'تعديلات الدّستور السّوري يجب أن تدعم المرأة وتعيد وضع القوانين الضّامنة لحقوقها'
تعزيز مشاركة المرأة السّياسية على أرض الواقع، وفصل السّلطة عن الدّين، وإلغاء تأثيرات العادات والتّقاليد على القوانين المُتعلقة بالمرأة، ورفع التّحفظات عن اتفاقية سيداو
رهف يوسف
قامشلو ـ ، بعض التّعديلات الجوهرية التي تؤكد النساء في شمال وشرق سوريا أنها يجب أن تدخل ضمن تعديلات الدّستور السّوري الجّديد.
خلال حوار مع الإدارية في مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة المحامية عطية يوسف، أجابتنا عن بعض التساؤلات المُتعلقة بحقوق المرأة مع تحديد جلسة لتعديل الدّستور في 18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
هل حقق الدستور السّوري مشاركة حقيقة للمرأة في كافة مجالات الحياة، كما ورد في المادة 33 منه؟
من المعروف أن الدَّستور سواءً أكان في سوريا أو أي مكان بالعالم، هو القانون الأسمى والأعلى في البلاد، والذي يحدد القواعد الأساسيّة لسن القوانين، وبالتالي لا يجب أن تتعارض القوانين التي تُسن مع الدَّستور، إلا أن الدستور السوري احتوى العديد من التَّناقضات.
والسَّؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف للمرأة أن تكون حرة في الحياة العامة ولا سيما في السّاحة السّياسية، وحقوقها داخل الأسرة مُقيدة؟ وهنا نلاحظ وجود ازدواجية قانونيَّة، ولم نرى على أرض الواقع أي إزالة لقيودها، بل على العكس تماماً كُرست العادات والتَّقاليد لمنهجة وتبرير العنف والتَّمييز ضد النَّساء، وذلك من خلال التأثير على القوانين، لذا كان يجب إلغاء أي مادة قانونيّة مخالفة للدستور.
لماذا لا دور للمرأة في الدَّستور، وما هي الحلول لاستعادة هذا الدور؟
كان وما يزال المجتمع السَّوري يتعامل مع المرأة على أساس النّظام الأبوي، وينظر لها على أنها الأم والزّوجة وأنَّ مكانها الطّبيعي داخل منزلها، لذا أُبعدت عن الحياة السَّياسيّة، وكان للأحزاب السَّياسيّة وتكريس الدّين والقوانين دور كبير في ذلك، وعرفت السَّياسة بأنها عمل للرجال، وكان إقصاء الفئة النّسوية صريحاً وتهميشها مقصود، لسد الطرق أمامها لتكون مشاركة وفعالة في الحياة السَّياسيّة.
وفي حال كانت المرأة مُلمة بالسَّياسة، فلا شك أنها ستعرف حقوقها، وبالتالي ستقوى شخصيتها، ولأن مجتمعنا ذكوري، فإنه يرفض ذلك.
ونذكر أنه في سوريا عندما كان يتم توزيع الحقائب الوزارية، كانت المرأة تأخذ حقيبة الشَّؤون الاجتماعية والعمل، وهذا تمييز صريح، لأنه لم يتم تمكينها، لذا يفترض وجود نص بالدستور يضمن تنفيذ المواد.
ونحن هنا لا ننكر وجود السَّياسيات، ولكنهنَّ معدودات على الأصابع، وغير قادرات على إيصال صوت المرأة وتمكينها.
يتضمن الدَّستور المادة (17) التي تنص على حفظ حق الإرث، هل طُبقت على أرض الواقع، وكيف يتجلى ذلك؟
في قانون الأحوال الشّخصية حق الإرث بالنسبة للمرأة هو الحق الشّرعي إذ للذكر مثل حظ الأنثيين، وبالنسبة للأراضي الزّراعية التي يطبق عليها الإرث القانوني، فالمرأة لا تحصل على شيء، لا بل وتتنازل عن حقها تحت ضغط المجتمع والعائلة خشية القطيعة وكلمة العيب والنَّبذ.
