تمثيل نسائي متقدّم في الزرارية... صدفة انتخابية أم بداية تحوّل؟

فوز أربع نساء من بلدة الزرارية في قضاء صيدا بالانتخابات البلدية والاختيارية يعكس تحولاً في الوعي المحلي تجاه مشاركة المرأة، ويمثل خطوة نحو تكافؤ الفرص وإعادة تشكيل المشهد البلدي حيث أصبح صوت المرأة أكثر إلحاحاً في زمن الأزمات.

فاديا جمعة

بيروت ـ شكّل فوز ثلاث نساء في الانتخابات البلدية والاختيارية في بلدة الزرارية، جنوبي لبنان، ورابعة عن المقعد الاختياري، مشهداً لافتاً للانتباه في المشهد السياسي المحلي، فبين التزكية والاقتراع فرضت المرشحات حضورهن في مجتمع لطالما طغى فيه الصوت الذكوري على مواقع القرار، هذا الإنجاز لا يمكن فصله عن الحراك النسائي المتنامي في مختلف المناطق اللبنانية، حيث تخوض النساء المعترك الانتخابي بإرادة واضحة لكسر الصور النمطية وتحقيق التغيير.

في هذا السياق نستعرض تجارب النساء الثلاث كما رَوَينها، ونقرأ كذلك في خلفيات فوزهن ورسائله الأعمق، انطلاقا من الزرارية كنموذج ومثال، فقد ارتفعت أصوات نسائية أربعة لتُعلن أن للمرأة دوراً في الحكم المحلي كما في كل مناحي الحياة. فوزهن في الانتخابات الأخيرة، لم يكن فقط انتصاراً انتخابياً، بل حدثاً يلامس عمق التحولات في الوعي المجتمعي تجاه مشاركة المرأة في الشأن العام بعيداً عن التنميق، كانت تجربتهن حاضرة لتحكي عن نضال، إصرار، وهمّ عام لا يُختزل بجندر، بل يتكامل معه.

 

المرأة الناجحة سيختارها المواطنون حتماً

بتول محي الدين وهي أستاذة لغة عربية، تقول "لم أتوقف في مجال التحصيل العلمي وحصلت على إجازتين (ماستر 1 وماستر 2)، وعنوان التخرج "صورة المرأة في شعر سعيد عقل" لأن المرأة تعني لي الكثير وأنا دائماً إلى جانبها، واليوم أكمل رسالة الدكتوراه، ومن منبركم (وكالة أنباء المرأة) أدعو كل النساء إلى مواجهة كل ما يعترضهن في المجتمع، فلدينا النظرة النمطية وهناك من يفضلون الرجال على النساء ولا يقيمون المساواة بينهم، وأدعوهن أيضاً للوقوف بقوة بوجه الصعاب وإثبات أنفسهن بعلمهن مع الناس وثقافتهن ونشاطهن".

وأضافت "تحدّيت كل الصعاب وتعبت وعملت على نفسي لأتمكن من مساعدة النساء والمجتمع وأقف في مواجهة كل ما من شأنه أن يعيق المرأة عن عملها، إن كان الأمر يتعلق بوظيفة أو بعمل اجتماعي، أو بالتعلم وبسائر النشاطات، ولذلك يجب على المرأة أن تكون قوية وتثبت حضورها".

وعن فوزها في الانتخابات البلدية والاختيارية، أوضحت بتول محي الدين أنه "لقد فزت في "لائحة التنمية والوفاء" من خلال دعم الناس ومحبتهم لي، ولو لم أكن ناجحة في مجتمعي لما تم ترشيحي فأنا لم أرشح نفسي، وهذا يؤكد أن كل امرأة تعمل وتثبت نفسها في المجتمع بعملها ونشاطها بوظيفتها وبتعاملها مع الناس ومحبتهم لها ستكون بالتأكيد ناجحة وسيختارها المواطنون".

 

 

المقترعين أكثرهم نساء

وبدورها، قالت زينات الأسعد الحائزة على شهادتي ماجستير، وعملت عشر سنوات في الزرارية في مركز ثقافي اجتماعي، وكانت لديها الكثير من النشاطات الثقافية والاجتماعية، من ضمنها تمكين المرأة، وأقامت الكثير من الدورات للنساء مكنتهن من العمل في منازلهن ويساعدهن في إعالة عائلاتهن، مضيفة "المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، هي الكائن الذي يقوم عليه المجتمع ولا يجوز تهميشها، وبالنسبة لي الكوتا 30 بالمئة لا أحبذها المفروض ألا يكون هناك "كوتا"، أتمنى أن يتحلى الناس، وخاصة النساء، بالشجاعة لطرح أنفسهن والمشاركة بشكل أكثر فعالية في المجتمع فالمرأة هي أساس الأسرة، وهي التي تربّي الرجل الذي يترشح للانتخابات. لذا، ليس من الصعب عليها أن تبرز نفسها وتشارك جنباً إلى جنب مع الرجل في بناء مجتمعها".

