لم تفقد الأمل وتواصل البحث عن زوجها المخفي قسراً
عدد كبير من نساء اليمن شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً يبحثنَّ عن ابنائهنَّ وأزواجهنَّ المخفيين قسراً، ضحايا الصراع الدائر منذ سنوات، يحلمنَّ بعودتهم أو معرفة مصيرهم.
نور سريب
اليمن ـ
لم تبقي الحرب حال أحد من الشعب اليمني كما كان سابقاً، ويقع الضرر الأكبر على النساء اللواتي يقفنَّ بوجه كل الأحداث المؤلمة وخيارهنَّ الوحيد هو المواجهة بعد غياب الرجال بالحرب بين شهيد وجريح وأسير ومعتقل ومخفي قسراً البعض فقدنَّ الأمل بينما أخريات مازلنَّ يصارعنَّ ظروف الحرب ويتمسكنَّ بالأمل.
مثال نسوي مكافح
أروى فضل محمد صالح إحدى نساء مدينة عدن اللواتي انقلبت حياتهنَّ خلال سنوات الحرب، تقول "خمسة سنوات وأنا انتظر أن يعود زوجي إلى المنزل، خمسة سنوات وأنا ابحث عنه في كل مكان في السجون العلنية والسرية وفي المعسكرات بمختلف انتماءاتها"، وتضيف "تحولت حياتي وحياة أطفالي وأطفال زوجي إلى جحيم، كنت ربة منزل لا أملك عملاً، لم أشعر بالخوف من الجوع يوماً وهو بجانبي ولكن اليوم الحياة أصبحت صعبة، أحمل أمانة كبيرة وهم ابنائي (طفلين بنت وولد) و4 أطفال من زوجته الأخرى التي تركتهم بعد زواجها، أصبحت الآن مسؤولة عنهم بعد غياب أمهم، أجتهد وأعمل بقدر المستطاع في إطار التوعية المجتمعية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والرصد وقدمت في عدة مؤسسات وبدورهم يتواصلون معي في حال توفرت لديهم فرصة عمل لي ولكن ما أجنيه لا يكفي لقوت يومنا فالوضع الاقتصادي في البلاد كلها متدهور بشكل كبير".
أروى صالح وكما تقول كانت ربة منزل لا تعرف عمل شيء خارجه لكن الظروف التي مرت بها غيرت من تعاطيها مع المجتمع "لم أكن أعرف أحد، لكن رحلة البحث عن زوجي عرفتني على الكثير من الناس، ولم أعد أشعر بالخوف أو الخجل من دخول أي معسكر، وأنا أحمل صورة زوجي وأسأل الجنود والقيادات عنه لعلي أجده، ولم أعد أخشى الاشتراك في أي وقفة احتجاجية سواءً أمام معسكر التحالف العربي أو وزارة الداخلية؛ لأن حرية زوجي أمر يستحق العناء، لقد طرقت كل الأبواب واتجهت لجميع المنظمات الحقوقية ولا زلت مستمرة في بحثي".
لم تكتفي أروى صالح بأن تكون امرأة باحثة عن زوجها المخفي قسراً بل أصبحت ناشطة مجتمعية وعضو في رابطة أمهات المختطفين قسراً التي تأسست عام 2016 تساعد كل الأهالي الذين يبحثون عن أبنائهم والنساء الباحثات عن ازواجهنَّ، وترشدهم حول الإجراءات، وتوصلهم بالمنظمات الحقوقية التي تقوم برصد وتوثيق تلك الشكاوى، "قررت أن أساعد الآخرين لأني تلقيت المساعدة من نساء رائعات ساعدنني وعلمنني، وزاد حرصي على تقديم يد العون والإرشاد للنساء الأخريات عندما عرفت ماذا يحدث في السجون من بعض الناجين، وصممت أن أدخل هذا المجال وشعاري المتهم برئ حتى تثبت إدانته".
مواجهة المجهول
تستقبل أروى صالح الأيام بحذر شديد تتابع الأخبار، وتلتقي كل من يتم الإفراج عنهم ممن تعرضوا للإخفاء القسري بحثاً عن خبر يطمئنها عن زوجها "في كل مرة يتم إبلاغي من الأقرباء أو من رابطة أمهات المختطفين عن خروج شخص من المخفيين أذهب مسرعة لملاقاته من أجل عرض صورة زوجي عليه، والسؤال عنه إن كان قد التقاه في السجن"، وتضيف "كنت أسمع عن تنقل زوجي من سجن إلى آخر، والبعض كان يخبرني أنه تم ايقافه لفترة معهم ولكن منذ بداية 2021 لم يصلني أي خبر عنه، لم أعرف أي شيء جديد وهذا يقلقني جداً، توفي شقيق زوجي وأصيبت أمه بنزيف في الدماغ ولازالت تحلم بيوم عودة ولدها، أو معرفة أخبار عن مكان اعتقاله".
رغم رحلة الكفاح والبحث التي بدأتها أروى صالح إلا أنها تحمل هم كل المخفيين وأسرهم، وناشدت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بأن تلتفت لأسر المخفيين قسراً لمساعدتهم؛ نظراً لغياب رب الأسرة المعيل لها، وكررت رسالتها عبر وكالتنا قائلة "إلى الأخوة في الحكومة اليمنية إن من واجبكم الوقوف مع أسر المخفيين قسراً ودعمهم، والضغط على كل الأطراف لكي يظهروا وتتم إحالتهم إلى المحاكمة، والسماح لعائلاتهم بمعرفة مصيرهم مهما كان، إن ما تعانيه الأسر في غاية الصعوبة وأنتم المسؤولون".
تتشبث بالأمل رغم الإحباط الذي يتصيدها وتتمسك بحقها القانوني في ملاحقة كل المتورطين في إخفاء زوجها حتى لو مضى على اختفائه عقود، مشيرةً إلى عزمها على التوجه إلى القضاء اليمني، وفي حال لم ينصفها ستلجأ للقضاء الدولي "هذا العذاب الذي أعيشه أنا وأطفالي ووالدة زوجي ليس هيناً، هذه جريمة لا تسقط بالتقادم سأقاضي المجرمين والمتورطين في اختفاء زوجي مهما طال الزمن فالحق لا يموت".
أروى فضل محمد صالح وغيرها الكثير من نساء اليمن يبحثنَّ عن ابنائهنَّ المخفيين ضحايا الصراع الدائر فبحسب بيان رابطة أمهات المختطفين يوجد 744 مختطف ومخفي قسراً في عدد من السجون التابعة لأطراف الصراع اليمني.