ناشطة حقوقية تستنكر الحكم الصادر بحق مغتصبي طفلة مغربية
أكدت الباحثة في قضايا النوع سناء زعيمي، على أنه بالنظر لجريمة اغتصاب فتاة من ذوي الإعاقة، فإن الأحكام الصادرة بحق المتهمين مخففة ولا يمكن أن تردع مرتكبيها.

رجاء خيرات
المغرب ـ عبرت بعض الهيئات الحقوقية المغربية عن استيائها من الحكم الذي اعتبرته مخففاً، خاصة أن الضحية تعاني من إعاقة ذهنية، والذي قضى بإدانة المتهمين الثلاث، الأربعاء 19 شباط/فبراير بعد ست جلسات محاكمة، حيث أثبتت الخبرة الجينية للطفل أن المتهم الثالث الذي أدين بثماني سنوات سجناً نافذاً هو الأب البيولوجي للطفل.
أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، أحكاما تراوحت بين 6 و10 سنوات سجناً نافذاً بحق ثلاثة متهمين باغتصاب فتاة تبلغ من العمر 12 سنة مما نتج عنه حمل وولادة طفل بمدينة قلعة السراغنة.
اعتبرت الباحثة في قضايا النوع ورئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بجهة مراكش، أسفي سناء زعيمي أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين تبقى أحكاماً مخففة بالنظر للجريمة المرتكبة، لافتة إلى أنه في نفس اليوم الذي أدانت المحكمة المتهمين، كانت هناك أطوار محاكمة أخرى في قضية اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 13 سنة مما نتج عنه حمل، مما يوضح أن الأمر يتعلق بظاهرة الاعتداء الجنسي على الطفلات.
ولفتت إلى أن الإشكال المطروح في هذه القضايا يتعلق بحماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية "هذا الواقع الذي يتسم بانتشار ظاهرة "البيدوفيليا" مرير ومؤلم"، مؤكدة أنه "يجب على الأجهزة المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر وكذلك الأجهزة التشريعية تغيير القوانين لحماية الطفولة المغربية وحماية الطفلات المغربيات".
وأشارت إلى أن الأحكام التي صدرت بحق المتورطين في هذه الجريمة، في الدعوى العامة (هناك دعوى مدنية كذلك)، حيث صدر حكم بالإدانة بعشر سنوات بحق المتهم الأول (يبلغ من العمر 70 سنة) الذي قام باستدراج قاصر عمرها أقل من 18 سنة ومعروفة بضعف قواها العقلية، وذلك باستعمال التدليس والتغرير بها وهتك عرضها بالعنف، بينما المتهم الثاني (يبلغ من العمر 64 سنة) أدين بست سنوات لارتكاب جناية استدراج قاصر والتغرير بها باستعمال التدليس وهتك عرضها باستعمال العنف، فيما المتهم الثالث (74 سنة) أدين بثماني بتنفس التهم، إضافة إلى تهمة الرشوة لدركي (رجل أمن).
وفيما يتعلق بتهمة "هتك العرض" أوضحت سناء زعيمي أن هذا التفريق بين هتك عرض من عدمه، يطرح أكثر من سؤال، بحيث أن الاغتصاب لا يختلف فيما إذا كان هناك هتك عرض أو لم يكن، فهو جريمة بحق طفلة واغتصاب لطفولتها، إذ لا يمكن الحديث عن هذه الجريمة في الوقت الذي تمت فيه، بل إن آثاره تمتد إلى ما بعد ذلك، ويبقى من الصعب محو الآثار النفسية التي تخلفها هذه الجرائم، رغم أن الطفلة كما جاء في منطوق حكم المحكمة "معروفة بضعف قواها العقلية".
وأعربت عن أسفها لكون الحكم الذي صدر في قضية مشابهة كانت في نفس اليوم، أدين فيها المتهم بأربع سنوات سجناً نافذا بمراكش، وهو ما اعتبرته أحكاما مخففة جداً، ولا يمكن أن تردع مرتكبيها، خاصة وأن الجناة تتراوح أعمارهم بين 64 و74 سنة، وبالتالي فيفترض، بالنظر إلى أعمارهم، أنهم آباء وأجداد لأجيال صاعدة والضحية تنتمي لهذا الجيل، وهو ما يطرح السؤال حول مصير الناشئة التي يفترض أن هؤلاء مربين لها.
