هل تعالج أحكام الإعدام ما أفسدته ثقافة المجتمع؟
مع ارتفاع معدل جرائم قتل النساء الملحوظ في الشارع المصري، البعض رأى أن للأحكام المشددة الدور الأكبر بينما يرى آخرون أنه لا جدوى من قوانين غير مدعومة بالعمل الميداني على الثقافة المتجذرة مجتمعياً.
أسماء فتحي
القاهرة ـ "الإعدام شنقاً" جملة تقف عائقاً دون القدرة على التنفس بشكل طبيعي وكثيراً ما تقبض القلب، فهكذا انتهت حياة شخص وينتظر فقط التنفيذ. التعاطي مع هذا الأمر يعود لجانب رئيسي بأن العقوبة من نفس جنس العمل للردع وهو ما سيكون محل اهتمامنا في هذا التقرير.
خلال الأيام الماضية صدرت عدد من أحكام الإعدام في قضايا ارتبط الجزء الأكبر منها بقتل النساء ومنهم قاتل نيرة أشرف وشيماء جمال، ويرى عدد ليس بالقليل من الحقوقيين أن عقوبة الإعدام تردع المجرمين وتخيفهم وتقلل إلى حد كبير من معدل الجريمة، بينما يجدها آخرون أداة لا معنى لها خاصة بعدما فرض الواقع قانونه الخاص بزيادة معدل الجرائم التي يعد الحكم فيها بالإعدام أمر لا يقبل التشكيك خاصة في هذا النوع الأخير المرتكب في الطرقات العامة والغير إنسانية تجاه بعض الفتيات بالذبح والطعن العلني.
وقضية الإعدام شائكة إلى حد كبير ويعنينا فيها تبعاتها وتأثيرها المباشر على الواقع، وما إن كان للأحكام المشددة بشكل عام تأثير في تحجيم معدل الجريمة من عدمه، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت توالي في صدور أحكام الإعدام وكذلك مطالبة بزيادة معدلها في الجرائم التي انتهكت آدمية الفتيات وأودت إلى قتلهن في الشوارع وتم توثيق وحشيتها علناً.
فعل انتقامي ينتهك الإنسانية بلا جدوى
قالت الناشطة الحقوقية أسماء عبد الحميد، أن مصر قامت بالتصويت ضد إلغاء عقوبة الإعدام في أكثر من مؤتمر وموقفها واضح منها لا يقبل اللبس، معتبرةً أن التساؤل الأهم يكمن فيما وراء رغبة القائم على التشريع وإرادته فهل يرغب في وقف للجريمة أم للحياة.
واعتبرت أن الواقع أثبت أن ما حدث فقط هو مجرد وقف لحياة مرتكبي الجرائم ولم يجدي في معدلها الحقيقي، مشيرةً إلى أن تلك العقوبة تساهم في زيادة معدل الجرائم والرغبة في الثأر مستقبلاً ولا تحد منها.
وضربت أسماء عبد الحميد مثالاً بقولها "عقوبة الجرائم ليست بالضرورة أن تكون من نفس نوعها فلا يتم سرقة السارق لإشعاره بفعلته أو اغتصاب المغتصب"، مؤكدةً أن عقوبة الإعدام انتهاك واضح وصريح لأحد حقوق الإنسان الأصيلة متمثلاً بالحق في الحياة، مشيرةً إلى أن مواجهة العنف بعنف يزيد من حدة سلسلة العنف وممارسته وشرعنته المجتمعية في بعض الأحيان.
واعتبرت أن الإعدام فعل انتقامي وليس سعياً للعدالة، مؤكدةً أن خطورته تكمن في عدم القدرة في العدول عنه من جهة كما أنه انتهاك لأحد حقوق الإنسان الأصيلة وهو "الحق في الحياة"، مشيرةً إلى أنه ينفذ منذ آلاف السنين لينتهك الإنسانية بلا جدوى لأنه يرسخ لفكرة الثأر وينعكس على أفكار المجتمع.
