبل المخرج المسرحي جو قديح، وهذا الأمر جاء على خلفية ما نشرته المنصة في نيسان الماضي، حيث طالبنا بإلغاء عرض مسرحي له، كون الأخير متهم بعدة قضايا تحرش في عام 2020، وهناك شهادات عدة من نساء وفتيات تعرضن لعنف جنسي متكرر من قبله، كما أعلنّ، فهناك أكثر من 18 شهادة، بينها شهادات لقاصرات كان جو قديح يعلمهن المسرح".
وأضافت "ما أردنا أن نقوله اليوم، أن المساحات الثقافية مثل "مسرح مونو" وغيره، يجب ألا تكون مساحات مفتوحة لأشخاص متهمين بالتحرش، بالعكس يجب أن تكون مساحات آمنة للنساء والفتيات، وما حصل معنا أنه بعد إطلاق هذه الحملة وكتبنا مقالاً بالتعاون مع العديد من المنصات، منها "أخبار الساحة" وناشطات، رفع المخرج جو قديح دعوى ضدنا، وادعى على "شريكة ولكن" و"أخبار الساحة" وناشطات، وبناء عليه تم استدعاؤنا للتحقيق من قبل مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية".
ويشكل هذا الأمر انتهاك صارخ لحقوق الصحفيين/ات حيث يخالف القاضي زاهر حمادة قانون المطبوعات وخاصة المادتين 28 و29 اللتان تنصان على أنه إذا كانت دعوى المطبوعات تتطلب تحقيقاً مع إحدى الصحفيات أو الصحفيين "فعلى قاضي التحقيق أن يباشرها"، أي محكمة المطبوعات لا مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية.
وأشارت إلى أنه بعد استدعائها من قبل مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، رفضت المثول أمام هذا المكتب لـ "سبب أساسي وبديهي"، وهو أن هذا المكتب ليس الجهة المخولة النظر بقضايا قدح وذم، مضيفةً "ما قمنا به هو عمل صحفي محض، ونحن كصحفيات لا يجوز التحقيق معنا أمام جهاز أمني، بل يجب أن يكون أمام قاضي التحقيق أو محكمة المطبوعات، وما حصل أن المحامي الموكل من قبلي توجه وأبرز بطاقتي الصحفية أمام المكتب، وطلب إحالة الملف إلى محكمة المطبوعات، ولكن للأسف بعد مخابرة القاضي زاهر حمادة، قام بإعادة الطلب بالامتثال أمام هذا المكتب، لكننا أصرينا على حقنا بعدم المثول لأن هذا الأمر نعتبره مخالفاً للقانون".
ونظمت ناشطات نسويات منهن من تتبعن منظمات نسوية منها دعوة نقابة "الصحافة البديلة" و"فيفتي فيفتي" وعضوات من "المنصة النسوية"، وقفة تضامنية مع حياة مرشاد أمام قصر العدل في الوقت الذي عقدت فيه المحاكمة.
ونوهت حياة مرشاد إلى أن الترهيب والتخويف هو جزء من إسكات وقمع الأصوات والأقلام إن كانت معارض أو تكتب عن أي شيء بعكس ما تريده السلطة، مشيرةً إلى أنه كان على القضاء أن يعتبر الشهادات التي صدرت بحق جو قديح بمثابة إخبار من قبل هؤلاء الفتيات، ويتحرك للتحقيق بمدى صحة هذه الشهادات لمعاقبة جو قديح على هذه التهم، وليس أن يلاحق صحفيات وناشطات حاولن رفع صوت الناجيات وإعادة التذكير بما تعرضن له.
ومنذ إقراره في 21 كانون الأول/ديسمبر 2020، لا زال "قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه"، لا يرقى إلى مستوى اتفاقية القضاء على العنف والتحرش، التي تنص على معالجة الحكومات للعنف والتحرش في العمل من خلال "نهج شامل ومتكامل ومراعٍ لقضايا الجنسين"، بما فيه من خلال القوانين المتعلقة بالعمل، والصحة والسلامة المهنيتين، والمساواة وعدم التمييز، بالإضافة إلى القانون الجنائي.
وأكدت حياة مرشاد على أن جرائم قتل النساء تزداد يوماً بعد آخر، وكذلك العنف ضدهن والتحرش بكل أشكاله، والقضاء لديه دور أساسي لضمان العدالة لهؤلاء النساء والفتيات، بدلاً من أن يعاقب ويقيد حرية الرأي والتعبير.
وحول ما يمكن القيام به من خطوات في مواجهة الواقع القائم، تقول "نحن اليوم، بعد الضغط الذي قمنا به من خلال الإعلام والضغط في الشارع والوقفة التي نظمناها أمام قصر العدل، ما ننتظره هو ما سيكون عليه قرار القاضي زاهر حمادة، على أمل أن يستجيب لمطالبنا، ويحول هذه القضية إلى محكمة المطبوعات، حتى الآن ليس هناك ما هو واضح بالنسبة لما سيكون عليه قرار القاضي، وبناء على القرار نقرر الخطوات الأخرى".
وفي ختام حديثها وجهت الصحفية حياة مرشاد رسالة إلى كل الصحفيات والصحفيين بأنه "بالنسبة لنا فإن سقف الحرية يجب أن يكون عالياً، وحرية الرأي والتعبير يجب أن تكون مُصانة، والتحرك بهذه الملفات والضغط هو شيء أساسي كي نحمي حقنا في الكتابة والتعبير".
بدورها قالت عضوة تجمع نقابة "الصحافة البديلة" الناشطة والصحفية دجى داوود إن "تضامن تجمع نقابة الصحافة البديلة مع الصحفية والناشطة النسوية حياة مرشاد يأتي من أجل عدة مبادئ يؤمن بها هذا التجمع، أولها حق الصحفيات بالامتثال فقط أمام قاض مدني، وبالتالي أمام محكمة المطبوعات، بسبب حقهم المكرس في القانون، وبسبب عدم صلاحية الأجهزة الأمنية باستدعاء الصحفيين/ات أو التحقيق معهم/ن، وبسبب رفضنا التام لتعهدات الصمت التي دأبت الأجهزة الأمنية، وخصوصاً مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية، على إجبار الناشطات والمواطنات على الرضوخ لها، وهي أصلاً تعهدات غير قانونية".
وأضافت "إن استدعاء حياة مرشاد بسبب مقال كتب عن المتهم بالتحرش المخرج جو قديح، يأتي لإسكات جميع الناشطات النسويات في البلاد، وبالتالي من بعده جميع النساء".
وأشارت إلى أنه هناك ممارسات قضائية ذكورية بحق أي امرأة تجرأت وتحدثت عن المتحرش وما ارتكب بحقها، إضافة إلى ممارسات سيئة للغاية تحصل في قلب الدعاوى التي رفعت من قبل نساء عن المتحرشين أو المرتكبين أيضاً.