الاغتصاب الزوجي... عنف خارج مظلة القانون ويعيق مسيرة النساء
مازال العنف أحد أهم الأسباب التي تحول دون تقدم النساء، وهناك أشكال منه في حاجة لتدخل خاصة أن القانون لا يجرم ارتكابها بشكل واضح وهو ما يشجع على ممارستها ومنها العنف الأسري والاغتصاب الزوجي.
أسماء فتحي
القاهرة ـ يحتاج العنف الأسري للتكاتف لمناهضته في ظل القبول المجتمعي الكبير له، فالتزام النساء والفتيات الصمت حيال ما تتعرضن له إشكالية تحتاج لعمل وجهد للتعامل معه، ويعد رفع الوعي بأشكال العنف وأدوات الحماية منه ضرورة ملحة.
تعاني النساء والفتيات من الممارسات التي تنال من حقوقهن الإنسانية داخل جدران أسرهن، وهو أمر يحتاج للكثير من التأمل والبحث عن حلول منطقية رادعة يمكنها أن توقف تلك الممارسات، خاصة أن المجتمع مطبع مع جانب كبير منها ويراها طبيعية خاصة إن كانت تتم تجاه المرأة.
والعنف الأسري وخاصة إن كان جنسياً هو الملف "المسكوت عنه" مجتمعياً نتاج ما يضعه من أعباء على النساء خاصة أنهن وحدهن من تدفعن فاتورته وتوصمن في حال حدوثه وليس من يرتكبه في حقهن، وبات المجتمع يترك الجاني في مثل تلك الجرائم والانتهاكات ويبحث وراء الضحايا ويتحرى أخلاقهن ومظهرهن بل مساحتهن الشخصية حتى يجد مبرر لارتكاب مثل تلك الجرائم.
وأحد أهم النصائح المألوفة هو الصمت وعدم الحديث عما يقع داخل جدران الأسرة على اعتبار أن ذلك يخرق الخصوصية ويفضح الأسر ويكشف أسرارهن ويضر بالجميع، وهي محاولات لغلق ذلك الملف حتى القائمين على السلطة التنفيذية يجدون فيها سبب كافي لعدم تفكيك الأسر والإضرار بأفرادها.
وخلال التقرير التالي قررنا البحث في الجانب المسكوت عنه من العنف من خلال بعض القصص التي سننشرها بأسماء مستعارة حرصاً على سرية بيانات الفتيات ولأن تلك الممارسات تقابل في المجتمع بدرجة كبيرة من الوصم تنال من حقوق أصحابها وتضر بهن نفسياً ومادياً.
العنف الجنسي في المقدمة
تقول الثلاثينية ليلى عرابي، أنها تعرضت لاعتداء جنسي في صغرها من قبل ابن عمها، وأنها أخبرت والدتها بما حدث معها، بعد تهديدها وابتزازها المتكرر من قبله وما كان من أبيها إلا وحبسها في منزلها حتى زوجها منه. "زوجوني من الشخص الذي دمر حياتي وجعلهم يحرمونني من التعليم ومن أحلامي، كنت أعيش معه وأنا أشعر كل يوم أنه جلادي وعلي الخلاص منه".
وأوضحت أنها تدرك السبب الذي دفع والدها لارتكاب تلك الجريمة في حقها، ولكن مع مرور الوقت وانفصالها عن زوجها استوعبت حجم ما يمارسه المجتمع من سلطة على أفراده وأن مصيرها وأسرتها حال افتضاح أمرهم في المجتمع الريفي المغلق الذي يعيشون به من المؤكد أصعب بكثير من تزويجها من ابن العم.
واعتبرت أن الكثير من الكوارث تحدث في مجتمعها المغلق وأنها علمت الكثير عنها عند زواجها حينما كانت تشكي سوء معاملة زوجها لها وكرهها للبقاء معه، مؤكدة أن ما يبقي النساء صامتات هو الخوف من الفضح وتأثير ذلك على من يعيشون حولهن، فضلاً عن عدم قدرتهن على الإنفاق على ذواتهن والاستقلال عن معنفيهن.