الردع العام وحقيقته
اعتبرت رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، هبة عادل، أن تغليظ العقوبة لا يحقق الردع العام فجريمة القتل العمد بالظرف المشدد يعاقب فيها بالإعدام ومع ذلك لم تنتهي حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للوقائع الأخيرة فقد تمت معاقبة قاتل نيرة أشرف بالإعدام ومع ذلك تكررت نفس الجريمة بصور متعددة لاحقاً وهذا يمكن ترجمته بأن الحكم في حد ذاته غير مؤثر.
وأكدت على أن الضرورة تقتضي وجود موائمة مجتمعية تتناسب فيها العقوبة مع الجريمة وهو ما يعزز من فرص التحجيم لأن المبالغة في العقاب قد يكون له تأثير عكسي وبالتالي لا يحقق الهدف المرجو منه.
واتفقت معها أيضاً الناشطة النسوية نفيسة الصباغ، التي أكدت أن العقوبات لا تقضي منفردة على جريمة فالأهم أن تدرك طبيعة الجريمة وأسباب ارتكابها، وللحد من العنف المرتكب ضد النساء يجب الفهم الواعي لطبيعة ممارستها ووضعها في مكانها الصحيح دون مقارنتها بالجرائم العادية للوقوف بشكل أعمق على أسباب ارتفاع معدلها.
وأكدت نفيسة الصباغ، جوهرية القوانين وأهمية وجودها، إلا أنها على حد تقديرها بحاجة إلى وعي لإحداث تأثير لأن الاعتماد عليها منفردة لن يحدث فارق، معتبرةً أن الأزمة تكمن في الاستناد للشريعة بالأساس فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية وسيادة دور الرجل وهي مساحة أغلب المواطنين يركزون عليها وأدت لتراكم في العنف على مدى عشرات السنين وبالتالي لا يمكن معالجتها سريعاً.
بينما كشفت الناشطة الحقوقية، أسماء عبد الحميد، أن المواطن لا ينادي سوى بالعقوبة القصوى وفي السياق الذي تسمح به السلطات، وبالتالي في حال إقرار مبدأ السجن مدى الحياة على سبيل المثال كعقوبة مشددة لن تكون هناك مطالبة بالإعدام، مشيرةً إلى أن الاعدام ليس أداة ردع ووضح ذلك جلياً بعد صدور الحكم في قضية نيرة أشرف فقد ظلت التهديدات تتوالى على النساء في كل مكان وذلك الممارسة نفسها تكررت بنفس أداة الجريمة في أقل من شهر.
وأوضحت أن تغليظ عقوبة التحرش لم يمنع القيام به والأمر هنا يستدعي العمل على الشارع ومحاولة معالجة ما حدث من خلل في أفكاره مع حملات التوعية وتحسين الوضع الاقتصادي وغيرها من الأمور التي قد تساعد في تحجيم معدل العنف الممارس مؤخراً.
معدل الجريمة ارتفع أم تم تسليط الضوء عليها
"ليس بجديد" هذا ما أكدته الناشطة الحقوقية أسماء عبد الحميد، حينما عقبت على ارتفاع معدل الجرائم خلال الفترة الأخيرة، لافتةً إلى أن وسائل التواصل المختلفة سلطت الضوء على الجرائم واستدلت على ذلك بتجربة شخصية لها حينما "أثناء دراستي في المرحلة الابتدائية تغيبت المعلمة عن الحضور وحينما سألنا عن السبب في ذلك علمنا أنها ذبحت على يد شخص ما".
وارجعت زيادة معدل الجريمة والعنف الممارس على النساء مؤخراً إلى الإعلام بوجودها والتطور التكنولوجي الذي ساهم في نقل الأحداث سريعاً، معتبرةً أن للثقافة المجتمعية المتجذرة دور قوي في تفشي العنف الواقع على النساء فالبعض على أقل تقدير يرى أن المرأة كفرع الشجر إن مال وجب قطعه.
