ناشطة حقوقية: تفتقر التونسيات للأمان والدعم داخل الجامعات

سبقت الحركة الطلابية في تونس مختلف الحركات الأخرى في النضال من أجل الحرية سواءً في أفريقيا أو الشرق الأوسط حين رفضت النساء مقايضة حقوقهن السياسية بالاجتماعية، لتظل الحركة النسوية والطلابية قوية ومؤثرة وفاعلة لا صورية تتحكم فيها السياسة.

زهور المشرقي

تونس ـ منذ خمسينيات القرن الماضي، سعت الجامعة التونسية لأن تكون فضاءً حقيقياً لترسيخ قيم المساواة والحرية، ونجحت في أن تشكل إطاراً أساسياً ساهم في نشر مفاهيم العدالة والتحرر من الجهل والتخلف، ولعبت الحركة الطلابية، في هذا السياق، دوراً محورياً بفضل قوتها وتماسكها وإيمانها العميق بقضايا حقوق الإنسان والنساء.

شكلت النسوية أبرز مكونات الحركة الطلابية، حيث مثلت منذ نشأتها قوة دافعة، اعتمد عليها النظام الرئاسي السابق في تونس خاصة في فرض تعليم الفتيات، والدفع نحو مجانية التعليم وتوسيع شبكة المدارس، خصوصاً في المناطق الريفية والقروية.

الحركة النسوية، التي تعود بداياتها إلى عام 1950 في تونس وكانت جزءاً من الحركة الوطنية، ظلت صوتاً مؤثراً في السياسة العامة للدولة الحديثة، ولعبت دوراً كبيراً في تكوين جيل نسائي واعٍ بقيم الحرية والكرامة والديمقراطية، ورافض لكل أشكال العنف والتمييز.

ومع اندلاع الثورة التونسية في 2011، اكتسبت الحركة الطلابية النسوية زخماً أكبر، لتصبح أكثر حضوراً في المشهد الجامعي والمجتمعي، عبر الدفع بجيل جديد من الطالبات المؤمنات بحقوقهن، والمناضلات من أجلها، هذا الجيل، كما تصفه رحمة لسود، الناشطة الحقوقية والباحثة، هو جيل "يناضل ويقاوم بطريقة مختلفة، بعيداً عن التصورات السابقة التي لم تعد تتماشى مع تطلعات النساء والفتيات اليوم، في ظل التحولات التكنولوجية والعولمة".

ولفتت الانتباه إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي لم يعد ظاهرة معزولة عن الجامعة، بل هو واقع ملموس، له أسباب بنيوية وعوامل ترتبط بثقافة المجتمع "عندما نقول إن الجامعة التونسية لم تعد فضاء آمناً، فنحن لا نقصد وضع مؤسسة التعليم العالي في قفص الاتهام، بل العكس تماماً، نحن نعتبر الجامعة فضاء للمعرفة والفكر المتنور، وهي المكان الذي ينبغي أن يصون كرامة الطلبة وعلى رأسهن الطالبات وأن يوفر لهن الأمان والدعم النفسي والمؤسساتي والقانوني".

وأكدت رحمة لسود إن الجامعة يجب أن تكون فضاءً داعماً للحريات ولحقوق النساء، لافتةً إلى أن الفتيات في الجامعة هن في طور التعلم والتوعية بما لهن وما عليهن من واجبات، مشيرة إلى أن الاتحاد العام لطلبة تونس كان له الدور منذ سنوات في ترسيخ أهمية العيش في فضاء حر ومتوازن يضمن الأمان والحرية للتونسيات عموماً ويحاول عبر خطاباته سواءً في ساحات الجامعة أو خارجها العمل على الدفع بقضية الديمقراطية والاشتراكية، ونجح في خلق ذلك الإطار داخل أسوار الجامعات.

وأشارت إلى أن الحركة الطلابية في تونس تقودها فتيات آمنّ بقضية التحرر والحرية وقدن مشعل النضال والمقاومة من أجل أهداف تصب في حقوق النساء، مذكرةً بمشاركة الحركة في مختلف المحطات التي تخص المرأة بالتوعية والإرشاد على غرار حملة الـ 16يوم الأممية لمقاومة العنف ضد النساء أو اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء أو اليوم الوطني في تونس وذلك عبر الاحتفاء أو التذكير عادة بأن الوضع يحتاج التدبر والاهتمام الكافي ولفت النظر بغية الإصلاح والتعديل.

