التعليم في السودان بين النزاع والتضحيات... دور المرأة في إعادة البناء

النساء يشكلن ركيزة أساسية في بناء المجتمعات عبر التعليم، رغم العقبات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك فإن دعمهن وتمكينهن في هذا المجال يفتح أبواب التغيير ويعزز نهضة الأجيال القادمة نحو مستقبل أكثر عدلاً وتقدماً.

ميساء القاضي

السودان ـ شهدت المعلمات في السودان خلال العامين الماضيين أصعب فترة في تاريخ التعليم، إذ اندلع النزاع بالعاصمة وعدد من المدن الأخرى، لتدخل البلاد في أزمة غير مسبوقة، ويواجه السودان اليوم واحدة من أشد الظروف التعليمية قسوة على مستوى العالم، حيث يوجد ما يقارب 14 مليون طفل خارج مقاعد الدراسة، في أكبر أزمة تعليمية تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أكدت داليا محمد، وهي معلمة في المرحلة الابتدائية، على الدور المحوري الذي تؤديه المرأة في المنظومة التعليمية، مشيرة إلى أن المرأة تُعد العمود الفقري للتعليم، فهي التي تساهم في بناء الأجيال الجديدة وتلعب دوراً أساسياً في تعليم الأطفال وتوجيههم، مبينة أن إسهام المرأة في هذا المجال يشكل ركيزة لبناء مستقبل الوطن، مما يستدعي منحها الدعم والاهتمام اللازمين لتمكينها من أداء رسالتها التربوية على أكمل وجه.

 

مبادرات في المنازل

وعن الدعم المطلوب للمعلمات، أوضحت أنهن بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي، إلى جانب تشجيع النساء على خوض تجربة التعليم واختيار هذه المهنة النبيلة، مشددة على أن توفير الموارد التعليمية اللازمة والاعتراف بمكانة المعلمة في المجتمع أمران أساسيان، ومن خلال هذا التقدير والدعم ستتمكن المعلمات من تقديم أفضل ما لديهن للأجيال الجديدة والمساهمة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً للبلاد.

وبينت تأثير النزاع على التعليم "اضطرت العديد من المعلمات إلى النزوح وترك عملهن كما أن الظروف الصعبة جعلت من الصعب على الأطفال التعلم، وأثرت على صحتهم النفسية ولكننا كمعلمات، نحاول أن نقدم ما بوسعنا لدعم الأطفال، ونعمل على توفير بيئة تعليمية آمنة ومستقرة لهم رغم كل التحديات".

وأضافت إن المناطق التي تشهد نزاعاً انقطع التعليم فيها، بالإضافة إلى أن عدد التلاميذ قليل، مشيرة إلى أن زميلاتها تجمعن الطلاب في البيوت وتبدأن بتعليمهم من الصفر حتى لا ينسوا ما تعلموه "هناك العديد من المعلمات ضحين بحياتهن في هذه الفترة".

لم تقتصر المعاناة على المعلمات النازحات وحدهن، إذ أشارت داليا محمد إلى أن المعلمات العاملات في المناطق الآمنة واجهن بدورهن ضغوطاً كبيرة، فقد حاولن دعم المدارس القائمة والتعامل مع التحديات، إلا أنهن كن بحاجة إلى مساندة أيضاً، فقد أدى تدفق أعداد كبيرة من التلاميذ النازحين إلى زيادة العبء عليهن، واضطررن للعمل لساعات طويلة صباحاً ومساءً لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب.

وقالت "نحن كمعلمات نازحات واجهنا صعوبة في الحصول على فرص عمل، إذ غالباً ما تكون المدارس مكتملة العدد ولا تحتاج إلى موظفات إضافيات، ومع ذلك أثبتنا جدارتنا من خلال العمل من المنزل".

وعن أبرز تحديات النزوح، أوضحت أن المعلمة الجديدة في المنطقة التي انتقلت إليها لا تكون معروفة، مما يقلل فرصها في التوظيف، كما أن المرتبات كانت غير منتظمة وتتعرض للاستقطاعات، وهو ما زاد من صعوبة الوضع بالنسبة للمعلمات النازحات.

وعن تأثير الحرب على التعليم أوضحت "بلا شك، الصراع تركا أثراً كبيراً على العملية التعليمية، لكن بفضل الجهود المستمرة بدأت الأوضاع تستقر. الكثير من المدارس أعيد فتحها، والمعلمات يعملن بجد لتغطية المناهج الدراسية. نحن نسعى لإعادة بناء ما تهدم، ونمضي خطوة بخطوة نحو المستقبل بأمل وتفاؤل، مع مراعاة الظروف المادية للتلاميذ وتقديم المعالجات المناسبة لهم".

 

 

تحديات تؤثر على التنمية المجتمعية

بدورها قالت الأستاذة سورية علي الحسن وهي خبيرة تربوية، إن أبرز التحديات التي تواجه النساء تتمثل في حصول النساء أولاً على التعليم "الفقر يجبر العديد من الفتيات على ترك الدراسة والعمل لدعم أسرهن، بينما الزواج في سن صغيرة يحرمهن من فرصة التعليم. هذه التحديات تؤثر على مستقبل الفتيات وتحد من فرصهن في الحياة، وتؤثر على التنمية المجتمعية بشكل عام".

وأوضحت أن "الأسرة يجب أن تقدم الدعم للبنات لتحفيزهن على التعليم وأن تشارك الأسرة في العملية التعليمية عن طريق مراقبة أداء أطفالها ويجب أن توفر الموارد المالية اللازمة للعملية التعليمية، أما دور المجتمع فيوفر البيئة التعليمية الآمنة ودعم المعلمات عن طريق توفير التدريب المستمر والتطوير والمجتمع المحلي يشارك من خلال توفير البيئة الآمنة ومن خلال تهيئة بيئة المدارس".

وفي ختام حديثها أكدت سورية علي الحسن على أهمية دعم المرأة في التعليم عن طريق "توفير الفرص بزيادة عدد المدارس توفير المنح الدراسية، وبرامج التعليم عن بعد، وتحسين البيئة التعليمية، والتثقيف والتوعية بأهمية دور المرأة في التعليم والتنمية، ويمكن أن تكون هناك شراكات مع المنظمات، فالمرأة هي أساس المجتمع والأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعباً طيب الأعراق".