نساء السويداء: الفيدرالية خيار من أجل الحياة
في ظل مأساة السويداء، برزت النساء كقائدات للرأي، رافضات للصمت ومطالبات بالكرامة والعدالة، وشاركن بوعي سياسي وإنساني، وطرحن الفيدرالية كخيار لحماية التنوع وإعادة التوازن في دولة أنهكتها المركزية والاحتكار.

روشيل جونيور
السويداء ـ برزت أصوت النساء في مدينة السويداء السورية كقوة فكرية وإنسانية رفضت الصمت، وتمسكت بالكرامة، واقترحت الحلول. لم يكن حضور المرأة مجرد رد فعل عاطفي على الألم، بل موقفاً وطنياً وحقوقياً واعياً، وجه البوصلة نحو الفيدرالية كخيار يحمي التنوع، ويعيد التوازن إلى دولة أنهكتها المركزية والاحتكار.
النساء في السويداء لم يتحدثن عن الفيدرالية كترف سياسي، بل كضرورة للبقاء. من وسط المجازر والحصار، كن أول من نادى بأن الفيدرالية ليست انقساماً، بل إنقاذاً لما تبقى من المدينة، مشروع يضمن العدالة، ويمنح الجميع حق التمثيل والكرامة. بفكرهن دافعن عن مشروع لا ينتمي لنخبة، بل يولد من وجع الناس وحقهم في الحياة.
الفيدرالية تضمن لكل مكون حقه في الحفاظ على خصوصيته
عبرت نبيهة فرج من مدينة السويداء، حاصلة على دكتوراه دولية في النقد الأدبي، عن رأيها عن الفيدرالية "من وجهة نظري هي ليست فقط نظام حكم، بل حل عملي لمحاربة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان التوزيع العادل للثروات. هي نظام يضع حداً للاستغلال، ويعتمد على حكومات محلية مرتبطة بحكومة مركزية، بطريقة تشرك الجميع في إدارة شؤونهم".
وأوضحت أن "بعض الإعلاميين والأشخاص أدخلوا في أذهان الناس أن الفيدرالية تعني الانفصال، واتهمونا بالانفصالية، وهذا غير صحيح إطلاقاً. في الواقع، أغلب دول العالم المتقدم تعتمد نظام الفيدرالية، وقد نجحت في تحقيق العدالة الاجتماعية، والرفاهية، والاستقرار".
ولفتت إلى أنه "اضطررنا إلى التفكير بالفيدرالية، لأنها تضمن لكل مكون مجتمعي حقه في الحفاظ على خصوصيته، وتعيد الاعتبار للغات والثقافات المهمشة، وهي ما نحتاجه كطائفة الموحدين، لنا خصوصيتنا الدينية، وهويتنا الثقافية، والتي لا تتناقض أبداً مع الانتماء للدولة السورية".
كما أشارت نبيهة فرج إلى أن تجارب العالم أثبتت أن الفيدرالية تنجح حيث تفشل الأنظمة المركزية "نحن اليوم لا نطرح هذا الخيار ترفاً، بل اضطراراً، بعد أن تعرضنا لهجمات دموية وممنهجة، نفذت بحقنا على مرأى العالم، بتواطؤ صريح من جماعات مسلحة وخونة من الداخل".
"نحن لم نعتدي، ونرفض أن يُعتدى علينا"
إنصاف عبد الباقي معلمة متقاعدة تقول "لقد هوجمنا بعنف غير مسبوق، بقيادة الجولاني، من خلال ميليشيات غريبة عن أرضنا سُلطت علينا، لا لشيء سوى لأننا مكون مستقل بهويته الدينية، وهذا ما يجعل الفيدرالية ضرورة وجودية اليوم".
وأضافت "نحن أولاً سوريون. لم نؤمن يوماً بتعدد الطوائف كأداة للفرقة، بل عشنا مئات السنين بتعايش وسلم أهلي كامل مع العشائر والمكونات الأخرى، لكن الهجمة التي تعرضنا لها في 13 تموز، لم تميز بين كبير أو صغير، بشر أو حجر، كانت مجزرة تجاوزت حدود التصور، بلا رحمة أو إنسانية".
وقالت "نحن لم نعتدي، لكننا نرفض أن يُعتدى علينا. ومنذ بداية الأزمة، استقبلنا في السويداء كل من لجأ إلينا، فتحنا بيوتنا، ولم نبن لهم خياماً، تقاسمنا معهم الخبز والدواء، والآن يكافأ هذا الكرم بالمجازر والحصار أي حقد هذا علينا".
وأكدت أنه رغم الجراح "لا نزال نؤمن أننا لسنا وحدنا، لدينا غطاء عربي، ودعم من ضمائر حرة حول العالم، فنحن لا نساوم على الكرامة، ولا على الحق ولكننا فقدنا شبابنا واحترقت بيوتنا وفرض علينا حصار شامل غذاء، دواء، وقود. من حقنا أن ندافع عن أنفسنا، ومن حقنا، قانوناً، أن نطالب بالحماية الخارجية إذا فشلت الدولة في حمايتنا".
وأكدت أن المرأة في جبل العرب حملت السلاح ودافعت عن بيتها، وكانت في الخطوط الأمامية كما كانت في الصفوف الفكرية، لأن هذه هي ثقافتنا المتجذرة.
"نحن نُذبح بصمت"
بدورها قالت ريما عزام "خرجنا إلى الساحات نحلم بوحدة السوريين، لا بالتقسيم ولا بالطائفية. كنا ننتظر تدخل الدولة لحماية المدينة، لكن الصمت والخذلان تجاوزاً كل التوقعات. سقط صاروخ بجوار منزلنا، من يعيش هذا الرعب لا يُلام على أي خيار يتخذه لحماية حياته، الوضع في السويداء مأساوي، نحن لسنا مجرد امتداد للساحل، نحن السويداء".
وبينت أنهم يواجهون اليوم جماعات "همجية" سلبتهم الأمن "قاومنا نظام بشار الأسد، ونقاوم اليوم الجولاني وأشباهه. نطالب المجتمع الدولي بأن ينظر إلى السويداء بعين الحقيقة نحن لم نعتدى على أحد. نحن نُذبح بصمت، ويراد لنا أن نمحى".
وفي ختام حديثها أكدت ريما عزام أن "فيدراليتنا ليست إعلان انشقاق، بل نداء لحياة تحفظ كرامتنا وتمنحنا الحد الأدنى من الأمان. لا نثق بالجولاني ولا بما يسمى "الأمن العام". نطالب بحكم فيدرالي عادل، يحمينا، ويعيد الحق لأهله، قبل أن يمحى ما تبقى من أصواتنا".