"هُس" حملة تكشف المسكوت عنه من انتهاكات جنسية داخل الأسرة المصرية

واحدة من أسوأ الجرائم التي قد تحدث على الإطلاق اعتداءات الأقارب الجنسية على الطفل والتي يظل تأثيرها ملازم للضحية لسنوات طويلة، وعادة ما يكون رد الفعل تجاهها الصمت حرصاً على المجرم لأنه قد يكون فرد من الأسرة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ كشفت حملة "هُس" عن عدد من القصص لضحايا عانوا من انتهاكات جنسية داخل الأسرة، وكان لها صدى واسع في الآونة الأخيرة نظراً لحساسية المساحة التي اشتبكت معها والتي تمثلت في حالات لاعتداءات على فتيات في سن مبكر لا يسمح لهن بإدراك جم تلك الكارثة التي تعرضن لها.

الحملة التي انطلقت قبل شهر، لم تكتف بعرض بعض القصص التي وردت لهم من الضحايا وتنم عن حجم الوضع الكارثي والمعاناة التي تكبل الفتيات في سن مبكر ويجعلهن أسرى تأثيرها النفسي القاتل أحياناً لسنوات طويلة، ولكنها أيضاً خرجت بمجموعة من التوصيات من شأنها أن تسلط الضوء وتحد نسبياً من تلك الظاهرة المسكوت عنها مجتمعياً.

ويعد أسوأ ما في الانتهاكات الجنسية أنها تمارس من قبل أفراد لهم سلطة مجتمعية على الضحايا بل في بعض الحالات لا يحق الشكوى مما يقومون به من تعنيف، وقليلة هي تلك القضايا التي تنصف فيها الفتاة المتعرضة لهذا النوع من الانتهاك خاصةً أن الكثيرين لا يعترفون بالاعتداءات الشرجية كما سيرد في تقريرنا.

 

"نسعى لتسليط الضوء على الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة"

قالت المحامية النسوية ومؤسسة مبادرة سند للدعم القانوني للنساء نسمة الخطيب والتي أطلقت حملة "هُس" أن المبادرة استقبلت عدد من الشكاوى المرتبطة بالانتهاكات الجنسية من الأقارب ومن هنا تقرر تسليط الضوء على هذه الوقائع لحماية الفتيات في سن مبكر من هذه الاعتداءات.

وأكدت على أن "هُس" وهاشتاج "السكوت الاجباري" هو تعبير عن واقع المعاناة التي قيدت الضحايا وحرمتهم من الإفصاح عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم وهم صغار، بل وحالت ثقافة المجتمع دون تمكينهم من فضح المجرمين بعدما أصبحن شابات واقتصرت طموحاتهن فقط في الحصول على دعم نفسي للتمكن من التعافي.

وأشارت إلى أن الحملة استقبلت نحو 40 حالة وتم عرض تفاصيل ثلاثة قصص فقط منهم، معتبرةً أن هناك هجوم كبير لاحق الحملة وتم حظر نشر أخبارها في عدد من المواقع من بعض الشخصيات الفاعلة بها رغم ادعائهم تبني أفكاراً تنصف النساء وتدعم الحقوق، بالإضافة إلى سلسلة واسعة من الجدل والمزايدة على الحملة وأغلبها كانت من قبل رجال باعتبار أن مثل تلك القصص تسيء للمجتمع رغم أن هدفها الحث على الحذر والعمل على إنقاذ الفتيات في هذا السن.

 

محاور عمل الحملة

كشفت نسمة الخطيب، أن الحملة عملت على ثلاثة محاور رئيسية الأولى منها كانت نشر القصص وواقع الأزمات التي عانت منها الفتيات وما مروا به خلال رحلتهم من الطفولة حتى وصلوا لمرحلة الإفصاح بتوصيفات مختزلة عن واقع أزمتهم ومعاناتهم المستمرة وكيف أثرت على مسار حياتهم سلباً.

ولفتت إلى أن الحملة عملت على البحث في الأحكام السابقة ووجدت حكم عام 1995 استخدمت فيه المادة 17 في القانون لصالح فتاه قتلت والدها أثناء اعتدائه عليها على اعتبار أن ذلك حدث دفاعاً عن النفس، مضيفةً أن الحملة سلطت الضوء على مساوئ المادة 268 من قانون العقوبات الغير منصفة للفتيات والتي تعد أقصى عقوبة فيها 7 سنوات باعتبار أن الاغتصاب من فتحة الشرج هتك عرض، ولا يتم مساواتها مع الاغتصاب من فتحة المهبل مما ينتفي معه تحقيق العدالة للضحايا.

واستقبلت الحملة نحو 40 حالة لفتيات تعرضن لاعتداءات جنسية من الأقارب، جاءت أعمار أغلبهن وقت حدوث الواقعة أقل من 10 سنوات من قبل (الأخ ـ العم ـ الأب ـ الخال) والتي تراوحت أعمارهم بين (20 إلى 40)، كما جاءت أغلب القصص من محافظات (القاهرة ـ الشرقية ـ الدقهلية ـ الإسكندرية ـ الغربية ـ كفر الشيخ ـ المنيا ـ أسيوط ـ أسوان)، وجاءت أشكال الاعتداء (تحرش ـ هتك عرض ـ اغتصاب شرجي ـ اغتصاب مهبلي).

