ناشطات من السويداء: أردنا تغييراً إيجابياً لكن ما حصل هو العودة خطوات إلى الوراء

تتكرر مشاهد فرض الحكومة المؤقتة قرارات تحدد ما يجب أن ترتديه النساء في سوريا وكأن الجسد الأنثوي ساحة معركة للسيادة الأخلاقية والسياسية، فهذه السياسات تقصي صوت النساء وحقهن في تقرير ذواتهن وتتحول إلى أدوات تطويع تكرس التراتبية المجتمعية.

روشيل جونيور

السويداء ـ أثار القرار الجديد الصادر عن وزارة السياحة في الحكومة المؤقتة ضجة بين نساء سوريا، وطُرح تساؤل حول مفهوم الاحتشام، ولماذا يفرض على طبقة تحت مبررات الحفاظ على القيم المجتمعية، بينما يسمح في المقابل للسياح والطبقات الأخرى بهامش أوسع من الحرية في اللباس والمظهر؟

في الوقت الذي تدافع فيه بعض الجهات الرسمية عن القرار باعتباره ضرورة لحماية "الذوق العام"، تساءلت كثير من النساء عمن يحدد هذا الذوق، ولماذا لا يطبق بشكل عادل على الجميع، وكذلك كيف يمكن لحكومة أن تتحدث عن الإصلاح والانفتاح، بينما تعيد النساء إلى عصور الإقصاء والوصاية؟

فهذا القرار الذي أثار غضباً واسعاً، لا سيما بين النساء اللواتي اعتبرنه تعدياً مباشراً على حقهن في حرية اللباس، وتمييزاً واضح بين الطبقات والجنسين، دفع الكثيرات من مدينة السويداء للتعبير عن رفضهن باعتبار القرار لا يمثل العدالة، ولا يخدم أهداف التغيير التي طالما نادى بها أهالي المدينة في حراكهم منذ عامين.

وذكرت منار رشيدي أن "القضية اليوم لم تعد مجرد نقاش حول ما إذا كانت المرأة يجب أن ترتدي لباساً معيناً أو لا، بل عن لغة الإجبار وهو مرفوض تماماً، ويتمثل بفرض هذا الأمر من قبل السلطة دون مشاركة النساء أنفسهن في القرار".

وتساءلت "لماذا يمنح الأثرياء والسياح حرية ارتداء ما يشاؤون، بينما يفرض على الفقراء التزام لباس معين بحجة الاحتشام؟ أليست هذه ازدواجية في تطبيق القانون؟"

وترى أن هذا القرار لا يمكن فصله عن السياق الأوسع المتعلق بالتمييز الطبقي والاجتماعي، حيث تتم معاملة الناس وفقاً لمستوى دخلهم "نرفض أن يتم تقسيم المجتمع إلى فئات، فئة يحق لها ما لا يحق لغيرها. إما أن يطبق القانون على الجميع أو لا يطبق على أحد".

كما ربطت منار رشيدي بين هذه السياسة وغيرها من الممارسات التي طالت النساء على مدى السنوات الماضية لافتةً إلى أن كثيراً من النساء اضطررن لتحمل مسؤولية أسرهن بعد غياب أزواجهن وأبنائهم ويستطعن أخذ قراراتهن بأنفسهن.

وأكدت أن المرأة السورية اليوم لم تعد تقبل التنازل عن حقوقها أو السكوت عن قرارات تمس كرامتها وإنسانيتها "أصبحنا نخاف من مجرد التنقل خارج محافظاتنا، لأننا نساء. إذا كان الرجال يستهدفون فكيف سيكون الحال مع النساء؟".

وأشارت إلى أن الثورة التي خرج بها الناس قبل سنوات "لم تكن فقط ضد نظام مستبد، بل ضد فكر طائفي ومتطرف أراد أن يقسم الناس ويحدد مصيرهم بناء على انتمائهم المذهبي والديني. نحن لم نخرج لنبدّل تطرفاً بتطرف آخر، بل لنعيش بكرامة ومساواة. أردنا تغييراً إيجابياً، لكن ما حصل هو العكس. لقد عدنا خطوات إلى الوراء".

 

 

من جهتها أكدت نوال عطا أن المرأة تواجه ضغوطاً متزايدة من مختلف الاتجاهات في رأيها، في مظهرها، في حركتها اليومية، وحتى في طريقة تفكيرها. وقالت بوضوح إن المشكلة ليست في "الحرية" كما يحاول البعض تصويرها، بل في محاولات مستمرة لتقييد المرأة ومحاصرتها داخل إطار محدد "خرجنا من أجل الحرية والعدالة وحريتنا نحن النساء ولكي نطالب بمساواة بين الرجل والمرأة وقرار وزير السياحة أكد بأن المرأة مازالت محرومة من حريتها ومن المساواة بالرجل".

وأضافت أن لكل مجتمع خصوصية في ملبسه وتقاليده، لكن ذلك لا يعني أن تفرض هذه الخصوصية بالقوة أو أن يستغل الدين والعادات كوسيلة لتقييد الحريات، مشددةً على ضرورة أن تأخذ المرأة مكانها الصحيح في المجتمع، لا كمجرد تابع بل كصاحبة قرار.

وترى أن القرار الأخير من وزير السياحة يفرض قيود أكثر صرامة على النساء مقارنة بالرجال، معتبرةً أن "هذا تمييز غير مباشر لا نقبله. المرأة لها الحق في اتخاذ القرار الذي يناسبها من حيث اللباس، دون أن تتعرض للانتقاد أو التهميش".

 

 

فيما قالت سمرا سعيد "خرجنا نطالب بعدالة تشمل الجميع، لكن ما نراه اليوم هو عدالة مفصلة على مقاس الأغنياء وأصحاب النفوذ بينما يسمح لهم بكل شيء يفرض على الفقراء الصمت".

واعتبرت أن هذه السياسات لا تمس فقط حرية اللباس، بل تمتد لتطال كرامة الإنسان وحريته الأساسية في الاختيار، وخاصة النساء اللواتي يتوقع منهن دائماً التزام الصمت "من الواضح أننا عدنا خطوات كثيرة إلى الوراء. هذه ليست العدالة التي طالبنا بها، بل نسخة مشوهة منها، تستثني الطبقات الأضعف وتكرس ثقافة التفوق الطبقي والذكوري".