 

"فضاء حر للتفاعل حتى لا يكن ضحايا"

وأوضحت رحمة لسود أن اتحاد الطلبة وغيره من المكونات الحقوقية شكل صلب الجامعة ويمارس دوره التوعوي والتثقيفي لا سيما وأن هناك جهل بالحقوق أحياناً وذلك عبر الندوات العلمية المفتوحة والحملات التوعوية والحقوقية لطرح المشاكل التي تعانيها النساء، مشيرةً إلى أن الجامعة يجب أن تكون فضاء منحاز لا فضاء محايد مخصص فقط لتلقي العلم، بل يجب أن تكون فضاء حر تتفاعل فيه الطالبات حتى لا يكن ضحايا.

وأضافت "نحن نحاول العمل لخلق فضاء توعوي، لأننا نعرف جيداً أهمية ذلك، لذلك نسعى كاتحاد طلبة لتحقيق ذلك الدور، ونخشى أحياناً منعنا من القيام بوظيفتنا الحقوقية برغم رفضنا أن تكون الجامعة فضاءً للعلم فقط ليس ذلك هو الدور الموكول إليها، أحياناً يتم توعية فتاة حتى لا تكون ضحية عنف وتحرش وتكون في محل استعباد واستغلال أفضل من تقديمها معلومة يمكن أن تجدها أحيانا في الإنترنت".

وأكدت رحمة لسود، أن الجامعة باتت أيضاً مكان للتحرش والابتزاز الأكاديمي وفق وصفها واستغلال لضعف بعض الفتيات للحصول على نتائج مميزة "وصلتنا شكاوى من طالبات كن ضحايا الابتزاز من أساتذة وإداريين خيروهن بين تلبية رغباتهم أو الرسوب، هذه تصرفات فردية لكنها خطيرة وتمنع الفضاء الجامعي من أن يكون آمنا وحراً، وهنا يبرز دورنا للدفاع عنهن دون خوف"، مضيفةً "نحاول في هذه الوضعيات توفير الحماية المادية والمعنوية لهن، حتى لا تتم هرسلتهن، أو طردهن".

 

الجامعات ليست فضاء خاص بالعلم بل مكان للتوعية

ودعماً للطالبات وتشجيعاً لهن للحديث وكسر حاجز الخوف والتردد، قالت رحمة لسود إن اتحاد الطلبة سيواصل العمل كمنظمة طلابية لحمايتهن من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد والعنف وعليهن فقط التبليغ حتى تكون الجامعة التونسية الفضاء الحر الآمن الداعم للحرية والحقوق، مذكرةً بفعاليات المنظمة في إطار تسليط الضوء على الانتهاكات بحق الطلبة إحداها كان تنظيم احتجاجات لمساندة طالبة تعرضت للتحرش وتم عزل الإداري المتهم ونقله إلى مكان آخر، وذلك نتيجة الضغط.

وعبرت عن مخاوفها من عزل الجامعة وجعلها فضاء خاص بالعلم فقط ما يتنافى ودورها التوعوي التثقيفي إضافة إلى خوف الطالبات من الهرسلة نتيجة تحررهن ورفضهن العنف والتفكير الرجعي السوداوي.

وأكدت الناشطة وجود تطبيع مع التحرش وضد الحريات داخل الجامعة من قبل الذكور، مشيرةً إلى ضرورة العمل معاً بين المنظمات النسوية والحقوقية والنقابية لجعل الجامعة فضاء حر مميز وقوي حامي لقضية الحريات العامة والفردية والديمقراطية التي ضحّى من أجلها التونسيات وكانت دماءهن ثمنها، مشجعة الفتيات على الانخراط في مسار الدفاع عن الحريات والحقوق كونهن يشكلن غالبية الطلبة والأكثر تفاعلاً وتأثيراً.

وأشارت إلى أنه بالرغم من النقائص والصعوبات ستظل الجامعة التونسية الفضاء المدافع عن الحرية والمساواة التامة والفعلية بين الجنسين والعدالة وستواصل رسالة التنوير ومعركة التحرر التي بدأتها منذ الخمسينات لبناء الدولة الحامية لتلك القيم والضامنة لها.