 

 ثلاثة قصص تم نشرها

 ثلاثة قصص كشفت حملة "هُس" عن تفاصيلهم، الأولى لفتاة في بداية العشرينيات وتعرضت للاعتداء من قبل أخيها "اغتصاب شرجي" وهي في التاسعة من عمرها، وكشفت أنها حاولت لسنوات تخطي هذا الحادث بلا جدوى حتى تكرر الفعل نفسه مع أختها الصغرى ومن ثم قرروا أن يبوحوا بالأمر للأم وكان ردها كارثي "مادام الوضع سليم ولم يحدث تهتك في الغشاء الدموي الأمامي فلا داع للفضائح"، ورغم حالة الرعب التي تحيا بها الفتاتين إلا أنهما لا تستطيعان تقديم بلاغات بما حدث واكتفوا بطلب الدعم النفسي وتمت إحالتهم لأخصائية نفسية.

وجاءت القصة الثانية لفتاة من محافظة الشرقية تعرضت لاعتداء جنسي وهي دون العاشرة من قبل عمها الذي كان في العقد الثالث من عمره، وتكرر الاعتداء على فترات متباعدة، وبعد سنتين من استمرار الأمر بكت الطفلة وأخبرت أمها بما حدث وقام الوالدين بفحصها طبياً ودعموها لدرجة الذهاب بها لطبيب نفسي وكانت هذه هي الحالة الوحيدة من الـ 40 واقعة التي ذهبت فيها الضحية لطبيب نفسي.

والقصة الثالثة لفتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، تحيا بأحد أحياء القاهرة والتي اعتدى عليها الجد جنسياً في سن الـ 9 سنوات، والأم هنا علمت بالأمر ولكنها صمتت خوفاً من المعتدي والـ "الفضيحة" واكتفت بطلب الطلاق من الوالد تاركة طفلتها كما وصفت في روايتها "بعارها ليصلحوا هم ما أفسدوه"، وتقرر تزويجها من ابن عمها باعتباره حل مناسب.

 

البيان الختامي والتوصيات

أصدرت مبادرة سند للدعم القانوني للنساء بياناً ختامياً حمل مجموعة من التوصيات الخاصة بحملة "هُس" التي انطلقت تحت هاشتاج "سكوت_إجباري"، وتم إطلاق إطلالة على مسار الحملة خلاله بداية من تسليط الضوء على قصص الفتيات اللواتي تعرضن للاعتداءات الجنسية من الأقارب والتي انتهت وفق البيان بالإجبار على الصمت التام منعاً للفضائح.

كما تم استعراض الشق القانوني الذي تم تسليط الضوء عليه في أكثر من موضع مشيرةً إلى واقع تطبيق القانون في مثل تلك الحالات، وتم التطرق من خلاله لحكم تاريخي صادر من محكمة جنايات المنصورة في القضية رقم (642) لسنة 1995، والتي تم فيها لأول مرة استخدام المادة رقم (17) من قانون العقوبات الخاصة بحق استخدام الرأفة، والتي جاء في آخرها "وبعد الاطلاع على مواد القانون حكمت المحكمة حضورياً بمعاقبة المتهمة بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامها بالمصاريف الجنائية وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة".

كما تم التعليق على المادة (268) من قانون العقوبات المصري الغير منصفة للكثير من الفتيات اللواتي تتعرضن للعنف الجنسي خاصة من قبل الأقارب لقصور الجرائم الموصفة حسب نص القانون، وعدم التفات المُشرع للاغتصابات الشرجية أو الفموية والتقليل من أثرها على الناجيات.

أما عن التوصيات فقد تمثلت في ضرورة العمل على إعداد وحدة متخصصة داخل أقسام الشرطة لاستقبال الناجيات من العنف، مطالبين البرلمان والجهات المختصة بمناقشة الجزء الخاص باعتبار الاغتصاب الشرجي جريمة هتك عرض وفق المادة (268)، وتغيير الوصف والقيد لتصبح جريمة اغتصاب كاملة يحكم فيها بالمادة (268) من قانون العقوبات ويُطبق عليها ذات العقوبة.

وتوجهت التوصيات أيضاً إلى وزارة التضامن ومطالبتها بضرورة تخصيص المزيد من البيوت الآمنة لاستقبال مثل تلك الحالات، مع توفير الدعم النفسي لهن، بالإضافة لمطالبة الدولة بعمل خط ساخن مُخصص لاستقبال تلك الحالات، وتقديم الحماية اللازمة لهن تجاه ما يقع عليهن من مضايقات.

وتوجهت حملة "هُس" أيضاً بتوصية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تطالبه بضرورة الأخذ بعين الاعتبار عمل إحصائيات حديثة، لمساعدة المجتمع المدني والمبادرات الشابة وكافة الجهات المختصة في مثل تلك القضايا ضمن التقارير التي يقوم بإصدارها.