ناشطة حقوقية: استفحال ظاهرة التحرش سببه الهشاشة وانعدام المساواة بين الجنسين
بعد استفحال ظاهرة التحرش في المجتمع المغربي تطالب الحركات النسوية بتجريمه بكل أنواعه سواء اللفظي أو الجسدي أو غيره.
رجاء خيرات
المغرب ـ لازال التحرش الجنسي في أماكن العمل ضد النساء في المغرب يندرج ضمن التابوهات والمسكوت عنه، حيث لا تقوى الضحايا على التبليغ، إما بسبب الخوف من فقدان العمل أو تجنباً لما يترتب عنه من تضييق يمكن أن تتعرض له المشتكية.
تضطر العديد من النساء إلى الرضوخ لرغبات المتحرش في أماكن العمل، إما خوفاً من فقدان العمل وبعض الامتيازات، أو تجنباً للفضيحة التي يمكن أن تلحق المشتكية، خاصة وأنها مطالبة بتقديم إثباتات وأدلة ملموسة تثبت صحة ادعائها، مما يصعب موقفها ويحولها لمذنب بدل أن تكون ضحية.
وحول ذلك قالت الناشطة الحقوقية ورئيسة اتحاد العمل النسائي فرع مراكش سعيدة الوادي إن التحرش الجنسي سواء في أماكن العمل أو في الفضاء العام يعد شكلاً من أشكال العنف ضد النساء، الذي انخرط اتحاد العمل النسائي في مناهضته منذ سنوات شأنه شأن العديد من هيئات الحركة النسائية في المغرب.
وأوضحت أن النساء ضحايا التحرش هن نساء في وضعية هشاشة، الأمر الذي يدفعهن للالتزام بالصمت، فالمتحرش تكون له سلطة على الضحية بحكم التراتبية الإدارية بين الاثنين (رئيسها في العمل)، لافتة إلى ضرورة إقرار المساواة بين الجنسين، ومحاربة العنف والتمييز ضد النساء في أماكن العمل، صوناً لكرامتهن وحمايتهن من كل أشكال الاستغلال الذي يمكن أن تتعرضن له.
وبينت أن مراكز الاستماع "النجدة" التابعة لاتحاد العمل النسائي تسجل حالات قليلة نسبياً تشكو من التحرش مقارنة بالمظاهر الأخرى من العنف ضد النساء، وهو ما يفسر بأن النساء لا تقدرن على التبليغ عن جريمة التحرش، حيث تلزمن الصمت خوفاً مما يترتب عن التبليغ.
وأرجعت هذا الأمر إلى أن بعض النساء ضحايا التحرش تشعرن بالذنب وتحملن أنفسهن المسؤولية لكونهن تعرضن للتحرش، خاصة وأنهن توصمن بكونهن ترتدين لباساً مثيراً أو لأنهن تخرجن من بيوتهن في أوقات متأخرة ليلاً، مما "يستوجب" تعرضهن للتحرش.
وقالت "بالرغم من أن المغرب صادق على اتفاقيات مناهضة العنف ضد النساء، كالإعلان العالمي لوقف العنف ضد النساء للأمم المتحدة لعام 1993، وكذلك الوثيقة الصادرة للمؤتمر الرابع للمرأة بالصين (بيكين) عام 1995، بالإضافة إلى اتفاقية منظمة العمل الدولي بشأن العنف والتحرش والتوصية المرافقة لها في عام 2019، إلا أن الظاهرة لازالت منتشرة بكثرة، وإن كانت تدخل في إطار المسكوت عنه أو التابوهات، بسبب امتناع الضحايا عن التبليغ".
ولفتت إلى أنه رغم غياب إحصائيات رسمية دقيقة يمكن أن توضح حجم ظاهرة التحرش ببلادنا، إلا أن المهتمين بمجال حقوق الإنسان والفعاليات النسوية يعرفون جيداً أن الظاهرة مستفحلة، وأن ما يقع خلف المكاتب والأبواب المغلقة أكبر بكثير مما يتم الكشف عنه، لأن أغلب النساء لا تقمن بالتبليغ خوفاً من فقدان عملهن من جهة، ولأنهن قانونياً ملزمات بتقديم أدلة تثبت ما تعرضن له من اعتداء من جهة أخرى، مما يجعل إثبات جريمة التحرش صعب المنال.