الوصم أحد أهم أسباب التكيف مع العنف
وأشارت مؤسسة مبادرة بر أمان ميار مكي، أنهم دشنوا حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي بالتزامن مع الحملة العالمية المناهضة للعنف ضد النساء أطلقوا عليها عنوان "ورا الحيطان" تسلط الضوء بالأساس على العنف الأسري، لافتةً إلى أنها التقت بنساء تعرضن لهذا النوع من الممارسة وعانوا من الحبس لأكثر من عام في المنزل وتحكمت أسرهن في كامل قراراتهم،
ولفتت إلى أنهم يتابعون مع حالة قررت الإبلاغ عن العنف الأسري وتعرضت للوصم من الجميع فقط لأنها رفضت ما يحدث معها، مؤكدةً أن النساء لا تستطعن البوح عما يحدث لهن في أسرهن نتيجة الوصم الذي يمارسه المجتمع ضدهن بما فيه السلطات التنفيذية التي يلجؤون لها من أجل نيل حقوقهن، معتبرة أن أحد الأزمات الكبرى تتمثل في الاغتصاب الزوجي والعنف الأسري لأن المجتمع يبارك ما يقومون به مما يجعل الكثير من النساء ترينه أمراً طبيعياً.
القوانين ورفع الوعي... حلول ممكنة للعنف الأسري
العنف الأسري في حاجة لتكاتف من الجميع لمناهضته خاصة أنه يجد قبول مجتمعي كبير، ولا تستطيع النساء البوح بتفاصيله لأن من يمارسونه دائرتهن الضيقة في الأسرة وهو إشكالية تحتاج لعمل وجهد كبير من المجتمع المدني للتعامل معها، وترى ميار مكي، أن القانون أحد أهم الحلول الرادعة في قضايا العنف الأسري تحديداً لأن ممارسته على نطاق واسع يعود لعدم وجود قوانين تحمي النساء منه.
وأكدت على أن رفع الوعي بأشكال العنف وأدوات الحماية منه خاصة الذي يحدث داخل الأسرة ضرورة لأن هناك بالفعل نساء لا تعلمن أن ما يمارس عليهن من انتهاكات هو عنف وأنه أمر غير طبيعي ويحتاج لرفض ومواجهة.
البعض رفضن العنف الأسري وأخريات قبلن به
وكشفت ميار مكي أنها تعرضت لعنف أسري وتركت المنزل ولم يكن أمامها آلية سوى ذلك حينها ولكنها أيضاً كانت تمتلك أدوات مكنتها من الاستقلال عن أسرتها والعمل والانفاق على ذاتها وهو أمر غير متوفر لدى الكثيرات ممن تتعرضن لعنف أسري، لافتةً إلى أنها التقت الكثير من الفتيات اللواتي قررن التعايش مع العنف وهذا لا يعني قبوله ولكنهن لا تمتلكن وسائل أخرى للتعامل معه وأخريات لديهن اضطرابات نفسية واضحة ومشاعر سلبية منها عدم الشعور بالأمان أو فقدان الثقة والاكتئاب، مضيفة أن هناك من تقاومه وأخريات تعزلن أنفسهن وغيرهن تبحثن عن فرص عمل للتخلص من سلطة الأسرة.
بينما ظلت مريم جمال تعاني من العنف الأسري لنحو 20 عاماً، مشيرة إلى أنها لم تنجو منه إلا حينما تزوجت وبدأت حياة مختلفة مع شخص دعم قراراتها وساعدها على تجاوز أزمتها.
وعن سبب صمتها وبقائها في تلك المعاناة أوضحت أنها فتاة تعيش داخل مجتمع ريفي محافظ ولا يحق للنساء به الرفض "كان أبي وأخي يتعاملون معي وكأني آلة تعمل على تلبية كامل احتياجاتهم وأي تأخير مني أو حتى مرض يحول دون خدمتي لهم كان مصيري الضرب المبرح الذي جعلني لأكثر من مرة أعاني من كسور في القدم والذراعين"، مضيفة "لسنوات طويلة وأنا أعاني ولم استطع البوح بما حدث معي أو رفضه ففي مجتمعنا ضرب النساء جزء من تربيتهن وتقويم سلوكهن، ومن الطبيعي الضرب وغيره من أجل حمايتهن وكلها أفكار خاطئة تحملت نتيجتها قهر وظلم وقسوة جعلوني الآن لا أرغب أبداً في العودة لمنزل أبي مهما حدث".
وفي ختام حديثها قالت مريم جمال "بأن التوعية والفكر الحر هو أساس التخلص من كل العادات البالية والذهنية الرجولية والعنف التي تمارس على المرأة"