ناشطة تونسية: نعم لتعديل مجلة الأحوال الشخصية ولا لضربها

تتصاعد الدعوات في تونس لتعديل مجلة الأحوال الشخصية بما يتماشى مع واقع التونسيات اليوم، لكن مع عدم المس من جوهرها أو ضربها.

زهور المشرقي

تونس ـ تحتفي تونس اليوم الأربعاء 13 آب/أغسطس، بذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية الذي يعتبر يوماً وطنياً تقف فيه النسويات أمام باب المراجعة والتقييم لا الاحتفال، ومنذ سنوات بات عيد المرأة مناسبة للتذكير بأن التونسيات لسن بخير في ظل تصاعد موجة العنف والقتل وشبح ضرب المكاسب.

في البرلمان قُدم مشروع لتنقيح الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية حيث وفق المقترح من الممكن أن يكون الطلاق عبر عدل إشهاد بدلاً عن المحاكم، وعبرت الجمعيات عن رفضه بشكل قطعي وكامل.

لطالما وُصفت تونس بأنها رائدة في مجال حقوق المرأة في العالم العربي، بفضل ترسانة قانونية تقدّمية ومجموعة من الإصلاحات التي رفعت مكانة المرأة على الصعيدين المحلي والدولي، لكن وراء هذه الصورة الوردية، تُطرح تساؤلات كثيرة حول مدى صدق هذا الالتزام، في ظل مؤشرات متكررة على توظيف قضايا النساء في معارك سياسية وإيديولوجية.

 

توظيف سياسي لا أكثر

أكدت الناشطة الحقوقية التونسية دليلة محفوظ، أنه لا يمكن إنكار أن تونس سبقت العديد من الدول الأفريقية والإقليمية في مجال الحقوق النسائية، لكن للأسف الكثير من تلك المكاسب التي فرضتها نضالات المرأة على مر العقود، كانت توظيفاً سياسياً لا أكثر، سواءً في عهد الحبيب بورقيبة أو بن علي أو حتى بعد الثورة، حيث استخدمت قضية المرأة كأداة دعائية لتلميع صورة السلطة، لا كأولوية اجتماعية قائمة على العدالة والمساواة، النصوص (رغم محدوديتها) موجودة، لكن الواقع لا يعكسها دائماً.

وأوضحت أن مقترح تعديل مجلة الأحوال الشخصية يأتي ضمن مناخ عام يسير نحو التضييق على المجتمع المدني والحريات الفردية واليوم ترغب السلطة في تعديل يمس حقوق المرأة داخل الأسرة ما يُعتبر تهديداً للكيان الأسري ككل، معتبرة أن ذلك ليس بعزلة عن تهديدات أخرى تستهدف حقوق النساء في تونس ولا عن طبيعة النظام حيث أن البلد أمام مشروع يعيد المنظومة الأبوية الرجعية بنك استخدامها كأداة سياسية لترسيخ السيطرة للحكم الفردي القائم منذ سنوات.

 

مجلة تجاوزها الزمن والمطالبة بالتعديل

وأشارت إلى أن مجلة الأحوال الشخصية شهدت تنقيحات سابقة خلال فترة بورقيبة، لكن لم تكن في اتجاه تراجعي رجعي بل كانت بهدف إصلاحي واستجابة لنضالات الحركة النسائية وقتها وضمن موازين قوى وطنية وخارجية سياسياً فرضت على النظام الرضوخ لتلك الاصلاحات.

وقالت دليلة محفوظ، إن منظمة مساواة تطالب وتناضل من أجل مراجعة جوهرية لمجلة الأحوال الشخصية التي تجاوزها الزمن وباتت غير صالحة لهذا العصر، مطالبة بتعديل يتلاءم والقوانين والاتفاقيات الدولية للقضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد النساء "سيداو" التي صادقت عليها تونس لإلغاء كل أشكال التمييز بكافة المجالات، علاوة على أهمية استمرار النضال ضد الفكر الرجعي الذي يحاول ضرب مكاسب النساء.

وعن التعديل المقترح على مجلة الأحوال الشخصية، ذكرت أنه ليس مجرد تغيير قانوني بل هو انقلاب على المجلة يهدف لزيادة تهميش دور النساء وإقصائهن للقيام بدورهن كمواطنات تتمتعن بحقوق كاملة، لافتة إلى أن هذا المشروع يمس جوهر الدولة المدنية حيث يكرس الحكم السلطوي ويعمل على إفراغ المجلة كمسكب من جميع محتوياتها القانونية.

 

"معركتنا مستمرة"

وأوضحت أن الهدف هو إخضاع الأسرة لمنطق الحكم السلطوي وإفراغ الدولة من وظيفتها كضامن للعدالة، "نحن مع إصلاح ما لم يتحقق، ولا نسمح بتفريغ روح المجلة لأنها تعتبر ثمة نضالات نسوية وحقوقية كبيرة".

