رغم تقييده... ثغرات قانونية تسمح باستمرار تعدد الزوجات في المغرب

حركات نسوية في المغرب تطالب بالقضاء على ظاهرة تعدد الزوجات

حنان حارت

المغرب ـ تتجه الحكومة المغربية إلى فرض مزيد من القيود لمنع تعدد الزوجات، فرغم أن قانون مدونة الأسرة الذي سنته المملكة في أواخر عام 2003، يضع شروطاً صارمة على تعدد الزوجات إلى درجة تقترب من المنع، حيث لا يتاح بالمبدأ إلا لحالات استثنائية.

ترى الحركات النسائية، أن هناك ثغرات قانونية وتحايل والتفاف على قيود التعدد، وهو ما يشكل إهانة ومساساً بحقوق النساء المغربيات، حيث تتعالى الأصوات من أجل منع تعدد الزوجات بشكل نهائي.

 

تقييد التعدد

تقول رئيسة جمعية اتحاد العمل النسائي عائشة الحيان لوكالتنا "المشرع المغربي قيد مسألة تعدد الزوجات، ووضع مجموعة من الشروط، لكن ما زلنا نسجل بعض الحالات المعزولة، وهذا نعتبره إهانة بحق المرأة".

وأوضحت "لا تقبل المحكمة بإثبات الزواج الثاني، إلا إذا كان لدى الرجل مجموعة من المبررات الاستثنائية والموضوعية، وهما الملف الصحي للزوجة الأولى، والقدرة المادية التي تسمح له بإعالة أسرتين، فهذين المعيارين منذ أن سنتهما مدونة الأسرة، سُجلت نسبة ضئيلة في ظاهرة تعدد الزوجات، لكون المحكمة غالباً ما ترفض هذه الطلبات"، مؤكدة أنه "رغم هذا التقييد، لكن إتاحته في بعض الحالات هو مساس بحقوق النساء وبكرامتهن".

 

مس بالكرامة

وأضافت الناشطة الحقوقية عائشة الحيان أن "مسألة تعدد الزوجات تعتبر إحدى مظاهر التمييز الصارخ داخل مدونة الأسرة، لكون الأسرة المغربية عرفت اليوم مجموعة من التغيرات والتحولات، فأضحى من غير المعقول الإبقاء على مجموعة من النصوص التي تمس بكرامة النساء وإهانتهن"، مؤكدة على أن زواج الرجل بزوجة ثانية فيه تعدي على حقوق المرأة الأولى وإهانة لكرامتها. 

ولفتت عائشة الحيان إلى أن أسباب مطالبة الحركات النسوية في المغرب بمنع تعدد الزوجات بشكل نهائي، يرجع لسوء تقدير القضاء للمبرر الموضوعي الاستثنائي، عبر اعتماد مثلاً المرض أو عدم القدرة على الإنجاب، مبرراً لمنح التعدد للزوج، نظراً لتعارضه مع الكرامة الإنسانية.

 

تغيير المدونة

وقالت "آن الأوان لتغيير شامل لمدونة الأسرة وإعادة صياغتها صياغة قانونية واضحة تحترم كرامة المرأة، وتضمن انسجام بنودها مع الدستور المغربي، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، فلا يمكن المصادقة على الاتفاقيات دون العمل بها".

وأكدت "ما عرفه المجتمع المغربي من تطورات في السنوات الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق النساء، لم يعد مقبولاً اليوم، بإضافة تغييرات جزئية في القوانين فقط، بل نحن في حاجة لقوانين مبنية على مرجعية حقوقية تحقق العدالة والمساواة بين الطرفين".

 

ثغرات قانونية

لقد نظم المشرع المغربي مسألة التعدد في الباب الثاني من مدونة الأسرة وخصصت له المواد من 40 إلى 46 من مدونة الأسرة؛ فالمادة 40 مثلاً من مدونة الأسرة تنص على أنه "يمنع التعدد إذا لم يتم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها"، ثم إن الفقرة الأولى من المادة 42 تنص على ما يلي "في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد يقدم الراغب فيه طلب الإذن بذلك للمحكمة".

وترى المحامية زاهية عمومو، أن هناك مجموعة من الثغرات في قانون مدونة الأسرة المغربية التي تسمح باستمرار تعدد الزواج، والتي تعطي للزوج فرصة للتلاعب والتحايل.