وتتساءل "أمام هذه الظواهر أين نحن من الحماية الاجتماعية والمواطنة المسؤولة تجاه الطفلات؟، وبالتالي فهي تبقى أحكاماً جد مخففة، وتشجع للأسف على ارتكاب مثل هذه الجرائم ونسف الطفولة المغربية".
وأوضحت أن رابطة حقوق النساء كانت دائماً تطالب بوجوب ردع هذه الجرائم وتشديد العقوبات الزجرية التي يمكن أن تصل إلى 30 سنة سجناً، حيث يفترض أن تذهب العقوبات إلى أقصاها، ولا ينبغي مراعاة ظروف التخفيف في جرائم الاغتصاب، خاصة في صفوف الطفلات".
ودعت إلى ضرورة التوجيه النفسي، بالإضافة إلى جانب العقوبة السجنية، لأن الأمر يتعلق بظاهرة تخفي أمراضاً نفسية لن تعمل إلا على المزيد من ارتكاب هذه الجرائم بحق الطفلات.
وبينت أن هذا الحادث نتج عنه حمل وولادة طفل، ومن ثم فإن هذا الطفل يحتاج إلى الحق في النسب، غير أن مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لم تأخذ بعين الاعتبار المطلب المتعلق بإثبات النسب اعتماداً على الخبرة الجينية (ADN) "نحن نعرف أن هذا الطفل الذي أنجبته الضحية له الحق في النسب، والخبرة الجينية أثبتت أن أحد الجناة هو الأب البيولوجي للطفل، لكن أين حقه في حمل اسم أبيه وفي طفولة طبيعية كغيره من الأطفال؟".
وتساءلت عن كيفية جبر الضرر للضحية، وهي محرومة من أبسط الحقوق رفقة رضيعها، علماً أن الحقوق كونية ولا تتجزأ "إننا أمام حالة معقدة، الأم هي طفلة محرومة من حقوقها وطفل محروم من النسب لأبيه، ويؤسفنا أننا منذ سنوات ونحن نطالب باعتماد الخبرة الدينية من أجل إثبات نسب الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج".
وأشارت إلى أنه من غير المنطقي أن تكون الخبرة الجينية التي تعتمد تقنيات علمية لا شك في صحتها، ومع ذلك يكون نسب الطفل رهين برغبة الأب البيولوجي في الاعتراف به وإلحاقه بنسبه، وأحياناً تتم مساومة الأم الضحية، والضغط عليها من أجل التنازل عن الدعوى، إن هي أرادت من الأب الاعتراف بنسب الطفل له.
وبشأن أسباب الاعتداءات الجنسية التي تطال هذه الفئة من الطفلات في وضعية إعاقة لفتت إلى أن الاختلالات الاجتماعية والاختلالات التشريعية وراء انتشار هذه الطاهرة، حيث يبقى السؤال حول من المسؤول عن هؤلاء الطفلات وحمايتهن ورعايتهن؟ هل الأسرة وحدها من يجب أن تتحمل هذه المسؤولية؟ في ظل غياب مراكز متخصصة لرعاية هذه الفئة.
وفي ختام حديثها جددت مطلبها بإلحاق الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج بآبائهم، اعتماداً على الخبرة الجينية، وكذلك تشديد العقوبات بحق مغتصبي الطفلات ومرتكبي هذه الجرائم الشنيعة التي تهدد استقرار المجتمع.
يذكر أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي نصبت كطرف مدني في القضية اعتبرت، في بلاغ أصدرته عقب صدور الحكم، أن هذا الحكم مخفف وغير عادل ولا يرقى لمستوى العدل والانصاف، بل أنه لا يشكل وسيلة للردع "التساهل مع الجريمة لا ينسجم حتى مع فصول القانون الجنائي التي تجعل الأحكام في مثل هذه الوضعيات تتجاوز 20 سنة".
أما فيما يخص باقي مطالب الجمعية والمتعلقة بالاحتكام للمواد 06 و07 و08 من اتفاقية حقوق الطفل وما يترتب عن الاتفاقية عموماً التي يعد المغرب طرفاً فيها، فأكدت الجمعية أنها ستقوم بذلك بعد الاطلاع على مضمون الحكم، كما أنها ستسلك كل المساطر القضائية للترافع لإثبات نسب الطفل، خاصة أن الخبرة الجينية حددت الأب البيولوجي "ستترافع إلى تضمين هذا الإجراء في مدونة الأسرة واعتماده بشكل قانوني وبنص صريح رغم المعارضة الحالية المفتعلة من الجهات المعادية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً".