نجوى رمضان: يوم المرأة العالمي يضع قضايا النساء وأزماتهن أمام المجتمع

تعاني الكثير من النساء من العنف المستند إلى النوع ولا توجد احصائيات واضحة في هذا الشأن وفي الوقت الذي راحت عدد من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات النسوية

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعاني الكثير من النساء من العنف المستند إلى النوع ولا توجد احصائيات واضحة في هذا الشأن وفي الوقت الذي راحت عدد من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات النسوية العمل على مناهضته من خلال مجموعة من البرامج منها وحدات الدعم والمساندة ونشر الوعي لدى النساء بحقوقهن وحدود الآخر في التعامل معهن بحث آخرون في العمل على توفير قاعدة بيانات يمكنها أن تكون المرشد في تلك البرامج.

أصدر المرصد البحثي التابع لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة مؤخراً، تقرير عن العنف في مصر حمل مجموعة من الأرقام حول عدد الحالات ونطاقها والمحافظات التي تقع بها النسبة الأعلى وتلك التي يصل فيها العنف لحد القتل كل ذلك وغيره من الموضوعات سنتعرف عليه من خلال حوارنا مع المدير التنفيذي لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة نجوى رمضان.

 

كيف يتم البحث عن حالات العنف وتدقيق الأرقام في المرصد لإصدار التقارير الخاصة بالعنف؟

نقص المعلومات كان وراء قرارنا الخاص بتأسيس مرصد لجرائم العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي عام 2020، فقد كنا نبحث عن إحصائيات توثق العنف من خلال الجرائم فلم نجد سوى المسح السكاني الصحي في عام 2014، ومسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في 2015، فخمس سنوات بلا إحصائيات هي فترة طويلة غاب خلالها رصد البيانات تخبرنا بوضع الملف وما نحتاجه بناء على الاحصائيات المتاحة.

وينتج المرصد تقارير ربع سنوية ونصف سنوية وسنوية وبيانات شهرية، وفي عام 2020 نتيجة ظروف جائحة كورونا والظروف الاقتصادية التي تبعتها كانت مستويات العنف مرتفعة، إلا أن المفاجأة الأكبر كانت في 2021، حيث وجدنا أن كل الاحصائيات تضاعفت وهذا جعلنا نوسع أكثر هيكل الرصد فأدخلنا نوع الجريمة ومكان وقوعها والدافع ورائها ومرتكب الجريمة ونوعه وهو ما يساعد أكثر المؤسسات النسوية والباحثين أن يخرجوا دراسات مقارنة وإحصائيات ويقومون بالعمل على الأرض بناءً على بيانات.

والبيانات التي تصدر بشكل دوري عن المركز لا تعتبر كاملة عن الواقع لأنها تمثل الجرائم المبلغ عنها فقط، ولكنها تعكس بشكل كبير مسارات تلك الجرائم ويمكنها أن تكون مرشد للتدخلات الواجب عملاً على أرض الواقع.

ولكن التقرير يعطي نبذة أكبر عن المنطقة الجغرافية الأعلى من حيث تركز العنف وأكثر المحافظات عنفاً من حيث نوع الجريمة والفئات العمرية التي ارتكب ضدها الجريمة وتم الإبلاغ عنها وبه مؤشرات يمكن الخروج بها من التقرير للعمل عليها في حملات وعي ودعم ومناصرة المجتمع وكذلك تغيير التشريعات بما يتوافق مع دلالات الواقع.

 

هلا أطلعتنا على الأرقام التي وردت في التقرير والفئات والمحافظات التي وقع بها معدلات أعلى من العنف؟

رصد التقرير النهائي لعام 2020 نحو 415 حالة عنف وفي 2021 تم رصد 813 حالة وهو ما يشير إلى تضاعف عدد الحالات، وارتفعت معدلات جرائم التحرش الجنسي بواقع 125 حالة، وهو ما يجعلنا نفكر في مدى تأثير تغليظ العقوبة على مستوى الإبلاغ.

ورصد التقرير تطور الأمر في بلاغات التحرش الجنسي لحد القتل فهناك 7 حالات تم قتلهم ممن دافعوا عن الضحايا وحالتين قتل لمن تم التحرش بهم، وهو ما يشير إلى أن تلك الجريمة بات التعامل فيها أكثر عنفاً.

ولاحظ التقرير ارتفاع معدل الجرائم الواقعة على الفتيات دون الـ 11 عاماً لنحو 30%، منها ختان طفلة عمرها 45 يوم بأسيوط، فضلاً عن حالات انتحار في نفس الفئة العمرية، واغتصاب، وزواج مبكر.

ورصدنا جرائم قتل رغبة في الاستيلاء على الميراث فلدينا هذا العام نسبة مرتفعة من القتل ومحاولة القتل، وهناك نحو 14 حالة تم تسجيلها لاغتصاب جماعي، و18 حالة اغتصاب في نطاق الأسرة و256 حالة قتل لنساء نتيجة عنف أسري.

وفق التقرير تتصدر محافظة الدقهلية المدن التي تشهد أكثر معدلات العنف، الجيزة للعام التالي على التوالي ارتفع فيها معدلات العنف ويرجع ذلك إلى انتشار الزواج المبكر في الكثير من مدنها وما يترتب عنها من عنف أسري وقتل وانتحار، كما أن محافظة الجيزة على وجه التحديد بها نسبة كبيرة للمهاجرين داخلياً من صعيد مصر إليها باعتبارها محافظة جاذبة للوافدين وهو أحد الأسباب التي أدت لارتفاع معدلات العنف بها والإبلاغ عنه.

أما فيما يخص الصعيد نفسه فالوضع هناك غاية في التعقيد فرغم ارتفاع معدلات العنف فعلياً إلا أن الإبلاغ عنه لا يحدث إلا إذا ارتبط بوقوع جريمة قتل، وتعالج الأزمات هناك بالصمت كنوع من قبول التعنيف أو اللجوء للمجالس العرفية وهو السبب الرئيسي لعدم تصدرها معدلات العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي.

 

برأيكِ ما الأسباب التي تحول دون الوقوف على إحصائيات تتعلق بالأزمات التي تعاني منها النساء وفي مقدمتها العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي؟

آلية الرصد واحدة من معوقاته وهو الأمر الذي استوقفنا لفترة عند البدء بالتفكير في الأمر واستقرينا أخيراً على اعتماد الحالات التي توجهت للإبلاغ كمؤشر نسبي عن الواقع.

وننوه في التقرير أن ما تم رصده هو الجرائم التي امتلك أصحابها جرأة الإبلاغ والذهاب لأقسام الشرطة، وأنها لا تمثل كل الحالات بل أن الشكاوى اليومية سواء تلك التي تأتي لصفحات المؤسسات النسوية أو المجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة قد تكون أضعاف الأعداد المرصودة.

عملت مؤسسة إدراك لأكثر من عامين على قضايا العنف والبحث أكثر في تعقيداته من خلال مرصدها، فهلا حدثتينا تفصيلاً عنها وجهات العمل التابعة لها؟

تم إنشاء مؤسسة إدراك عام 2019، وتعمل بالأساس على العنف القائم على النوع الاجتماعي ولدينا برامج لها علاقة بالصحة النفسية والانجابية وبرامج أخرى مرتبطة بالتمكين الاقتصادي للنساء، ونعمل بالأساس على التوعية وحملات الضغط والمناصرة والتشريعات والسياسات وتغيير القوانين.

ومؤخراً بعد تمكن المرصد من الخروج بدراسات مقارنة بين إحصائيات عام 2020 و2021 بدأنا العمل من خلال مشاريع على أرض الواقع لتوجيه حملات نحو قضايا بها نسبة أكبر من العنف، بالإضافة إلى بحث التشريعات التي تحتاج للضغط من أجل تغييرها كجرائم العنف الأسري.

وساعدنا مرصد إدراك للتنمية والمساواة إلى حد كبير في عمل مداخلات على الأرض لها أساس مدروس بناء على احصائيات، ونسعد بأنه يحظى باهتمام الباحثين الذين يتواصلون معنا من جامعات مختلفة لطلب إحصائيات، فضلاً عن حثنا على رصد سنوات أقدم لنمكنهم من عمل دراسات مقارنة.

وتعمل المؤسسة منذ إنشائها على إيجاد شركات ونتواصل مع المجلس القومي ووزارة الداخلية والنيابة العامة وكذلك وزارة التضامن التي جلسنا معها أكثر من مرة خاصة فيما يتعلق بنظم الإحالة للناجيات المعنفات.

كما نجلس مع مؤسسات المجتمع المدني النسوي ولدينا وصول لصناع القرار والتشريعيين من مجلسي النواب والشيوخ وقمنا باستضافتهم في أكثر من جلسة، فنحن نعمل على خلق حالة من التشبيك والترابط مع مختلف الجهات في محاولة للقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي.