وحول القضايا التي تفجرت في السنوات الأخيرة في بعض الجامعات والمعروفة بـ "الجنس مقابل النقط"، والتي كشفت من خلالها العديد من الطالبات تعرضهن للتحرش من طرف بعض الأساتذة بالجامعة، حيث أدين بعض المتحرشين بعقوبات سجنية كما وقع بجامعة الحسن الأول بمدينة سطات (جنوب الدار البيضاء)، أكدت سعيدة الوادي أن هذا الاستغلال كان دائماً موجوداً وهو ليس وليد اليوم، إلا أن الضحايا لم تكن تقوين على التبليغ وكن تفضلن الصمت.
وأوضحت أن الفضل يعود إلى الطالبات اللواتي بلغن عن هذه الحوادث وقدمن فيديوهات ومراسلات بينهن وبين المتهمين تثبت صحة ادعاءاتهن، كما أن التطور التكنولوجي ووجود الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت إلى حد كبير في الكشف عن هذه الحوادث ووضعت حداً لبعض الأساتذة الذين يتحرشون بالطالبات الجامعيات في قضايا "الجنس مقابل النقط".
وأكدت أن رضوخ النساء للمتحرشين بهن داخل أماكن العمل هو ظاهرة غير صحية، لافتة إلى أن النساء ضحايا التحرش ينبغي ألا تسكتن وأن تبلغن عن الاعتداءات التي تتعرضن لها مهما كلفهن الأمر ومهما كانت النتائج، لأنهن باستسلامهن للتحرش يكن شبه متواطئات مع المعتدين.
وقالت إن بعض النساء تمتنعن عن التبليغ إما خوفاً من فقدان العمل أو فقدان بعض المكاسب المادية التي يقدمها المتحرش لإخضاع ضحيته، وبالتالي فإن المرأة بدل أن تكون ضحية تصبح في هذه الحالة متواطئة في عملية التحرش.
ودعت إلى ضرورة صون الكرامة الإنسانية للنساء داخل أماكن العمل من خلال التحسيس والتوعية في أوساط النساء، حتى لا تقبلن بهدر كرامتهن والاستسلام لرغبات المتحرشين، مشددة على ضرورة تعليم الفتيات ومحاربة الهشاشة والفقر وتمكين النساء اقتصادياً حتى لا تتعرضن للاستغلال ومن بينه التحرش الجنسي في أماكن العمل.
ولفتت إلى أن ظاهرة التحرش لاتزال مستفحلة بسبب المجتمع الذكوري، الذي يعطي الحق للرجل حتى وإن كان متحرشاً، وبدل أن يدينه يوجه أصابع الاتهام للمرأة ضحية التحرش، كما لو أنها هي المذنبة، وهو ما يجعلها عاجزة عن التبليغ خوفاً من كل هذه الاعتبارات، مفضلة الصمت والمعاناة بدل الدخول في معركة تعرف مسبقاً أنها ستخسرها.
وطالبت بإقرار قوانين زجرية صارمة تجرم العنف، ومن ضمنه التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء، لافتة إلى أن النساء يحق لهن أن يرتدين اللباس الذي يتناسب وقناعاتهن، في إطار احترام الحريات الفردية، دون أن يشكل ذلك مبرراً للتحرش بهن.
وانتقدت بعض المبادرات التي سبق وأن أطلقتها بعض الجمعيات للتوعية بظاهرة التحرش، حيث سبق لإحداها، قبل عامين تقريباً، أن قامت بتوزيع صفارات على الفتيات والنساء طالبة منهن أن تقمن باستعمالها إذا ما تعرضن للتحرش.
ولفتت إلى أن الأحزاب والنقابات لم تعد تقوم بالدور التأطيري الذي كانت تلعبه من قبل، وهو ما ساهم في الرفع من منسوب الوعي لدى العديد من الفئات الاجتماعية في وقت سابق، حيث تخلت هذه الهيئات عن الأدوار المنوطة بها، تاركة فراغاً ثقافياً وسياسياً مهولاً في أوساط الشباب، مما جعلنا نواجه العديد الظواهر الاجتماعية الخطيرة، من بينها التحرش الجنسي ضد النساء.
وينص الفصل 503 ـ 1 من القانون الجنائي المغربي على أن "مرتكب جريمة التحرش الجنسي يعاقب بعقوبة حبس تتراوح بين شهر وستة أشهر وغرامة مالية بين 2000 (200 دولار) و10000 درهم (1000 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، وتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلاً في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام العام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها".