في تونس رضّع يباعون على رصيف مواقع التواصل... هل من مشتري؟
لا تزال الإعلانات والمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تونس لبيع الرضّع في تزايد، حيث باتت ظاهرةً مخيفة تقلق التونسيين خاصة مع بروز دراسات تقول إنّ نسبة الاتجار بالبشر قد ارتفعت منذ 10 سنوات بشكل مرعب
زهور المشرقي
تونس - لا تزال الإعلانات والمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تونس لبيع الرضّع في تزايد، حيث باتت ظاهرةً مخيفة تقلق التونسيين خاصة مع بروز دراسات تقول إنّ نسبة الاتجار بالبشر قد ارتفعت منذ 10 سنوات بشكل مرعب.
سجّلت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في نيسان/أبريل 2021، أرقاماً مفزعة تتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال وارتفاع جرائم بيع الرضع، إذ تمّ تسجيل 907 حالات اتجار بالبشر من بينها 73.7 بالمئة تعلقت بالأطفال، كما ارتفع الاستغلال الجنسي لهم بنسبة 180.6% مقارنة بعامي 2019 و2020.
ويعرّف القانون التونسي رقم 61 المؤرخ في 3 آب/أغسطس 2016، الاتجار بالبشر في فصله الثاني بأنه "استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تحويل وجهتهم، أو ترحيلهم أو إيوائهم، أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما، أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية، أو مزايا أو عطايا أو وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أياً كانت صوره، سواءً من طرف مرتكب تلك الأفعال أو بوضعه على ذمة الغير لاستغلاله. ويشمل الاستغلال، بغاء الغير أو دعارته أو غيرها من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو التسول أو نزع الأعضاء أو الأنسجة أو الخلايا أو الأمشاج أو الأجنة أو جزء منها أو غيرها من أشكال الاستغلال الأخرى".
وكشفت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي، أنّ "جرائم استغلال الأطفال وبيعهم في تونس شهدت تنامياً مخيفاً في منسوبها وتطوراً بشعاً في أشكالها".
وأفادت روضة العبيدي، في جلسة استماع عقدتها لجنة المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين بمجلس نواب الشعب (البرلمان) في الثاني من نيسان/أبريل الماضي، بأن جرائم استغلال الأطفال والنساء أصبحت "مستحدثة ومبتكرة"، حيث ترتكز جلها على استغلال الفضاء السيبراني، لتنفيذ عدد من الجرائم ومن أبرزها جرائم بيع الرضع التي ارتفعت بنسبة 65.5 بالمائة سنة 2020.
وحذّرت روضة العبيدي من تنامي هذه الظاهرة التي ارتفعت وتيرتها بعد أحداث ما سمي "الربيع العربي" في عام 2011، وأصبحت مقلقة خاصةً بعد توسّع نشاط المافيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأضحت تعمل في العلن دون خوف ولا ريبة.
وشددت على أن هذه العصابات تقوم باستقطاب الفتيات الحوامل خارج إطار الزواج عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتوفير جميع احتياجاتهن من إحاطة صحية ومالية وإقامة، طيلة فترة حملهن، مقابل تنازلهن عن مواليدهن ليتم بيعهم فيما بعد.
بدورها ترى القاضية نجلاء بن رمضان، في حديث مع وكالتنا أنّ سن القوانين يبقى غير كافٍ، لافتةً الانتباه إلى أن قانون العقوبات ضد الاتجار بالبشر تصل مدّته إلى 10 سنوات سجناً لكل شخص عمل على احتجاز أو حبس أي شخص آخر لأغراض العمل القسري، كما تصل العقوبة إلى خمس سنوات سجناً بتهم البغاء القسري مع النساء والأطفال.
وأشارت إلى أن الاتجار بالبشر يعتبر من الجرائم الجديدة في تونس، والتي تندرج ضمن القانون العام والعقوبات العامة.
ورغم أن التشريعات التونسية ثرية بالقوانين الرامية إلى حماية حقوق الطفل ومكافحة جميع أنواع الاستغلال التي يتعرض لها، إلا أن الأرقام الرسمية تكشف ارتفاعاً سنوياً مستمراً في الاعتداءات على الأطفال بجميع أعمارهم ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية.
وفي إجابة على سؤال وكالتنا عن مدى نجاعة الوسائل الحمائية بشأن الاتجار بالبشر وخاصة الأطفال الرضّع، شدّدت على أن تلك الوسائل ظلّت قاصرة بسبب الوضع العام الذي تمرّ به البلاد والتقصير من قبل كل الجهات انطلاقاً من مندوب حماية الطفولة إلى الأمني إلى القانون.
