لماذا يتم تجاهل ظاهرة قتل النساء في الجزائر؟
العنف ضد النساء الذي تحول إلى جزء مظلم في الحياة اليومية بالجزائر، شكل ظاهرة في البلاد وسط تبرير مجتمعي وغياب للرادع القانوني
نجوى راهم
الجزائر ـ .
لم يسبق لأي جريمة قتل أن فجرت الغضب الشعبي مثل الذي فجرته قضية مقتل الشابة شيماء ذات الثامنة عشر ربيعاً، والتي وجدت جثتها في محطة مهجورة للوقود بمدينة الثنية بولاية بومرداس والتي تقع على بعد 50 كم شرق الجزائر العاصمة في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2020.
ورغم انتفاض الشارع الجزائري وخروج حقوقيات نسويات إلى الشارع للمطالبة بالقصاص من المجرم إلا أن هذا المشهد لم يستمر طويلاً بسبب إجراءات الحجر الصحي، وضرورة الالتزام بالشروط الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا.
ضحية جديدة تضاف إلى رصيد النساء المقتولات
صدمت جريمة قتل الصحفية الجزائرية بالقناة التلفزيونية الرابعة الناطقة باللغة الأمازيغية تينهنان لاصب الرأي العام الجزائري، مما أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تغريدات وهاشتاغات باسم المغدورة، لاسيما أن هذه الجريمة لم تكن الأولى، فكيف تعاملت السلطات مع الواقعة؟
تعود الواقعة إلى السابع والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير الماضي، حيث أعلنت الصفحة الرسمية للقناة الأمازيغية الجزائرية عن خبر وفاة الصحفية التي تعمل لديها "تينهنان لاصب"، كما ذكرت مصادر إخبارية لاحقاً أن الضحية صحفية في العقد الرابع من عمرها، وأم لبنتين في السابعة والثالثة من العمر، وتعيش بالجزائر العاصمة.
وأكدت المصادر الإخبارية أن الصحفية تعرضت للقتل من قبل زوجها بعد شجار نشب بينهما أدى به إلى ذبحها ورميها، فيما نفى والد الضحية جعفر لاصب لموقع الشروق الجزائري ما حدث قائلاً "ابنتي لم تمت ذبحاً على يد زوجها". وأكد الأب أن سبب الوفاة راجع إلى سقوطها من أعلى الشرفة بعد أن دفعها زوجها خلال مناوشات كلامية بينهما؛ بسبب اعتراضه على عملها في مجال الصحافة.
وقد أعلنت مصالح أمن ولاية الجزائر، في بيان لها يوم الأربعاء 10 شباط/فبراير الجاري أن سبب وفاة الصحفية تينهنان لاصب، هو تلقيها لعدد من الطعنات في مناطق مختلفة من الجسم من طرف زوجها الذي تم تقديمه أمام وكيل الجمهورية المختص اقليمياً.
تسجيل 54 امرأة مقتولة سنة 2020
نشرت الصفحة الرسمية لـ "فمينسيت جزائريات" أكثر من 54 حالة قتل للنساء سنة 2020، وقالت وئام أوراس صاحبة الصفحة أن هذه الحالات هي ما تم الإبلاغ أو الحديث عنه في بعض وسائل الإعلام، وأضافت "بعض الحالات كانت تتواصل معنا عبر الصفحة من طرف الجيران أو الأقارب؛ لتزويدنا ببعض التفاصيل التي نبحث عنها حول الضحايا".
وأشارت إلى عمل الصفحة في هذا المجال "سجلنا منذ بداية عام 2021 خمس حالات قتل لنساء تتراوح أعمارهنَّ ما بين 20 إلى 80 سنة، معظمهنَّ قتلنَّ على يد أزواجهنَّ أو أبنائهنَّ أو أشقائهنَّ".
ناشطات نسويات ينتفضنَّ ضد جرائم قتل النساء
قالت الناشطة النسوية أمال حجاج في تصريح لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "لا نستطيع أن نقول إن هناك ارتفاع؛ لأننا لا نملك احصائيات رسمية حول جرائم القتل ضد النساء، أو حالات العنف التي تؤدي في نهاية المطاف إلى القتل، ولكننا نتلقى كجمعيات ومنظمات نسوية عدد كبير من حالات العنف في حق النساء والقاصرات، وحسب نشاطاتنا كنسويات جزائريات فهناك ضغط كبير منا للتحدث أكثر في الموضوع؛ لجلب اهتمام وسائل الإعلام وحتى السلطات حول جرائم قتل النساء".
ولا توجد إحصائيات رسمية محلية منذ سنة 2012 حول جرائم قتل النساء في الجزائر من طرف الأمن والدرك الوطني، وبحسب مكاتب الأمم المتحدة والدراسات التي نشرتها عام 2020 والتي شملت الجزائر جاء فيها أن أقل من 10 بالمئة من النساء المعنفات يبلغنَّ عن العنف سنوياً وبسبب الأزمة الصحية التي عاشها العالم بسبب انتشار كوفيد ـ19 فمن المستحيل أن يكون هناك تبليغ للنساء ضحايا العنف المنزلي.
وانتقدت أمال حجاج ذهنية المجتمع الجزائري الذي أصبح يبرر جرائم القتل والعنف ضد النساء دون النظر إلى خطورة وتأزم الوضع داخل الأسرة وحتى في الشوارع.
