منع التعليم ونشر الجهل في المناطق المحتلة... محاولة تركيا لصهر ثقافة الشعوب
منذ دخولها للأراضي السورية وضعت تركيا ضمن أجندتها تتريك المنطقة، وانتشال جذور حضارة الشعوب التي امتدت عروقها لأزل التاريخ، ولتنفيذ مبتغاها اتبعت الكثير من السبل وأهمها إيقاف العملية التعلمية وفرض منهاج الدولة التركية
سيلفا الإبراهيم
الطبقة ـ .
تقول الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مدينة الطبقة ليلى محمد عن السياسة التي تسعى تركيا لتطبيقها في المنطقة "المناطق المحتلة تعرضت لمختلف الانتهاكات، فقد تعرض أهالي تلك المناطق للأقصاء والتعسف والقتل والخطف، كما تعرضت الأماكن الأثرية للتدمير والنهب، ومن الفئات العمرية التي تم تهميشها الأطفال".
وأضافت "أغلقت المدارس وتم تحويلها لقواعد عسكرية، وفي سعيها لطمس هوية شعوب المنطقة فرضت اللغة والمنهاج التركي وأقصت مكونات تلك المناطق، فرغم تنوع القوميات إلا أن تركيا تفرض لغتها على الجميع، وتعمل للقضاء على ثقافتهم".
وفي مدينة عفرين يبلغ عدد المدارس نحو 318 مدرسة، ولكن خلال الهجوم الذي نفذته تركيا في كانون الثاني/يناير عام 2018 على المدينة تم تدمير ما يقارب 70 مدرسة، وخلال فترة الاحتلال التركي المستمرة حتى اليوم تم تحويل 20 مدرسة إلى معتقلات وسجون للاحتلال التركي.
في مدارس مدينة عفرين المحتلة المتبقية فرض المنهاج التركي، في العام الدراسي (2018 ـ 2019)، حصة واحدة للغة العربية، وهو ما رفضه الأهالي فلم يرسل عدد كبير منهم أطفاله لتلقي التعليم، أما الطلبة الذين يذهبون إلى المدارس فقد أجبروا على ذلك، وعلى وجه الخصوص الإيزيديين الذين فرض عليهم تعلم الديانة الإسلامية.
وهذه السياسة نفسها تمارس في كافة المناطق المحتلة، في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي، اللتين احتلتها في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019، وقد بدأ فرض المناهج التركية فيهما في العام الدراسي (2019 ـ 2020).
وبحسب إحصائية للجنة التدريب والتعليم الديمقراطية (KPC) لمقاطعة عفرين، فإن عدد الطلبة في ظل الإدارة الذاتية أي قبل الاحتلال بلغ 42000 طالب/ة للمرحلة الابتدائية، وأما المرحلة الإعدادية والثانوية فتراوح عددهم ما بين (8 ـ 9) ألف طالب/ة.
أما في مقاطعة تل أبيض/كري سبي فقبل الاحتلال بلغ عدد المدارس 426 مدرسة، وحالياً 100 مدرسة فقط في الريف الغربي لتل أبيض الواقعة تحت حماية قوات سوريا الديمقراطية وناحية عين عيسى وهي داخل الخدمة لكنها تغلق أحياناً بسبب القصف العشوائي على المنطقة. بحسب لجنة التربية والتعليم في مقاطعة تل أبيض/كري سبي، التي قالت إن الـ 326 مدرسة المتواجدة في المناطق المحتلة لا توجد لها إحصائية دقيقة عن عدد المدارس التي دمرت وكم منها تحول لقواعد عسكرية وسجون.
وبلغ عدد الطلبة قبل احتلال مدينة تل أبيض/كري سبي 38800 طالب/ة، فيما عدد المعلمين بلغ 1937 معلم/ة، وبعد احتلال المدينة انخفض العدد بشكل كبير.
وعن الغايات التي تسعى تركيا لتحقيقها من خلال المنهاج التعليمي الجديد أكدت ليلى محمد أنها تسعى "لنشر الفكر المتطرف والإرهاب بين الأطفال، وهي نفس الاستراتيجية التي عمل عليها داعش، الذي أبعد الأطفال عن جذورهم وعن مكوناتهم وأسرهم وتراثهم وثقافتهم، وزرع بذور التطرف والإرهاب في نفس الطفل ليكبر على نهجهم ويقتل حتى أفراد عائلته وكل من يخالفه الرأي".
وأما عن أهمية تسليط الضوء على فرض الاحتلال التركي للغته في المناطق المحتلة بينت أن "للغة أهمية كبيرة فهي حافظة الحضارات وهي هوية وأصالة أي شعب ومصدر فخر واعتزاز لأي شعب تحفظ تراثه وإنجازاته"، مؤكدةً أن "القضاء على اللغة هو الأسلوب الأول لعملية الصهر والقضاء على أي حضارة أو هوية وثقافة الشعوب".
