نزهة شليطا: واقع عمل الأطفال كارثي... ونناشد المنظمات الدولية التدخل للحد من هذه الظاهرة
تزداد ظاهرة عمل الأطفال يوماً بعد يوم في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون والمقيمون على الأراضي اللبنانية وغلاء الأسعار بالتزامن مع تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق
كارولين بزي
بيروت ـ ، كما أثر النزوح السوري على بروز هذه الظاهرة، مع دخول عدد كبير من الأطفال النازحين إلى ميدان العمل في مختلف القطاعات ولاسيما القطاع الزراعي.
"يتخطى عدد الأطفال العالمين على الأراضي اللبنانية الـ100 ألف"
عن واقع عمل الأطفال ودور وزارة العمل في الحد من هذه الظاهرة تتحدث لوكالتنا رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل نزهة شليطا، وتقول "نعيش في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان أسوأ كارثة اقتصادية على الإطلاق، وبالتالي أصبح الأهالي يعتمدون على أولادهم عبر إدخالهم سوق العمل".
وتتابع "انتشار كوفيد 19 حرم الأولاد ذوي الإمكانيات المادية المحدودة من متابعة دراستهم، إذ ساهم انتشار الفيروس من زيادة ظاهرة التسرب المدرسي، وكذلك دفعت الأزمات المتتالية وآخرها انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 عدد كبير من الأطفال إلى سوق العمل".
وتضيف "لاحظ المسح الوطني الشامل الذي تم إعداده في الأعوام (2016 ـ 2017)، أن عدد الأطفال اللبنانيين العاملين وصل عددهم إلى أكثر من 33 ألفاً، واليوم زادت هذه النسبة إلى ما بين الـ 20 و30%، أي يبلغ اليوم عدد الأطفال اللبنانيين العاملين نحو 45 إلى 50 ألف، وبالتالي أرقام الأطفال اللبنانيين إلى جانب السوريين والمقيميين على الأراضي اللبنانية بالتأكيد تخطت المئة ألف. تتوزع نسب الأطفال العاملين على القطاع الزراعي، التسول وهو أسوأ أعمال الأطفال ويعد من الجرائم الجنائية، عمل الأطفال في المحلات التجارية والميكانيك والخدمات الشخصية وورش البناء، وأيضاً في النفايات ومحطات البنزين".
القانون اللبناني يمنع الأحداث من ممارسة الأعمال الخطرة، وتعليقاً على ذلك تقول نزهة شليطا "عمل الأطفال مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع، عبر تفتيش العمل، وحدة مكافحة عمل الأطفال، إذ أن المرسوم 8987 يحظر استخدام الأحداث دون سن الثامنة عشر في أسوأ أشكال عمل الأطفال والتي تسبب الأضرار الجسدية والنفسية والأخلاقية عند الأطفال وتمنعهم من متابعة دراستهم، كما يمنع ما دون سن الـ16 من ممارسة الأعمال الخطرة والتي تضر بالصحة والسلامة والسلوك الأخلاقي للأطفال، واستحدث جهاز لمراقبة هذا المرسوم وتطبيقه"، مشيرةً إلى أنه بالرغم من مراقبة العمل بالمرسوم إلا أن معظم الأطفال العاملين هم بالقطاع الغير منظم.
"إمكانيات الوزارة محدودة وهناك تنسيق مع الأمن العام"
وتضيف "إمكانيات الوزارة محدودة في هذا الموضوع إذ أن هناك نحو 30 أو 40 مفتش فقط على كافة الأراضي اللبنانية، ولكن هناك تعاون وتنسيق مع الأمن العام اللبناني إذ شكلنا لجنة تعاون مشتركة بيننا وبينهم أولاً لتعديل القوانين التي ترتبط بعمل الأطفال ولاسيما في القطاع الزراعي، فالأمن العام اللبناني مهمته تتركز على العمال الأجانب والنسبة الأكبر من الأطفال العاملين في القطاع الزراعي هم من السوريين".
وتوضح "يتدخل عناصر الأمن العام بسحب الأطفال العاملين من سوق العمل، يرسلون إلينا محاضر ضبط ومعطيات وبيانات تستطيع الوزارة أن تتحرك على أساسها، حتى أنهم دخلوا إلى مختلف القطاعات التجارية ولم يقتصر عملهم على القطاع الزراعي، هذا الأمر سد ثغرة عدم إمكانية دخول مفتشي العمل على القطاع الغير منظم".
وتتابع "كما تم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال بمرسوم وزاري ويرأسها وزير العمل، وتضم اللجنة الوزارات المعنية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية، والعدل والداخلية، التربية والصحة وزارة الزراعة والمنظمات غير الحكومية بالإضافة إلى الضمان الاجتماعي والاتحاد العمالي العام وجمعية الصناعيين".
وتوضح "دور اللجنة يتركز على وضع الخطط والسياسات لمكافحة عمل الأطفال ومراقبة المشاريع المتخصصة التي يتم تنفيذها في لبنان والتي تتعلق بالقضاء على هذه الظاهرة".