وأكدت أنه رغم مساعي ضرب المكاسب وخطورة الوضع لن ينقطع الأمل في الاصلاح وما يعطي الأمل هو تنامي وعي النساء وإصرارهن على عدم الخضوع والعودة إلى الوراء وقد أثبتت التونسية مراراً أنها قادرة على المواجهة والصمود ومواصلة الصراع ولن تسمح بالعودة إلى مربع الرجعية "معركتنا معركة حول مستقبل النساء والمجتمع والدولة".

وأكدت دليلة محفوظ أن المعركة هدفها التحرر الكامل وكسر العوائق التي تقف أمام التحرر وحرية النساء وهو النظام الذي لا يقبل الرأي الآخر ويعترف بصوته فقط.

 

انقسامات بين النساء

وعن التوظيف السياسي لتلك المكاسب وهل كان بورقيبة فعلاً "محرر المرأة" كما يُروج له، تقول "بورقيبة يُقدَّم في الخطاب الرسمي كمنقذ للمرأة التونسية، لكن الوقائع تقول شيئاً آخر، نعم صدرت مجلة الأحوال الشخصية في عهده، وتم منع تعدد الزوجات وتكريس التعليم للنساء، ولكن هذه الإجراءات كانت أيضاً وسيلة لبناء شرعيته السياسية وبسط سلطته، وليس فقط إيماناً بمكانة المرأة، بل إن بورقيبة نفسه منع النساء من التصويت في انتخابات 1955، وتجاهل نضال رائدات نسويات في بداية القرن الماضي مثل بشيرة بن مراد وتوحيدة بالشيخ".

وحول كيفية مواصلة نظام بن علي هذه السياسة، بينت أن بن علي تفنّن في استغلال قضايا المرأة لإخفاء وجهه الاستبدادي، حيث احتفل سنوياً بـ "مكاسب المرأة البنفسجية" بينما كانت الناشطات الحقوقيات والنقابيات يُعتقلن ويُعذبن وكانت هناك نساء يتمتعن بالحقوق لأنهن مؤيدات للنظام وأخريات يُقصين ويُضطهدن لأنهن معارضات، هذا التوظيف خلق انقسامات خطيرة بين نساء تونس، خاصة بين العلمانيات والإسلاميات.

وإن تحسنت أوضاع النساء بعد الثورة أم لا، أكدت "ظاهرياً، نعم، تمت المصادقة على قوانين مهمة كقانون تجريم العنف ضد النساء (2017) والتنصيص على التناصف في الدستور، لكن الحقيقة أن كل هذه الخطوات كثيراً ما كانت مرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية والدعاية الحزبية، تم استدعاء قضايا المرأة كلما أرادت السلطة امتصاص الغضب الشعبي أو كسب نقاط ضد خصومها، فالمشكلة لم تكن في القوانين، بل في غياب الإرادة السياسية لتطبيقها بجدية".

 

المساواة مطلبٌ يستند إلى واقع معاش ومشروع حضاري

واعتبرت دليلة محفوظ أن الدستور الجديد لتونس يشكل تهديداً للمكاسب السابقة، حيث أنه وفق قولها أعاد إنتاج الذكورية في أعلى هرم الدولة، خاصة حين احتكر وظيفة الرئاسة للذكور، وأدخل مفاهيم دينية فضفاضة مثل "مقاصد الإسلام" في نص قانوني يفترض أن يكون مدنياً، كما أنه لم يضمن المساواة بين الجنسين في الحقوق والفرص، أنه ينسف أسس المواطنة المتساوية.

وخلصت الناشطة الحقوقية التونسية دليلة محفوظ إلى القول إن الوضع اليوم بين دعاية السلطة وتهميش الواقع، وتظل قضايا المرأة التونسية في قلب الصراع بين الحقيقة والزيف، ولئن كانت تونس سبّاقة في الحقوق، فإن الطريق نحو المساواة الكاملة يمرّ حتماً من التوقف عن استعمال النساء كورقة سياسية، وإرساء دولة مدنية تُنهي فعلياً كل أشكال التمييز "تونس تمتلك تجربة فريدة في العالم العربي من خلال مجلة الأحوال الشخصية، لكن استمرارية هذا التمييز تتطلب شجاعة تشريعية لتطوير النصوص بما يتماشى مع التقدم المجتمعي والدستوري، فالمساواة اليوم لم تعد مجرد شعار، بل مطلبٌ يستند إلى واقع معاش ومشروع حضاري يجب أن يتواصل النضال من أجله في أفق وضع نظام جديد وطني ديمقراطي شعبي".