وأشارت ليلى محمد إلى أن تركيا تتبع سياسة تعسفية في المنطقة لسهولة السيطرة على المجتمع متبعةً العديد من الأساليب "التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والاحتلال يسعون دائماً لنشر الجهل؛ لأنها البيئة المناسبة لانتشار الفساد، ومد سيطرتها، فالتطرف والإرهاب والاحتلال لا يتماشى مع العلم".
وأوضحت أن هذا هو السبب الذي يجعل التنظيمات الإرهابية توقف العملية التعليمية وتغلق المدارس "تحاول إبقاء الجيل الجديد جاهلاً، منصاعاً لها ولا يخالفونها بأي أمر، فلا يعرفون الحق من الباطل، فالعلم هو الوسيلة الوحيدة لتحرير وعي الشعوب، وتحرير الأرض من المحتلين والفكر المتطرف والإرهاب".
وباسم لجنة التربية والتعليم وأهالي شمال وشرق سوريا أدانت ليلى محمد السياسة التي تتبعها تركيا في المناطق المحتلة "كمسؤولين عن العملية التعليمية وكمواطنين ندين ونستنكر هذه السياسات الهادفة لصهر هوية المكونات وتلوين هذه المناطق بالقومية التركية".
وتطرقت ليلى محمد إلى صمت المجتمع الدولي حيال هذه السياسيات "نرفض المواقف الصامتة اتجاه ما تمارسه تركيا بحقنا، ونحاول لفت انتباه المجتمع الدولي إلى ما يحدث في هذه المناطق لتطبيق قوانين الأمم المتحدة التي تضمن حق الطفل في التعلم وبلغته الأم، وتكفل له ممارسة حريته وعاداته وتقاليده وثقافته".
وشددت على أن تركيا تخالف ميثاق الأمم المتحدة وميثاق الشعوب "تسعى تركيا للقضاء على الثقافات المختلفة في شمال وشرق سوريا، وتستهدف المرأة التي تربي الأجيال لتبقى الأجيال جاهلة".
وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه ما تمارسه تركيا "عليهم اتخاذ خطوات جدية لإنهاء الاحتلال التركي في شمال وشرق سوريا وإعادة هذه المناطق للإدارة الذاتية؛ ليتمتع الشعب بحقوقه".
واختتمت الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مدينة الطبقة ليلى محمد حديثها بالتأكيد على أن هناك قلق من قبل المعنيين بمجال التربية والتعليم من استمرار الوضع على ما هو عليه. مشددةً على أن المقاومة تقع على عاتق الجميع لمواجهة السياسية التي تستهدف العملية التربوية، وثقافة شعوب المنطقة.
وفي رأس العين/سري كانيه كشفت احصائية للجنة التدريب في إقليم الجزيرة أن عدد المعلمين/ت قبل الاحتلال بلغ نحو 1487، فيما بلغ عدد الطلبة 23833، وعدد المدارس 150 مدرسة، جميعها تحولت لنقاط عسكرية للمرتزقة.
من جهتها قالت نائبة الرئاسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مدينة منبج وريفها بركين شيخ محمد أن التعليم في المناطق المحتلة بات وسيلة لتركيا لفرض نفسها في المنطقة "حال التعليم في المناطق المحتلة يرثى له، عدا عن المدارس التي تدمرت بفعل القصف تحولت جل المدارس في تلك المناطق لقواعد عسكرية يتمركز فيها المرتزقة التركية، والطلبة يتلقون التعليم وفق المنهاج التركي واللغة التركية".
وحول سياسة تركيا الساعية لفرض ثقافتها ولغتها على أهالي المنطقة قالت إنها تسعى بذلك لمحو هوية الشعوب "فرض لغة أخرى على شعب يعتبر بمثابة فصل الشعب عن ذاته وكيانه، وهذا ما أدى إلى تخلي معظم الأهالي عن أراضيهم لحماية هويتهم من السياسة التي تتبع في المنطقة، وفروا بمستقبل أطفالهم لعدم توفير آلية تعليم منظمة، عدا التجنيد الإجباري وحالات الخطف وإرسالهم إلى خارج سوريا لتنفيذ الأجندة التركية".
وحذرت بركين شيخ محمد من أن ما تعيشه المناطق المحتلة على الصعيد التعليمي مقلق "وفقاً للواقع التعليمي المزري فجيل كامل سيكون ضحية السياسات التركية في المنطقة". مؤكدةً أن إذ ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن هذا الجيل سيكون جاهلاً بهويته وحقيقتها وتاريخها.
واختتمت بركين شيخ محمد حديثها بالقول إن على المجتمع الدولي اتخاذ موقف جاد وصارم مما يحدث وعلى الأهالي حماية ابنائهم من محاولات صهر الثقافة.