وتضيف "هناك التفتيش الغير مباشر عبر وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال الأخصائيين الاجتماعيين والجمعيات، ونهدف إلى جانب سحب الأطفال من سوق العمل إيجاد بدائل، ولكن لنكن واقعيين لا يوجد أي تحرك في هذا المجال أبداً، فهو غير مدرج على أجندة الدولة. سعينا جاهداً ووضعنا خطة وطنية للقضاء على أشكال عمل الأطفال، أصدرنا ملحق خاص بالنازحين السوريين، ولا نعاني من أي نقص بالخطط والسياسات، ولكن لا يوجد من يتحرك في هذا الموضوع".
"انعدام التمويل"
وتتابع "هناك انعدام بالتمويل حتى من قبل المنظمات الدولية، منذ 2019 لم نتلق أي تمويل وإمكانيات الوزارة كانت محدودة سابقاً فكيف اليوم مع كل الأزمات التي تعصف بلبنان؟".
وتناشد نزهة شليطا المنظمات الدولية بل والجميع لمساعدة هؤلاء الأطفال، وتقول "نحن بحاجة إلى تمويل وتغطية معنوية ومادية، وأعتقد أنه عندما تكون الدولة عاجزة عن تقديم الدعم فإننا نعوّل على المساعدات الدولية مالياً وتقنياً عبر منظمة العمل الدولية بشكل خاص وباقي المنظمات بشكل عام".
وتلفت إلى أنه في ظل الظروف السيئة التي نعيشها لا توجد إرادة سياسية وقرار مركزي ودولي بمساعدة هؤلاء الأطفال.
وتسأل "ما الذي يمكن أن نفعله بميزانية متواضعة، علماً أنه لا يوجد ميزانية مخصصة لعمل الأطفال بل يتم الاعتماد على المنح"، وتتابع "نحاول رفع الوعي على المخاطر وتحفيز أصحاب القرار على تطبيق هذه السياسات والقوانين ولكن وصلنا للأسف إلى واقع من الشعارات فقط، ولا يوجد أي شيء جدي لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد الدولي".
وتشدد أنه "يتوجب على جميع العاملين في مجال حقوق الإنسان والأطفال من منظمات دولية وإقليمية ومحلية التحرك فوراً لتقديم الدعم التقني والمادي اللازمين وتساعد الحكومة وأصحاب العمل والعمال، لأننا نشهد على جريمة إنسانية بحق الأطفال".
لا يشكّل انعدام التمويل المشكلة الوحيدة لدعم الأطفال ومساعدتهم والحد من هذه الظاهرة، بل أيضاً غياب الحكومة، وتقول "حتى لو حصلنا على تمويل لا يمكن لوزير العمل أو أي وزير في حكومة تصريف الأعمال أن يوقع على مذكرات تفاهم في غياب الحكومة، لأن مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون تحتاج لموافقة من مجلس الوزراء"، ولبنان لا يزال يعيش منذ نحو سنة في ظل حكومة تصريف أعمال لا يمكنها أن تعقد جلسات مجلس وزراء وأن تتخذ قرارات مصيرية.
"أطفال الشوارع قنابل موقوتة"
وعن تأثير عمل الأطفال على طفولتهم، تقول "الأطفال في الشوارع هم عبارة عن قنابل موقوتة، إذ يزداد الانتهاك لحقوقهم، ويتعرضون للتحرش الجنسي وللمخاطر الصحية والجسدية والعقلية والنفسية، وكأن هناك إهمال مقصود لهذه الظاهرة"، وتسأل "أين المنظمات الدولية والمحلية المعنية في هذا الظرف تحديداً؟ ما هو دورها؟".
وإن كان هناك مسح جديد لعدد الأطفال العاملين، تقول "لا يمكن في هذا الظرف أن نجري إحصاءً جديداً، ولكن بالتأكيد ارتفعت النسبة كما ذكرنا سابقاً، وذلك لأنه يتم الاستغناء عن اليد العاملة اللبنانية واستبدالها بالأطفال لأن الشاب أجره أعلى ويحتاج إلى ضمان اجتماعي وغيرها من الحقوق".
وعن دور الأهل في عمل أولادهم، تقول "هناك أهالي يحرمون أولادهم من الدراسة ويدفعونهم إلى سوق العمل، لعدة أسباب منها جهل الأهل والتعليم عن بعد بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي السيء".
وتطلق نزهة شليطا صرخة عبر وكالتنا وتناشد المنظمات الدولية للتدخل للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل تهديداً لعدد كبير من الأطفال، وتضيف "تدّعي المنظمات الدولية دائماً أنها تقدم مساعدات للبلدان التي تستضيف النازحين، ولكن هذه المساعدات تذهب معظمها كرواتب وتعويضات إدارية إلى موظفيها ولا تتلقى البلدان المضيفة إلا جزءاً بسيطاً من هذه المساعدات والجزء الآخر يذهب إلى النازحين، بالنسبة للأطفال اللبنانيين العاملين لا تتم مساعدتهم، وبالتالي لا يمكننا أن نحد من هذه الظاهرة في ظل غياب المساعدات، كيف سنحد من هذه الظاهرة ولا يزال هناك فئة مهمشة وملغية؟ كما انعكس انعدام التمويل على إقفال بعض المراكز المتخصصة التابعة لوزارة العمل باستثناء مركز في سعد نايل في البقاع الذي تديره جمعية Beyond بالتعاون مع وزارة العمل".
وتختم "نحن عاجزون في ظل غياب التمويل ونناشد المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، إذا لم يقوموا اليوم بدورهم فمتى سيقومون بأدوارهم... عندما يستعيد لبنان عافيته؟".