نعم، القانون أعطاها جزء من هذا الحق، ولكنه لم يمنحها الدّعم والقوة للمطالبة به، وسواء تنازلت أم لم تتنازل فإن الأب يقوم بكتابة عقد بيع وشراء لأبنائه الذكور أو يتنازل لأحد أبنائه، وبهذا لا يكون هناك إرث، وبكل الأحوال تحرم منه، وهو ما ندعوه الاستفادة من الثغرات القانونية.
البند الثالث من المادة 33 ينص على أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، هل برز ذلك عبر القوانين التي وضعت للمرأة؟
الناظر إلى هذا القانون يلحظ مساواة بين المرأة والرجل، ولكن بالنسبة للتطبيق الوضع يختلف، فحتى بقانون العقوبات هناك تمييز، فعقوبة الزّنا على الرّجال تختلف عن النّساء، وينظر أكان متزوجاً أم لا.
وبالنسبة للجنسية فحسب المادة 63 من قانون الجّنسية الذي يرتبط بحق الدّم، وهو حصول الأطفال على الجنسية عن طريق حق الدّم للأب، وعلى ذلك لا تستطيع المرأة منح الجَّنسية لأبنائها، أما الزّواج لدينا فهو مؤسسة ذكورية بامتياز، فلا يوجد نص صريح يضمن المساواة الفعلية بين الزوجين.
ولم يكن قانون الأحوال الشخصية يسمح للمرأة بالسفر وأخذ أطفالها معها وفي حال كانت متزوجة لا تسافر من دون الحصول على إذن الزّوج، ولكن منذ فترة ونتيجة لتأثير التّطورات التي حدثت في شمال وشرق سوريا، تم تعديله بأنه لا يحق للمرأة أو الرجل السّفر مع الأولاد من دون موافقة الطرف الآخر.
ما هي التّعديلات التي يجب أن تطرأ على الدّستور لتغيير وضع المرأة وتفعيل مشاركتها في كافة مجالات الحياة؟
يجب أن ينص الدستور بصراحة على قيم المساواة والعدالة الجندرية، وضمان كرامة وحرية النساء، واحترام المشاركة والتَّعاون والحد من التمييز على كافة المُستويات والأصَّعدة، وضرورة أن ينسجم الدستور مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا، وأن ترفع تحفظاتها عن بعض البنود في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء (سيداو).
كما يجب أن يكفل ويضمن الدَّستور كافة الحقوق السَّياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للنساء وأن تطغى سلطة الدَّستور على سلطة الأعراف الاجتماعية، إضافة لضرورة تخصيص مواد في الدَّستور لحماية النساء، وتضمين مواد بالدستور حول الكوتا النسائية لضمان مشاركة النساء في الحياة السياسية، وعدم اعتماد الدَّستور على الديَّن كمصدر للتشريع وضرورة فصل الدَّين عن الدَّولة.
ولا ننسى أن القانون السّوري يسمح بالطَّلاق بإرادة منفردة، أي بدون رغبة الزّوجة، لذا ندعو لجندرة الدّستور، من أجل بناء مجتمع ديمقراطي حر، فالأسرة نواة المجتمع، وعندما تغرس فيها قيم العدالة والتّفاهم سيكون لدينا مجتمع سليم.
وهناك في الكثير من دول العالم التي تتعدد فيها الثَّقافات ما يسمى "مبادئ فوق الدستور"، ونحن بأمس الحاجة لأن يكون لدينا مثلها، لحماية شعوب المنطقة، لذا نتمنى أن يتم وضعها، لأنها أقوى من الدّستور، وتتم باتفاق كافة مكونات المنطقة.
وللأسف، لا توجد لجنة من شمال وشرق سوريا تُشارك في صياغة الدّستور، لذا ننظر إلى أن الدّستور الذي ستتم صياغته بأنه لا يمثل شريحة كبيرة من المجتمع السّوري.