وعن فوزها في الانتخابات الأخيرة، أوضحت "شاركنا في هذا الاستحقاق كمرشحات مستقلات، حيث كانت هناك امرأتان ضمن اللائحة التي انضممت إليها، بينما كانت هناك امرأة واحدة في اللائحة المقابلة. ضمت لائحتنا تسعة أعضاء، في حين كانت اللائحة الأخرى تحتوي على ستة أعضاء. وقد فازت امرأة في اللائحة المقابلة أيضاً، بالإضافة إلى فوزنا بمختارة. وبالتالي، أصبح لدينا الآن أربع نساء يمثلن المجلس البلدي والمخترة في الزرارية".

ووجهت زينات الأسعد رسالة للمرأة بأن تكون لديها ثقة بنفسها، وما لفت انتباهي في هذه الانتخابات أن غالباً كانت امرأة ضد امرأة لأن العنصر النسائي موجود أكثر سكانياً والمقترعين أكثرهم نساء، وهذه المرة كانت المرأة هي الحريصة على وجود امرأة في العمل البلدي والاختياري.

 

 

"غزة معيارنا الإنساني"

بدورها قالت مريم مروة وهي مهندسة زراعية اختصاص علم وراثة "اتجهت إلى مجال وقاية النبات في وقت لم يكن فيه علم الوراثة متاحاً، باستثناء سوريا التي كانت تركز على تحسين زراعة الشعير والقطن طويل التيلة. من المعروف أن سوريا مشهورة بإنتاج القطن، وكانت تسعى لتحسين جودته. كان من الصعب عليّ ترك بلدي، حيث كنت مرتبطة بشدة ببلدتي. من هنا، يمكنني القول إنني أشعر بمسؤولية تجاه منطقتي. بدأت نشاطي في "نادي الشبيبة - الزرارية"، حيث كان لنا دور مكمل لدور البلدية في تلك الفترة. في عام 2016، ترشحنا كقائمة تضم عائلات ومستقلين، لكننا لم نحقق النجاح. ثم عدنا لترشيح أنفسنا في الانتخابات الأخيرة، حيث فزنا بتسعة مقاعد من أصل خمسة عشر، بما في ذلك سيدة ثانية ضمن قائمتنا، بالإضافة إلى وجود سيدة أخرى في القائمة المنافسة مع المختارة".

وأضافت "بالنسبة للزرارية، هناك من أشار على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن ما حدث يعد سابقة، لكن هذا غير صحيح. فالتاريخ يشهد أن الزرارية كانت تحتضن أول معلمة في منطقة الجنوب، وهي حياة حجازي، ابنة الشاعر الكبير أحمد حجازي المعروف بـ "ابن البادية"، كما أن الشهيدة يسار مروة كانت من أوائل الفتيات اللواتي واجهن الاحتلال، وهي من أوائل الشهيدات. جميع الفتيات اللواتي عملن في النادي هن معلمات ومهندسات وطبيبات. الزرارية تظل رائدة ومتميزة في تاريخ جبل عامل".

وفيما يتعلق بخطة العمل البلدية، أعربت مريم مروة عن أملها في عرض القضايا المهمة على الطاولة ضمن برنامج محدد، والبدء في تنفيذها وفقاً للأولويات، مشيرةً بشكل خاص إلى أزمة النفايات التي تؤثر على جميع أنحاء لبنان، وليس فقط على الزرارية. بعد ذلك، سيتم التفكير في كيفية تحسين البيئة في البلدة، والعمل على تعزيز الدورة الزراعية، بالإضافة إلى إنشاء تعاونية تتيح وصول المنتجات من المزارع إلى المستهلك مباشرة دون وسطاء.

ولفتت إلى أنه بالنسبة للمرأة فهي ركن أساس في المجتمع، وعليها النزول إلى الميدان والترشح والحديث عن شؤون البلدة وهمومها والعمل على النهوض بالبلدة وتنميتها "فنحن على فوهة بركان بحكم قربنا من الاحتلال، تحديداً في مناطقنا الجنوبية، ويجب أن نكون دائماً واعين لدورنا، وأن نقوم بدورنا الريادي بالتربية وبالشؤون العامة، ويجب أن يكون هناك دور للمرأة، تعمل وتتعلم وتتوجه إلى ميادين العمل الميداني".

وفي ختام حديثها، قالت مريم مروة "اليوم، معيارنا الانساني هو غزة، نرى كيف أطفال غزة وهم يحترقون أمام أعيننا ويتعرضون للقصف ولا نحرك ساكناً، هذا أمر جداً صعب، ليتبين أن الغرب لا علاقة له لا بالحرية ولا الإنسانية ولا أي شيء، وما تبين بعد الحرب في غزة والهجمات المدمرة التي شنت علينا، أن الغرب يطلقون شعارات فقط لا غير".

أصبح للمرأة حضوراً متصاعداً في ميادين العمل الاجتماعي والتنموي والنسوي، وهذا ما وفر المناخ المؤاتي لخوض النساء الاستحقاق الانتخابي على مستوى الانتخابات البلدية والاختيارية، وأيضاً فوز النساء بمقاعد أكثر مقارنة مع ما شهده لبنان في الانتخابات السابقة، وهذا مؤشر إيجابي ستكون له بالتأكيد ترجمة فعلية لدور النساء في الفضاء العام.