"Me Too"... حركة عالمية لمناهضة التحرش الجنسي

بعد انتشار ظاهرة التحرش الجنسي التي تعد أحد أشكال العنف ضد المرأة، وزيادة عدد حالاتها خلال السنوات القليلة الماضية، انطلقت حملة "Me Too" لكسر ثقافة الصمت عن التحرش الجنسي.

"Me Too" أو "أنا أيضاً" حركة نسائية اجتماعية مناهضة للتحرش الجنسي وكافة أنواع العنف الجنسي ضد المرأة، أعطت الضحايا فرصة الكشف عن التحرش الذي تعرضن له والبوح بتفاصيل الحوادث التي مررن بها.
 
إطلاق الحملة
أطلقت الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو في الـ 15 من تشرين الأول/أكتوبر 2017، حملة "Me Too" كوسم عبر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، وذلك لإدانة واستنكار الاعتداء والتحرش الجنسي بالمرأة حول العالم.
ويعود الهاشتاغ إلى الناشطة النسوية الأمريكية تارانا بورك عندما استخدمته عنواناً لحملتها في عام 2006 على شبكة ماي سبيس الاجتماعية، للفت الانتباه إلى ظاهرة التحرش الجنسي التي تتعرض لها الشابات الملونات ولكنه لم يحقق انتشاراً في ذلك الوقت.
وقالت الممثلة أليسا ميلانو في تغريدة مرافقة للوسم "إنه يمثل دعوة بسيطة وقوية للفت انتباه العالم"، وطالبت النساء بمشاركة قصص التحرش والاغتصاب والاعتداء التي تعرضن لها في حياتهن دون خوف؛ لتسليط الضوء على معاناتهن.
وخلال فترة قصيرة أصبح الوسم واحداً من أهم الوسوم في العالم، وحظي بتفاعل عالمي أججه شروع عدد من النساء برواية قصص تحرش تعرضن لها في حياتهن، وسرعان ما تحول الوسم إلى حركة نسائية عمت أرجاء العالم، وساعد في جعل قضية التحرش الجنسي والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات الجنسية قضية عامة وصل صداها إلى العالم.
شكل توجيه الاتهام للمنتج الأمريكي هارفي واينستن بارتكاب انتهاكات جنسية على مدى ثلاثين عاماً، وفضح الكثيرين غيره في مراكز بارزة في الولايات المتحدة وغيرها، منعطفاً هاماً في تعامل الإعلام مع وسم "أنا أيضاً". 
معظم النساء اللواتي تفاعلن مع الحملة كن من الوسط الفني خاصة من عملاقا السينما العالمية "هوليود وبوليود"، تحدثن عما مررن به من انتهاك واعتداء وتحرش بعضها يعود إلى أكثر من عشرين عاماً.
ونشرت الحركة نقاشا حول موضوع التحرش الجنسي والإساءة في مجال صناعة وإنتاج الموسيقى، بالإضافة إلى مجال العلوم والوسط الأكاديمي والسياسة، كما أنها كشفت عن نساء تعرضن للتحرش والاعتداء الجنسي في سن مبكرة.
تقوم استراتيجية الحركة على المقاومة وزيادة الوعي وكسر التابوهات المعروفة، وحث المرأة التي هي ضحية الاعتداء الجنسي على الكشف عما خاضته دون الخوف من النتائج. 
وخلقت نوعاً من التضامن والدعم على صفحات التواصل الاجتماعي، وكرد فعل لانتشار الوسم ومشاركة النساء تجاربهن مع التحرش الجنسي، بدأ الصحافي والكاتب الأسترالي بينامين لو حملة على موقع تويتر باستخدام وسم "كيف سأتغير"، وانتهز العديد من الرجال هذه الفرصة لدعوة الجميع إلى إعادة النظر في طبيعة أفعالهم مع النساء، وعدم تجاهل جرائم التحرش الجنسي. 
 
