بين ذهنية المجتمع الرجعية وتساهل القضاء... جرائم قتل النساء في ارتفاع
بين جريمة بلدة أنصار في جنوب لبنان، التي ذهبت ضحيتها باسمة عباس وبناتها الثلاث منال وريما وتالا صفاوي في آذار/مارس الماضي وبين جريمة رولا يعقوب مسيرة طويلة من العنف الممنهج ضد النساء
لماذا؟ هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الأغلبية عندما تتعرض امرأة للعنف أو للقتل على يد زوجها أو شقيقها أو خطيبها أو والدها، أو أي شخص آخر.
كارولين بزي
بيروت ـ بين جريمة بلدة أنصار في جنوب لبنان، التي ذهبت ضحيتها باسمة عباس وبناتها الثلاث منال وريما وتالا صفاوي في آذار/مارس الماضي وبين جريمة رولا يعقوب مسيرة طويلة من العنف الممنهج ضد النساء، في مجتمع جلّ اهتمامه معرفة السبب لا معاقبة المجرم، في محاولة لتبرير جريمته.
"تلكؤ القضاء بقضايا النساء"
ما أن تقع جريمة ضحيتها امرأة، حتى تبدأ التحليلات والأسئلة حول "ما الذي فعلته؟"، "ما الذي دفعه إلى قتلها؟"، "ربما كان غاضباً"، أعذار وأعذار في محاولة للتخفيف من هول الجريمة، في محاولة لإلقاء المسؤولية على الضحية.
ولم يكن ينقص مجتمعاتنا الأبوية إلا مواقع التواصل الاجتماعي التي يُفرغ روادها ذكوريتهم على صفحاتها، بتحليل الأسباب والبحث للوصول إلى ما يعتبرونه حقيقة ترضي مخيلتهم وذكوريتهم.
مع اختفاء باسمة عباس وبناتها الثلاث في 2 آذار/مارس الماضي، أقفلت المدعية العامة القاضية غادة أبو علوان التحقيق من دون الوصول للحقيقة، من دون أن تبحث عن خيوط أو تربط تناقضات أثارت الشكوك حول الجاني على الرغم من أنه خضع للتحقيق مرتين، معتبرةً أن غياب الأم وبناتها هو بسبب مشاكل عائلية نظراً لأن الوالدة منفصلة عن الزوج زكريا صفاوي، ولكن اتضح لاحقاً أن حسين فياض الذي ادّعى بأنه مغرم بابنتها تالا قام بقتلها مع بناتها الثلاث برفقة شريكه حسن الغنّاش.
وعلى أمل أن يتم الاقتصاص من القتلى في قضية باسمة وبناتها، وألا يتلكأ القضاء بمتابعة هذه القضية، كغيرها من القضايا التي تتعلق بالعنف ضد النساء. فمثلاً بعد مرور تسع سنوات وإصدار حكمين بالبراءة، أصدرت محكمة التمييز برئاسة القاضية رندة كفوري حكمها بالسجن على المتهم كرم البازي زوج الراحلة رولا يعقوب، وذلك بالأشغال الشاقة لمدة 5 سنوات بتهمة تسببه بقتل زوجته، وألزمته بدفع تعويض لوالدتها قدره 300 مليون ليرة لبنانية.
"نفتقر للعدالة في قضايا النساء"
وعن تلكؤ القضاء في قضايا العنف ضد النساء والمماطلة في إصدار الأحكام، تقول المحامية في قسم الدعم في جمعية "كفى" فاطمة الحاج لوكالتنا "في العام 2014 تم إقرار قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وبالتالي أصبحت المرأة التي تتعرض للعنف من قبل أسرتها قادرة على اللجوء إلى القضاء ولاسيما قضاء العجلة. كما أن هذا القانون يشدد العقوبة على الجرائم المرتكبة بحق المرأة".
وأوضحت "منذ العام 2014 ولغاية اليوم هناك مئات الشكاوى في النيابة العامة من قبل نساء تعرضن للعنف الأسري، وقد استندن إلى قانون العنف الأسري الذي يشدد العقوبة. نحن نفتقر للعدالة ولصدور قرارات بهذا المجال"، وتتابع "تتقدم المرأة بشكوى لدى المخفر حيث يتم التحقيق معها وتدّعي على المعنف، ويذهب الملف إلى النيابة العامة. ولكن من خلال متابعتنا نجد أن العدد الأكبر من هذه الشكاوى يتم حفظه على الرفوف، ولا يتم استكمال الادعاء على الجاني بجرم على الرغم من أن المادة 555 من قانون العقوبات تشدد العقوبة على المعنف، ولكن في إطار التطبيق تقوم النيابة العامة بحفظ الملف، وفي حال ادّعت النيابة العامة بالجرم الأسري تبقى الدعوة لسنوات".
وتفند ذلك لعدة أسباب وتقول "أولاً التباطؤ بسبب قلة عدد القضاة، وكذلك بعد جائحة كورونا أدركنا بأن النساء والأطفال كانوا الأكثر عرضةً للعنف الأسري خاصةً في مرحلة الحجر، ما زاد من وتيرة العنف. وبالتالي، انعكس انتشار الوباء على المحاكم، إذ أن المدعين العامين لم يقوموا بإيقاف أحد لأن النظارات كانت مكتظة ما يستوجب عليهم إجراء فحوصات كورونا للموقوفين وذلك سيرتب أعباءً إضافية على الدولة التي تعاني من ضائقة اقتصادية".