وأكدت أن "الوسائل الموجودة والقوانين ظلت صورية ولم تقدم الدور الصحيح لمكافحة كل هذه الجرائم المنظمة التي تمسّ الطفولة وتستهدفها، ما جعل مثل هذه الممارسات تتفشى بنسب أكبر وأفظع".
بدورها قالت المحامية أمل طياشي، "إن القانون عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته تضمّن إقراراً صريحاً يتعهد الدولة بتوفير آليات الحماية للضحايا، لكن الجهود المبذولة في هذا المجال بقيت ضعيفة نسبياً، ويعود ذلك إلى عدم توفر الموارد المالية اللازمة حيث ظلت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص تعمل دون أن تُرصد لها اعتمادات خاصة".
ولاحظت أمل طياشي أن تحديات كثيرة برزت أدت إلى عرقلة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية وتتمثل خاصة في الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تلقي بالضحايا وتجعلهم لقمةً سائغة يستغلها مرتكبو جرائم الاتجار بالأشخاص.
ولتجاوز هذه العراقيل، أكدت على "ضرورة توفير الدولة كل الاعتمادات المادية والبشرية الكفيلة بجعل الهيئة تعمل في أفضل الظروف، فضلاً عن أهمية توسيع التعاون الدولي في هذا الإطار والأخذ بالتجارب الناجعة لدى الدول التي تمكنت من تجاوز مختلف الصعوبات والعراقيل، ومن بينها كندا التي تمكنت من تطوير آليات المساعدة إلى حد إنشاء موقع "ويب" يمكن الولوج إليه عبر 14 لغة، ويقوم بالإعلان عن وجود الحالات ومساعدة الضحايا خاصة من الرضّع والأطفال أينما وجدوا".
بدورها ترى المختصة في علم الاجتماع مروة حمدي، أن بعض الأولياء يعتبرون أبناءهم ملكاً يحق لهم تقرير مصيرهم في التعليم والزواج والسفر وحتى البيع، مشيرةً إلى أن هذا التفكير سائد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي عقلية مسمومة وجب القضاء عليها ومحاربتها قبل الحديث عن إمكانية تحوّلها إلى ظاهرة عامة "ظاهرة التملّك الأبوي''.
وأضافت "من المحزن حقاً أن نرى أبناءنا وهم مستقبل بلادنا يتم استغلالهم وبيعهم في سوق مواقع التواصل الاجتماعي"، متسائلة "من يتحمّل المسؤولية في ذلك... نحن أم دولتنا، أم الأم التي تسلّم فلذة كبدها مقابل حفنة من الدنانير؟".
وتطرقت مروة حمدي، إلى بعض الدوافع والأسباب قائلة "إن إقدام الأم على بيع جزء منها يكون أحياناً سببه الفقر والخصاصة والحرمان، وفي رؤية أخرى ترى أن إنجاب طفل بطريقة غير شرعية يمثل عاراً لها ولعائلتها فتضطر إلى بيعه ظناً منها أنها تخلّصت من عار قد يلاحقها عمراً، متناسية تأنيباً وعذاباً يظلان يلاحقانها دهراً".
وترى محدثتنا أن عامل الخوف من الفقر والحرمان لدى بعض الأولياء يدفع البعض إلى بيع أبنائهم، فيما يدفع الخوف بعض الفتيات اللواتي ينجبن خارج إطار الزواج إلى الإقدام على مثل هذا الإجراء الذي لا يتسامح إزاءه القانون التونسي أو الدولي.
وتحدثت أيضاً عن أن "بعضهن يُدفعن إلى بيع فلذات أكبادهن بسبب منظومة اجتماعية واقتصادية وفكرية وقانونية مهترئة بحاجة للنظر والمراجعة".
وتدعو مروة حمدي إلى العمل أولاً على تغيير العقليات، وسنّ قوانين صارمة غير متسامحة مع مثل هذه الجرائم كما تعاقب فعلياً الأولياء الذين يبيعون أبناءهم بأي شكل من الأشكال، وتنفيذ هذه القوانين بشكل جاد.
وشددت على أهمية توفير أماكن لإيواء الفتيات الحوامل على غرار ما تقوم به جمعية "بيتي"، حتى لا يُدفعن تحت أي ظرف إلى بيع أبنائهن واستغلالهن من قبل عصابات خطيرة متاجرة بالبشر وبمشاكل الناس وهمومهم.