 

إلى أي مدى ترين أن هناك تفعيل لآليات مناهضة العنف المعلن عنها على أرض الواقع؟

خلال عملنا على قضايا الإحالة جلسنا مع مسؤولين أكثر من مرة من وزارة التضامن الاجتماعي والنيابة العامة والشرطة المصرية ونلمس وجود تحسن كبير في الخدمات المقدمة الا أنها مازالت تفتقد للتشبيك، ويمكننا القول أننا نحتاج أكثر إلى آليات وصول أسرع للمعنفات، ومزيد من الخطوط الساخنة وسرعة استجابة من الوحدات الجماعية ومنها وحدات المرأة الآمنة والعمل على مدار الساعة بدلاً من التقيد بمواعيد محددة.

وساهم أيضاً ضغط مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الملف إلى حد كبير، وكذلك انتشار الكاميرات فضلاً عن الآلية التي يعمل عليها مكتب النائب العام بالتحرك في القضايا والشكاوى بمجرد انتشار فيديو للعنف، وجميعها أمور أحدثت بالفعل حراك وتفعيل للخدمات.

 

كان هناك موجة من الكلام منها الابتزاز الإلكتروني والتحرش والانتهاكات بدرجاتها... كيف ساهمت تلك الموجة في تمكين النساء؟

كان لهذه الموجة التي خلقتها موقع التواصل الاجتماعي تأثير كبير على واقع النساء خلال الفترة الأخيرة، حيث تمكنت من إزالة القشور وإبراز الجرائم، فضلاً عن دق ناقوس الخطر بالحديث عن المسكوت عنه مجتمعياً، فموجة الحكي بدرجاتها خلفت رسالة تشجع الأسرة على تعليم بناتها على البوح وعدم الخوف من النتائج، وساهمت أيضاً الشهادات المجهلة في زيادة معدل الإعلان عن الاستنكار المجتمعي لما يعلن عنه.

كما غيرت موجة الحكي إلى حد كبير من نظرة المجتمع لملف العنف على وجه التحديد وخلقت حلقة وصل معه ستساهم مستقبلاً في زيادة معدل لفظه لما يحدث.

 

المؤسسات النسوية والمجتمع المدني بشكل عام عملت على قدم وساق في ملفات المرأة... هل بدأنا جني ثمارها مع عام 2022؟

شهدت الفترة الأخيرة حالة ملحوظة من التشبيك والترابط بين المؤسسات النسوية على قضايا المرأة، وحدث توجه نحو العمل المشترك من أجل فعالية أكبر على أرض الواقع وهو ما نتمنى أن يسفر عن مزيد من التشريعات الحامية للنساء، وفي ملف العنف ما زال أمامنا عمل وجهد كبير على ثقافة المجتمع، لأن التخلص منه يستلزم إلى حد كبير تكسير التابوهات وحالة التطبيع المجتمعي معه.

وعن جني الثمار فأنا أتمنى ذلك خاصة أن هناك جهد متراكم لسنوات على مجموعة من القضايا ننتظر ترجمتها في مزيد من القوانين التي تجرم العنف الأسري وتزويج القاصرات وحمايتهم من ممارسات أسرهم الضارة. 

 

إلى أي مدى ترين أن اليوم العالمي للمرأة مؤثر على قضايا النساء؟

تسعى المؤسسات مؤخراً إلى استغلال حالة الزخم الحادث بيوم المرأة العالمي لنيل مساحات أكبر وكذلك وقت احتفالي للتعريف أكثر بقضايا النساء وأزماتها ليتم إعداد برامج تشمل الفترة الواقعة من 8 آذار/مارس وحتى يوم المرأة المصرية الذي يصادف السادس عشر من آذار/مارس الجاري.

كما أن هناك موجات من الحكي تنتشر في شهر المرأة، ولم يعد الأمر قاصراً على مجرد احتفال باليوم العالمي للمرأة وإنما بات هناك عمل على تسليط الضوء على قضاياها ووضعها أمام المجتمع.

وتعمل المؤسسات النسوية خلال هذا الشهر على وضع القضايا في نصابها ليسمع الشارع أكثر بها وبات المشهد أقرب لـ 16 يوم المخصصين لمناهضة العنف الذي حظي باهتمام مختلف الفئات خلال هذا العام.

وإجمالاً كلما كان هناك اهتمام بأحداث واحتفالات المرأة كلما تمكنا من خلق حالة من التفاعل على الجانب الآخر سواء من المشرع أو صانع القرار أو حتى المواطنين في الشارع.