في شمال وشرق سوريا كيف أسهم نظام العدالة الاجتماعية بتغيير واقع المرأة؟
ارتكز نظام العدالة الاجتماعية على المساواة الفعلية بين جميع المكونات على اختلاف الأعراق والجنس، وهذا كان أحد أساسياته، إضافة للتركيز على مفهوم الرَّئاسة المُشتركة الذي هدف لتمكين المرأة ودمجها بالحياة العامة، من أجل تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية التي أصبحت دستور للمرأة، فأي قانون يتم سنه يجب ألا يتعارض معها، لذا نرى أن القوانين التي وضعت لا يوجد فيها أي مادة تمييزية على أساس الجنس.
وحالياً تم الانتهاء من صياغة تعديلات جديدة على قوانين المرأة، وهذا التّعديل عبارة عن شرح وتوضيح لبعض التَّشعبات الموجودة. وهنا نعطي مثالاً كتجريم الطلاق بإرادة منفردة، فلم يعد هناك طلاق بل أصبح تفريق بإرادة كلا الطّرفين، وبهذا حُددت الحالات التي يحق للطرفين فيها طلب التّفريق.
ونحن هنا نلجأ للقانون السوري بقانون العقوبات والقانون المدني والقانون التّجاري، ولكن في قضايا المرأة هناك اختلاف بين قانون الأحوال الشّخصية السّوري وقوانين المرأة بنظام العدالة الاجتماعية.
ولا بد أن نشير إلى أن قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجّزائيّة هي قوانين فرنسية، أخذها لبنان، وسوريا أخذتها عنها، والقانون المدني أخذناه من مصر، ولو أردنا دراسة القوانين حول العالم، سنجد التَّشابه الكبير بينها.
هل وضع المرأة القانوني في تطور، ولماذا جاءت خطوة إعادة صياغة الدستور في هذا الوقت؟
في مناطق شمال وشرق سوريا هناك تطور كبير ولا سيما بعد سن قوانين المرأة، نرى نظام الرَّئاسة المُشتركة يثبت ذلك، والكوتا التي تمثل 50% من حصة النّساء، وفي كثير من المجالات المرأة أثبتت فعاليتها ولا سيما بالسياسة والقانون، ونرى ازدياد نسبة المحاميات، فسابقاً كان يتم توجيه المرأة إلى مجالات التّربيّة ورياض الأطفال، بينما اليوم نراها تخوض في جميع المجالات.
ويجب أن يستمر النّضال فمثلاً الكوتا النسوية 50%، ولكن الغاية ليست الحفاظ على هذه النّسبة، ولكن الهدف تفعيلها، وأن تكون النساء قادرات على تغيير المجتمع، لذا يجب تمكينهنَّ خاصة من الجانبين السَّياسي والقانوني، من خلال دورات خاصة، فمتى ما حصلت المرأة على خبرة سياسية سنحقق مجتمع ديمقراطي حر.
ونرى أن قرار تعديل الدّستور السوري في هذه الفترة عبارة عن جرعة مهدئة، وكحقوقيات نجد أن نسبة النساء الموجودات بلجنة صياغة الدّستور قليلة جداً، ولا نعرف إن كانت تمثلنا كسوريات أم لا، وهل تم انتخابهن من قبل النساء أم لا.
وأرى أن المهمة الملقاة على عاتق الحقوقيات كبيرة، فيجب أن يناضلنّ، ويقمنّ بورشات، ويعرفن الأهالي على الدّستور بأسلوب مبسط، وأعتقد أن دور الحقوقيات في هذه الأزمة كان ضعيف.
وبالنسبة لنا كمركز المرأة حملنا على عاتقنا أن نُمكن 1000 امرأة على مستوى شمال وشرق سوريا من الاتفاقيات الدّولية وخاصة سيداو التي تنص على القضاء على كافة أشكال التّمييز ضد المرأة، ومتى حصلت المرأة على الاطلاع والدَّراية بها ستكون قادرة على المطالبة بحقها.