"هذه العوامل تعيق العدالة"
وأضافت "وصلنا إلى العام 2022 مع انهيار اقتصادي حاد، ونشهد حالياً اعتكافاً إما من القضاة أو من المحامين، بالإضافة إلى الإضرابات المتكررة، إذ أن نظارات قصور العدل مظلمة بسبب انقطاع الكهرباء، وبالتالي لا يمكننا أن نلقي باللوم على الموظف إذا لم يكتب الشكوى أو القاضي إذا لم يتابع القضية لأنهم يعملون على ضوء الهاتف".
كل هذه العوامل تعيق العدالة بالإضافة إلى أن لدينا عقلية رجعية تسيطر على ذهنية القضاة، فهناك قضاة يقومون بالإسراع بالمحاكمات بهدف مناهضة العنف ضد المرأة، وهناك قضاة لديهم عقلية أبوية يقومون بتأجيل هذه القضايا وبالتالي هذه جميعها عوامل تعيق وصول النساء إلى العدالة.
وتعليقاً على تلكؤ القضاء بمحاكمة الجناة في قضايا قتل النساء في الفترة ما بين عامي 2014 ـ 2019 أي قبل انتشار وباء كورونا وتردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان، تقول "القوانين تردع ولكن هذا لا يعني أنها لا تُخرق، أما الجديد الذي لم يعتد عليه مجتمعنا فهو تسليط الضوء على هذا النوع من القضايا أي قضايا العنف ضد المرأة. توجد جمعيات أهلية نسوية تحوّل قضايا قتل النساء والاستخفاف بقضاياهن من قبل العقلية الرجعية الحاكمة إلى قضية رأي عام، إذ تُقتل النساء بحجة الشرف والتشكيك بسلوكياتهن الاجتماعية في حال خرجن من منازلهن أو اشتكين على أزواجهن، والسؤال الذي يتم طرحه مباشرةً "ما الذي فعلته؟ لا يقولون بأن هذا جرم يجب المعاقبة عليه... هذه القضايا كانت من المحظورات وكان يُعفى الجاني من العقاب بحجة أنه يدافع عن شرفه أو بحجة أنه غاضب. نتيجة المسار الطويل والنضال النسوي أصبح الجاني يُحاكم".
وأضافت "البطء في القضاء هو بسبب التدخلات السياسية، إذ توجد منظومة قضائية تابعة للسلطة السياسية وهذه السلطة في لبنان فاسدة وتتباهى بأنها تتدخل بالقضاء، وبالتالي هذه المنظومة تحمي العقلية الذكورية ما ينعكس على عدم رغبتها في إصدار أحكام لصالح النساء".
"الجرائم لا تُبرر"
وعن كيفية تعاطي القضاء والنيابة العامة تحديداً بقضية باسمة عباس وبناتها، تقول "في جريمة سابقة، وقعت في مدينة النبطية وفي حالة مشابهة لقضية باسمة وبناتها، ادّعى الجاني عند المدعي العام بأن زوجته اختفت، وما أن اكتشفت القاضية أن هناك تضارب بالمعلومات التي أدلى بها زوج سلام محمد المختفية حينها، قامت بتوقيفه ونتيجة التحقيقات تبين فعلاً أنه من قام بقتل زوجته ودفنها في حديقة المنزل".
وأضافت "لكن العكس حصل في قضية باسمة عباس التي بالرغم من التضارب بين المعلومات وإفادة الجاني أطلق سراحه ولم يتم توقيفه، وهذا دليل أنه لا يوجد تعاطف بل استخفاف بقضايا العنف ضد المرأة، وكأن هناك حكم مسبق بأن هناك مشاكل عائلية بين الزوجة وبناتها ووالدهن بما أن الأم مطلقة، وبأن النساء الأربعة قد غادرن المكان. وهنا نجد أن القضاء وصم النساء الأربعة بوصمة العار بأنهن خرجن عن المسار المرسوم لهن وبالتالي من غير الضروري أن نسأل عنهن، وهذا الأمر كان فاجعة بحق النساء اللواتي قتلن وبالنساء اللواتي يتعرضن للعنف ولا يتابع القضاء قضاياهن، وذلك سيساهم في زيادة وتيرة الجرائم ضدهن".
وتعليقاً على طريقة تعامل المجتمع مع قضايا قتل النساء، تقول "الجرائم لا تُبرر. إذ نعيش في مجتمع يبرر قتل النساء وقانون متساهل. وبالتالي تساهل القضاء بعدم أخذ قضايا النساء والجرائم التي ترتكب بحقهن على محمل الجد، وبعدم إصراره على إحقاق الحق والضرب بيد من حديد، يساهم في ارتفاع نسبة الجريمة. مثلاً صدر مؤخراً الحكم بحق زوج رولا يعقوب الذي قتلها في العام 2013، إذ تم تبرئة قاتلها مرتين، ولكنه عندما حوكم وفقاً للمادة 550 أي تسبب بالإيذاء هنا لأن القضاء قرر الضرب بيد من حديد ولأن قضية رولا يعقوب تحولت من قضية خاصة إلى قضية رأي عام أصدر القضاء الحكم عليه بالعقوبة القصوى وهي خمس سنوات".
واختتمت المحامية فاطمة الحاج حديثها بالقول "لا يتم التعامل مع قضايا النساء بجدية إلا عندما يتم تسليط الضوء عليها من قبل الإعلام والجمعيات النسوية، أي عندما يتم تحويل القضية إلى قضية رأي عام، وذلك من خلال الضغط الذي تشكله الجمعيات النسوية وعندها نصل إلى أحكام منصفة ولكن في الخبايا ودروج المحاكم يوجد آلاف الشكاوى والدعاوى التي تطالب فيها النساء بالعدالة إلا أن الذهنية الرجعية والتلكؤ والبطء والاستخفاف بالإضافة إلى ثقافة الإفلات من العقاب كلها تساهم في إيجاد هذا النوع من الجرائم".