وذكرت أمثلة كثيرة عن التعاطف مع بعض الضحايا دون ضحايا مستشهدة بحملة التضامن الواسعة التي تم تنظيمها عام 2020 من أجل شيماء حينما قال المشاركين فيها والداعمين لها بأنهم تعاطفوا مع الضحية لكونها فتاة قاصر وكذلك تصرف والد الصحفية تينهنان لاصب الذي وقف إلى جانب من قتل ابنته وحاول تبرأته بأن أنكر أنها تعرضت للطعن قبل رميها من الشرفة.
هؤلاء الأشخاص يكيلون بمكيالين فهم يغضون الطرف عن الكثير من الحالات ويرمون الضحايا بالعديد من التهم ويبررون للقاتل.
كما قالت أمال حجاج "لا نستطيع تجاهل واقع تزايد العنف المرتبط بانتشار كوفيد ـ19 بالأزمة الاقتصادية وكذا فقدان أكثر من 18 بالمئة من النساء لوظائفهنَّ، مما أجبر هؤلاء النساء على التواجد مع الزوج أو الأخ المعنف بشكل عام في المنزل طوال الوقت".
ودعت السلطات إلى ضرورة إيجاد حل طارئ لمسألة قتل النساء والعنف ضد المرأة، وشددت على ضرورة التحلي بالمسؤولية في دراسة قانون يجرم قتل النساء، مؤكدةً أن "المرأة تقتل لأنها امرأة ولا يوجد أي مبرر يجعل من جرائم القتل جرائم عادية".
من جانب آخر أعرب صحفيون وحقوقيون ومحامون عن قلقهم من تزايد حالات قتل وتعنيف النساء في الجزائر خاصة خلال فترة الحجر الصحي. فقد صرحت عدة منظمات حقوقية مدافعة عن حقوق المرأة أن "جرائم القتل ضد النساء ليست ظاهرة جديدة، ولكن على السلطات إيجاد حلول أو قوانين رادعة لهذه الجرائم، كما اعتبرتها سلب وسرقة لحياة النساء دون حمايتهنَّ".
الاضطرابات النفسية عامل كبير يؤثر على الجاني والضحية
الأخصائية النفسية وسيلة حمدي ترى أن ظاهرة قتل النساء في الجزائر ارتفعت بشكل كبير خاصة في فترة الحجر الصحي، ويمكن إرجاعها إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية بسبب فقدان الوظيفة وكذلك اجتماع العائلة في المنزل لفترة طويلة، وفي بعض الأحيان يعيشون في غرفة واحدة، وهذا ما أدى إلى احتكاك ملحوظ بين الطرفين، مضيفة أن الاكتئاب، والقلق، والخوف، والشك عوامل نفسية تؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية وخاصة الأسرية مما يؤدي إلى ارتكاب جريمة.
وتقول أن أغلب الضحايا يتعرضنَّ إلى إحباط متكرر، خاصة أن هناك نساء أو زوجات يكون لديهنَّ اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة العنف المتكرر مما يولد لديهنَّ اضطراب نفسي عصيب وهذا يجعل منهنَّ ضحية سهلة بالنسبة للقاتل.
جرائم قتل النساء إلى متى؟
تقول رئيسة لجنة النساء للاتحاد العام للعمال الجزائريين سمية صالحي "النصوص القانونية سواء قانون العقوبات أو حتى القانون الجنائي هي نصوص صارمة وتعاقب على هذه الجرائم، ولكن حتى ندقق أكثر فمصطلح جريمة قتل النساء ليس وارداً في النصوص القانونية، نستطيع القول إنه مفهوم جديد في الجزائر وهذا مطلبنا كفعل يخص المرأة".
وتؤكد "نحن كمنظمات وجمعيات نسوية سجلنا حالات قتل خطيرة بحق النساء تحت غطاء الشرف؛ لتبرير جرائم قتل النساء، سابقاً لم تكن الجرائم ظاهرة للعلن ولكن مؤخراً أصبحت واضحة أمام الجميع مع امكانية تبليغ الجاني واعترافه بقتل الضحية".
وأضافت "نطالب بضرورة تفعيل قانون يجرم قتل النساء، كما يجب أن يكون هناك تكاتف للجهود ما بين السلطات وكل الجهات المسؤولة لدراسة الوضع الراهن، ولفت انتباه الجميع حول جريمة قتل النساء وذلك بالتثقيف والتوعية على مستوى المدارس والجامعات وتخصيص مواد تدرس للطلاب لتدارك خطورة الوضع وتزايد جرائم قتل النساء بطرق وحشية".
وتقول المحامية نسيمة رواينية أن الأحكام القانونية الخاصة بجرائم القتل العمدي أو الجنايات نجدها في المادة 254 و255 والمادة 256 والمادة 261 من قانون العقوبات، ذاكرة أن معظم قضايا القتل في حق النساء غالباً ما تنتهي بصدمة لهيئة الدفاع والمحامين مثلما حصل في قضية مقتل فتاة قاصر تدعى وئام عبد المالك ذات 17 سنة في آب/أغسطس 2020، حيث تم الحكم في القضية بتبرئة الأم والابن من كل التهم، وحكم على الأب بالسجن ثلاث سنوات منها عام ونصف نافذ وعام ونصف موقوف النفاذ.