انتصارات الحملة
بعد زيادة ضحايا التحرش الجنسي يوماً تلو الآخر، قامت الحملة برفع الستار عن عشرات الرجال المتهمين بالاعتداء والتحرش الجنسي في مجالات من بينها الفن والسياسة والأعمال، وأجبرت عشرات الأشخاص من المتهمين على الاستقالة من وظائفهم بعد فضحهم من قبل ضحاياهم.
وعلى وقع فضائح تحرش واغتصاب طالت منظمة أوكسفام الإنسانية، أعلن الأسقف ديسموند توتو استقالته من المنظمة معبراً عن أسفه من تأثير الفضائح على آلاف الأشخاص الذي يدعمون المنظمة، على خلفية سعي المنظمة إلى كتم الحقائق المتعلقة بعاملين متورطين في فضائح جنسية.
وأقدم نائب مدير صندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" جاستن فروسايث في أواخر شباط/فبراير 2018، على الاستقالة من منصبه عقب شكاوى ضده عن سلوكه الغير لائق بحق موظفات داخل المنظمة، حيث بعث إليهن رسائل نصية غير لائقة، وأدلى بتعليقات على ملابسهن، وقد اعتذر جاستن للموظفات الثلاث بشأن تلك الوقائع.
وفي بريطانيا، أمرت رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي بالتحقيق في زعم أن عضو البرلمان البريطاني مارك غارنييه تحرش بمديرة مكتبه، كما وأقيل سكرتير الدولة الأول داميان غرين من منصبه بعد أن وجد أنه أدلى بمعلومات "غير دقيقة ومضللة" حول ادعاءات بالعثور على مواد إباحية على جهاز كمبيوتر في مكتبه عام 2008، واتهامه بالتحرش بأستاذة جامعية.
وعلق حزب العمال البريطاني المعارض عضوية النائب كلفن هوبكنز على خلفية اتهامات طالت سلوكه تجاه شابة ناشطة في الحزب تدعى آفا اعتماد زاده، وكتبت صحف بريطانية تقارير اتهمت فيها 36 برلمانياً آخر بسلوكيات غير ملائمة.
ولم تكتفي الحملة بفضح رفيعي المستوى والمشاهير فقط، بل استهدفت رجال الدين أيضاً، حيث استقال رجل الدين شي شوتشينج من منصبه كرئيس للرابطة البوذية الصينية في آب/أغسطس 2018، بعد اتهامات طالته بقيامه بالتحرش بستة راهبات.
 
تأثير حركة "أنا أيضاً" 
ساعدت الحركة على إحياء الجهود المتعلقة بحقوق المرأة، وتعد إيران خير دليل على ذلك، خاصة وأن الإيرانيات يبذلن جهوداً كبيرة من أجل الحصول على حقوقهن.
وحرصت الفنانات والناشطات الإيرانيات على استخدام وسم "أنا أيضاً" للمناداة بحصول المرأة في طهران على حقوقها، نشرن صوراً لأنفسهن يرتدين أوشحة بيضاء تمثل السلام، وطالبن بإيقاف الاعتداءات ضد النساء. 
وفي مصر التي زادت فيها ظاهرة التحرش الجنسي، تصر العديد من النساء على التحدث عن تجاربهن عبر استخدام وسم حركة "أنا أيضاً"، ويطالبن بحصول النساء على العدالة ومعاقبة المذنبين، على الرغم من أن نسبة الفتيات والنساء اللواتي يتقدمن ببلاغات عن التحرش ما زالت ضئيلة جداً.
وأسوة بالحملة أطلقت التونسيات في تشرين الأول/أكتوبر 2019 حملة "أنا زادة" لمناهضة التحرش الجنسي، إثر ظهور العضو البرلماني زهير مخلوف في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهو "يمارس العادة السرية في سيارته أمام معهد ثانوي للفتيات" بحسب ما ذكره نشطاء.
وفي الهند التي تعد من أسوأ البلدان المهمشة للمرأة، خرجت الآلاف من النساء حاملات لافتات كتبت عليها "أنا أيضاً" إلى الشوارع والساحات، مؤكدات على ضرورة إجراء إصلاحات متعلقة بجرائم القتل والاغتصاب التي تعاني منها البلاد.
لعبت الحركة دوراً مهماً في إحداث تغيرات هامة على الساحة العالمية، وفتحت الباب أمام منظمة العمل الدولية لاعتماد اتفاقية بشأن القضاء على العنف والتحرش في مجال العمل لعام 2019، واتخاذ تدابير رئيسية لمعالجة آفة التحرش في العمل، وانطلقت عملية التصديق على الاتفاقية في أواخر عام 2019.