وحول المسطرة التي يمكن سلكها من طرف الزوج من أجل طلب التعدد في المغرب، أوضحت زاهية عمومو "أن الرجل يقدم طلباً إلى المحكمة الابتدائية، ويشترط تعزيز طلبه بوثائق مثبتة لوضعيته المادية ومثبتة للمبرر الموضوعي الاستثنائي الذي تشترطه المادة 42 من مدونة الأسرة المغربية، مما يبين أن الإذن بالتعدد يتوقف على تحقق: وجود الموارد الكافية للقيام بواجبه في النفقة على زوجاته، ووجود مبرر موضوعي واستثنائي كان وراء رغبته في التعدد، وهو الملف الطبي للمرأة الأولى، وبعد ذلك يتم تقديم الطلب أمام المحكمة المختصة، فتقوم المحكمة باستدعاء الزوجة الأولى، وبعد توصلها بالاستدعاء وحضورها لجلسة المحكمة، تبحث معها المحكمة موافقتها من عدمها؛ وفي حالة الموافقة من الزوجة الأولى على تعدد زوجها عليها، فإن المحكمة تحجز القضية للمداولة لتحكم في الطلب بالقبول إذا استجمع الطلب كل العناصر واعتبرتها المحكمة موجبة للتعدد، أو أن ترفض الطلب في حالة لم ترى المحكمة أن الطلب مستجمع لعناصر القبول".

وأضافت "في حال رفضت الزوجة الأولى الموافقة على تعدد زوجها عليها، وأصر الزوج على طلبه حاولت المحكمة إجراء محاولة للصلح بينهما، فإن أصر الطرفان على موقفهما، وطلبت الزوجة التطليق حكم لها بمستحقات يتعين على الزوج إيداعها في صندوق المحكمة لأجل سبعة أيام من تاريخ الأمر، وإذا لم يحترم ذلك، فإنه يعد متراجعاً عن طلب الإذن بالتعدد، وإذا لم تطلب الزوجة التطليق طبقت المحكمة مسطرة الشقاق تلقائياً، حسب المادة 45 من مدونة الأسرة المغربية، وهكذا يفرض عليها واقع معين".

 

إلغاء نهائي

وأوضحت زهية عمومو أن هذه القوانين مجحفة بحق المرأة، ولم تخف آمالها في إلغائها نهائياً، لكون مسألة تعدد الزوجات تمس بكرامة المرأة ولا تحمي الأسرة والأطفال.

وقالت "هناك سوء تطبيق عند منح التعدد، حيث لا يوجد تتبع، كما تنعدم المراقبة بشأن الملفات التي يمنح فيها التعدد، مشددة على أنه يجب إخضاع الشرطين الأساسين إلى خبرة، فهل مثلاً فعلاً المرأة الأولى مريضة، وماهي حدود المرض الذي يجعل الزوج يطلب التعدد".

وأضافت "هناك فراغاً قانونياً يمكن للرجل استغلاله للاستمرار في طلب التعدد، وبالتالي ترك له مجالاً وفرصة من أجل التلاعب".

وختمت زاهية عمومو حديثها بالقول "للأسف هناك بعض النصوص والتطبيقات تنحاز للرجل، لأنه لدينا قوانين بعقلية رجعية".

يذكر أن وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، كان قد أوضح في جلسة للأسئلة الشفهية في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، في 19 نيسان/أبريل الجاري، أنه لا تتوفر حالياً في المملكة منصة إلكترونية لقاعدة بيانات خاصة بالمتزوجين تمكن من التعرف على هوية كل متزوج من خلال منصة إلكترونية، وذلك كخطوة نحو فرض مزيد من القيود لمنع تعدد الزوجات.

وأوضح المسؤول الحكومي "أن عدم توفر هذه المنصة يسهل على بعض الأزواج التحايل، عبر الانتقال من مدينة إلى أخرى للحصول على شهادة العزوبية والزواج لمرة ثانية وإنجاب أطفال".

وأشار إلى أنه لا بد من سن نصوص واضحة وصريحة لمنع ظاهرة تعدد الزوجات وإلغائها نهائياً لأنها لا تحترم شعور المرأة وإنسانيتها، ولا تحمي الأسرة والأطفال، وإنما هي قوانين مجحفة بحق النساء والأطفال والأسرة، خصوصاً أن الأمر مرتبط بعقليات وتقاليد متوارثة إلى جانب الظروف الاقتصادية.

ومن المرتقب أن يمنع السجل عمليات التحايل، نظراً لأن الموظف الذي يمنح شهادة العزوبية، سيكون بإمكانه الاطلاع على الوضعية العائلية للشخص المتقدم من خلال منصة سجل المتزوجين، وفق ما أعلن عنها وزير العدل المغربي.