وضربت مثال بالقصص الشعبية والدرامية ومنه على سبيل المثال "شفيقة ومتولي"، الذي قام بذبح أخته وفصل رأسها عن جسدها وفي المحاكمة سأله القاضي عن السبب أخبره أن شجرتهم بها فرع مال ورغب في إزالته والقاضي حكم عليه بالسجن 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ والمواطنين يرونه رجل شرف أهله ويرددون سيرته على سبيل التفاخر وغيرها من الأفكار التي باتت طبيعية ومقبولة مجتمعياً.
بينما اعتبرت رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، هبة عادل، أن ارتفاع معدل الجرائم خلال الفترة الأخيرة في الشارع المصري يحتاج لبحوث اجتماعية نفسية، مشيرةً إلى وجود اضطراب سلوكي واضح فضلاً عن كبت من كلا الطرفين، مشيرةً إلى أهمية الدراسة لأنه بدون معرفة الأسباب ومعالجتها لن يتم التمكن من وقف الوحشية الممارسة في الشارع.
وأضافت أن أحد أهم أسباب ارتفاع معدل العنف على النساء مؤخراً تكمن في تساهل المجتمع مع الاعتداء على النساء واهانتهن بل وضربهن وحبسهن في المنازل، خاصةً إن كان ذلك من الأسرة بزعم التربية والتقويم ومسؤولية الرجال عن سلوك ذويهم من النساء.
حلول ومقترحات
طرحت هبة عادل مجموعة من آليات التعامل مع الأزمة الراهنة في الشارع المصري جاء في مقدمتها إيداع المجرمين مؤسسات إصلاحية واخضاعهم لعلاج نفسي مكثف، مشيرةً إلى أهمية العقوبات المتفاوتة حسب كل جريمة وظروفها، مضيفةً أن العمل على الشارع ضروري للغاية فيجب أن يدرك المجتمع التناسب بين الفعل والعقوبة وهو ما يحد من معدل التعاطف مع المجرمين.
واعتبرت أن الأمر بات يتطلب زيادة وتفعيل دور مراكز التأهيل، والدورات التوعوية مع المجتمع، والتشجيع على عودة الدور المجتمعي وخاصة في التصدي للجرائم من هذا النوع ومعرفة الناس أن الوقاية لمنع الجريمة أفضل من معاقبة الجاني، فضلاً عن ضرورة العمل على الإصلاح التشريعي في جو هادئ وعقلاني دون التأثر المباشر بانفعالات المجتمع الآنية.
وأكدت هبة عادل، أن الوضع الراهن بات يتطلب سرعة إصدار القانون الموحد للعنف ضد المرأة، وإنشاء مفوضية التمييز، وتطوير سياستي الإعلان والتعليم بما يجعل المرأة شريك رئيسي وأساسي فالمجتمع يملك قراره وليس تابعاً أو مملوكاً للغير سُلبت منه المواطنة الكاملة وأصبحت حقوقه منقوصة، وبالتبعية استمرار خطة إدماج المرأة الفعلي بعملية صنع القرار لتغيير نظرة المجتمع إليها.
بينما لفتت نفيسة الصباغ، إلى أن الوقت حان لمواجهة جرائم العنف بمختلف أشكالها وخاصة العنف الأسري لأنه أمر مقبول مجتمعياً، معتبرةً أن جرائم القتل الممارسة في الشارع تبدوا في سياق مقارنتها بما تقوم به الأسر من إجبار للفتيات على الزواج وبالتالي فمسألة حقها في القبول أو الرفض غير مستساغة عند البعض.
وأشارت نفيسة الصباغ، إلى أن أحد أهم الحلول الممكنة في التركيز على الجريمة وبناء الرفض المجتمعي لها من خلال الإعلام هي الفتاوى التي تحرم الاعتداء على النساء، إضافةً للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.
وأوضحت أن ما تقوم بها السلطات له دور أيضاً في الحد من معدل الجريمة، وكذلك المجلس القومي للمرأة ومختلف المؤسسات النسوية، وحملات التوعية على الانترنت، بالإضافة للمناقشات التوعوية على البرامج التلفزيونية المختلفة لما لها من دور هام في التعاطي مع قضايا النساء.