لبنانيات: تراكمات النظام القمعي أشعلت الثورة النسوية في إيران

لا تزال قضية مهسا أميني محط اهتمام الناشطات النسويات في لبنان على غرار النسويات في العالم، إلى جانب الوقفات التضامنية التي يتم تنظيمها بين الفينة والأخرى.

كارولين بزي

بيروت ـ تعبّر الناشطات اللبنانيات عن فخرهن بالتحركات النسوية في إيران، وتؤكدن بأن هذه الاحتجاجات هي تحركات جاءت كرد فعل ضد القمع والنظام الأبوي.

 

"الاحتجاجات ردة فعل على النظام القمعي"

وعن وفاة مهسا أميني والاحتجاجات التي تلت مقتلها، قالت الناشطة النسوية زهراء ديراني لوكالتنا "بعيداً عن ظروف وفاة مهسا أميني، ولكن منذ لحظة اعتقالها إلى حين وفاتها كل ذلك يوصف بالجريمة التي ارتكبها نظام قمعي أبوي. لا تعنينا طريقة القتل ولكن ما يعنينا، لماذا ماتت؟، وبأي ظروف عاشت في ظل نظام قمعي".

وأضافت "مهسا أميني توفيت بعد إلقاء شرطة الأخلاق في إيران القبض عليها وهي بالحجاب الذي اعتُبر أنه غير شرعي، ألقي القبض عليها باسم الدين وبحجة الحجاب".

وعن الاحتجاجات التي بدأت بعد وفاتها أوضحت إن "الاحتجاجات ليست فقط بسبب مقتل مهسا أميني ولكنها أيضاً ردة فعل على نظام قمعي تعيش النساء في ظله، هذا النظام لا يتحكم فقط بحجاب النساء بل يقمعهن بشتى الأشكال، من حيث تمييزهن عن الرجال ووضعهن بمرتبة أقل من الرجل".

وأضافت "الاحتجاجات اليوم في إيران تقودها النساء، وهذا الأمر نعتز به كنساء متضامنات من بيروت إلى إيران، علماً أنها ليست المرة الأولى التي تقود فيها المرأة الإيرانية الاحتجاجات والنضال في وجه هذا النظام، لكن قيادتها لهذه الاحتجاجات اليوم لها رمزية خاصة ومختلفة عن باقي الاحتجاجات، لأن النساء تقود هذه الاحتجاجات مستندة على قوة مطالبها".

وأكدت إن "هذه الاحتجاجات تعتبر من الأكبر والأوسع منذ عام 2019، وهذا يعود إلى أحقية هذه المطالب البعيدة عن السياسة"، مشيرةً إلى إن "هناك من يحاول تشويه هذه الاحتجاجات والترويج لها على أن لها أهداف سياسية خارجية ضد النظام الإيراني، إلا أن هذه الاحتجاجات نسوية محقة لا علاقة لها بأي جهات خارجية، وهناك محاولات لتزييف الحقائق لإجهاض الثورة".

 

 

"نحن كناشطات معنيات بدعم النساء"

من جانبها قالت الصحفية والناشطة النسوية مريم ياغي "ما يحدث في إيران هو قمع واضح للنساء من خلال تحديد خياراتهن وتغيير قناعاتهن ومصادرة قرارتهن الشخصية".

وأوضحت إن "التركيز على كيفية وقوع حادثة وفاة مهسا أميني هي محاولة لتضليل الرأي العام وتضييع القضية الأساسية، القمع واقع ومصادرة خيارات وقرارات النساء موجودة، وخير دليل على ذلك هو ما يحصل خلال الاحتجاجات التي تقودها النساء اليوم والتي تعرضت فيها للقمع، وعيداً عن أن كانت مهسا أميني قُتلت أو توفيت بحادث غامض كما يُقال، ونحن كناشطات معنيات بدعم النساء للحصول على حقوقهن وتقرير مصائرهن وتحديد خيارتهن وتنفيذ قناعاتهن".

وعن الاحتجاجات النسائية في إيران قالت "إن الاحتجاجات أمرٌ مشرّف بأن تكون النساء في بلد يسيطر على قرارها سلطة دينية، تتصدر المرأة فيها المشهد على الرغم من كل محاولات تشويه هذه الصورة وسيناريوهات المؤامرة، وتستطيع المرأة أن تستمر في الصفوف الأمامية وأن توصل صوتها وتضرب بعرض الحائط هذه السيناريوهات ومحاولات تحريف هدف هذه التحركات من الجهات التي تحاول استغلال الثورة، فهذا عمل مشرّف وجبّار من النساء الايرانيات أن يكنّ بهذه الصلابة في هذه الظروف".

 

 

"تراكمات أشعلت الثورة النسوية"

وأضافت أن كل حادثة يمكن أن تكون شرارة لحراك فوري "لكن لا يمكننا أن نقول إن الايرانيات اليوم تحركن، ولكننا لا نعرف كم المحاولات السابقة التي تم التعتيم عليها أو عدم الإعلان عنها للرأي العام، كما أن وجود عدد من الناشطات اللواتي تركن البلاد هو دليل على أن هناك محاولات سابقة، وأي نوع من القمع هو مسبب أو دافع لأي حراك ولأي ثورة".

وأشارت إلى إن "ما حصل لا يتعلق فقط بحادثة مقتل مهسا أميني، إذ ان هناك اعتقالات سابقة مرتبطة بـ "الحجاب السيء" كما يُطلق عليه، حيث كان يتم توقيف النساء من قبل "شرطة الأخلاق" وكان هناك دراسة لقانون في إيران لمراقبة النساء في الحافلات العامة اللواتي لا تلتزمن بالحجاب الصحيح، وهذه الأمور السابقة وصولاً إلى وفاة مهسا تراكمت جميعها وأشعلت الثورة النسوية في إيران".

 

"مقتل مهسا أميني شرارة الانتفاضة"

واستنكرت الناشطة النسوية وعضو الهيئة الإدارية في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني سارة العوطة ما حدث لمهسا أميني "نحن في لبنان نستنكر حادثة مهسا أميني والقمع الذي تتعرض له النساء في إيران، وكناشطات حقوقيات وكأفراد نعرف ما معنى الحرية ومعنى أن يكون لأحد وصاية على أجسادنا".

وقالت "لم نستغرب سلسلة الاحتجاجات التي انطلقت في مختلف دول العالم، من بيروت إلى فرنسا ولندن وغيرها، ما حدث في إيران يشير إلى أن النظام القائم حالياً ليس على المستوى الفكري والأخلاقي نفسه مع مواطنيه الذين يرفضون هذا النوع من القمع الذي يُمارس ضدهن منذ أربعين عاماً".

وأضافت "كما أن الطرق التي تُقمع فيها التظاهرات هي طرق دموية وعنيفة وجل اهتمامها الحد من هذه التظاهرات، وهذا ما يؤكد أن كل الأنظمة الدموية العنفية تقوم على حجز حرية الأفراد وخاصة النساء والأطفال، وجاء مقتل مهسا أميني كالشرارة للإيرانيات لكي تنتفضن على واقعهن الذي ترفضنه منذ أربعين عاماً".

 

 

"قضية وجود وهوية"

وأوضحت إنه "على الرغم من قمع السلطة الإيرانية للتظاهرات لكنها لم تتوقف، فالاحتجاجات مستمرة منذ أسابيع، ومع مقتل أكثر من ناشط/ـة واعتقال المئات لا تزال سلسلة التظاهرات مستمرة. هذا الأمر يشير إلى أن الشعب الإيراني لا يؤيد النظام القائم، وليس كما تم وصفه عالمياً بأنه شعب يؤيد النظام الإيراني الديني ويدعي إلى التدين فقط، بل هو شعب لديه وجود وهوية والأمر لا يتعلق بالحجاب بل هي قضية دفاع عن الوجود، علماً أننا نرى خلال التحركات أن هناك نساء تخلعن الحجاب وتحرقنه وتقمن بقص شعرهن ولكن هذا الأمر يأتي تعبيراً عن الغضب ورفض الواقع".

وأشارت إلى أن الشعب الإيراني المنتفض اليوم لا يحصل على أي دعم دولي بسبب الاتفاقيات والمساومات والمطامع الدولية، لافتةً إلى أن الدعم الوحيد الذي تلقاه الشعب الايراني كان من دول الخليج التي أصلاً تقوم بقمع النساء وتسلبهن حريتهن، القضية أكبر من قصة حجاب بل هي مشكلة نظام ديني يفرض النظام الأبوي".

 

"ردود فعل جريئة وثورية"

وتعبّر الناشطة النسوية مريم سيف عن أسفها لمقتل مهسا أميني، وتقول "من المؤسف والمحزن أن نرى لغاية اليوم شابة في الثانية والعشرين من عمرها تُقتل بسبب ملابسها".

وأضافت "لطالما شهدنا اعتقالات لنساء بسبب ملابسهن، وهو أمر مؤسف تجاه النساء ليس فقط في إيران بل في العالم أجمع، هذا الأمر يشير إلى وضع النساء الصعب ومدى النضال الذي عليهن أن تبذلنه لكي تتخلصن من القيود المفروضة عليهن".

وعن ردود الفعل على مقتل مهسا أميني قالت "ردود الفعل طبيعية، فالنساء في الحكم الثيوقراطي يعشن معاناة ويُفرض عليهن أسلوب حياة معين خارج عن إرادتهن، وليس لديهن خيارات، على الرغم من أن ردود الفعل طبيعية ولكنها في الوقت نفسه جريئة وثورية في ظل العنف الذي يُمارس بحق النساء".

 

 

"لنتضامن"

وأكدت "بالرغم من دعمنا وتشجعينا الانتفاضة على الأنظمة الديكتاتورية التي تضطهد النساء باسم الدين، لكن هناك خوف على النساء في إيران، لأنهن تواجهن باللحم الحي بطش رجال الأمن وهو ما شاهدناه من خلال الفيديوهات المنتشرة".

وأوضحت إن "ردة الفعل طبيعية على العنف التي تمارس بحقهن، ولكن لا يجوز لردود الفعل أن تنحصر بإيران، لأن أي انجاز تستطيع أن تحققه النساء في إيران سينعكس على كل النساء في العالم، وتحديداً على الدول المحكومة بالنفوذ الإيراني وباقي دول المنطقة التي ستتأثر بحركة النساء الايرانيات"، مؤكدة على "أهمية التضامن معهن ليس فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا بل عبر تحركات أخرى تنظمها المنظمات أو الحركات النسوية في العالم".