بعد وصول حالات الطلاق إلى ذروتها... توجه جديد للناخبة العراقية وتحذير من تعديل المادة ٥٧
حذرت نساء عراقيات من تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية في البلاد الخاص بحضانة الأطفال، في الوقت الذي أكد فيه حقوقيون أن نسب حالات الطلاق بدأت تدق ناقوس الخطر
غفران الراضي
بغداد ـ .
تصدرت المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية حديث الشارع العراقي منذ طرحها لقراءة أولية في مجلس النواب، مطلع حزيران/يونيو الماضي، وانقسم الرأي العام بين مؤيد لها ومعارض يبدي تخوفه من "سلب الأطفال من أمهاتهم بعد الانفصال عن الزوج"، في الوقت الذي ارتفعت فيه نسب الطلاق في البلاد مع بداية عام 2021.
بحسب تقرير السلطات القضائية العراقية الذي نشر في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، تم تسجيل أكثر من 200 حالة طلاق باليوم الواحد، فقد بلغ عدد حالات الطلاق في آب/أغسطس الماضي فقط نحو 6250 حالة طلاق، حيث تقع كل يوم 210 حالات طلاق تقريباً، أي بواقع 9 حالات في الساعة الواحدة.
وتنص المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي عدد 188 الصادر عام 1959، على أن "الأم أحق بحضانة الطفل وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك"، ويشترط أن تكون "الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون".
ويقول الفصل الخامس من المادة "إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار".
أما التعديل المنظور فيقترح أن تكون الأم المطلقة أحق بحضانة الطفل حتى يتم السابعة ويشترط عدم زواجها لأخذ الحضانة، ما يعني حرمان الأم من الأحقية في حضانة أبنائها عندما يتموا السابعة من العمر وحرمانها من الأحقية في الحضانة مباشرةً إذا تزوجت مرة أخرى، إلا أنه لا يشترط على الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء، كما ويعتبر التعديل الجد من الأب أحق بالحضانة من الأم في حال توفي الأب أو انتفت لديه شروط الحضانة.
تقول (م.ع) البالغة من العمر 25 عاماً وأم لطفلين، أنها طلبت الطلاق في الأيام الأولى من زواجها بعد تعرضها للعنف الزوجي لأسباب تعتبرها "تافهة" تتعلق بطريقة تقديم الشاي لوالدته التي يعتبرها المجتمع العراقي من العادات وواجبات الضيافة، "بعد مرور 20 يوماً فقط على زواجي، صدف وأنني قدمت الشاي لزوجي قبل والدته ما أثار غضبهما ليقوم زوجي وينهال عليَّ بالضرب".
وعن ردة فعل عائلتها على تعرضها للعنف تقول إن عائلتها أبدت ردة فعل باردة جداً وكأنها هي من أخطأت، وعند طلبها للطلاق رفض والدها الفكرة من جذورها، طالباً منها التزام كلام وتعليمات زوجها، لتبقى (م.ع) تعاني وتتعرض للعنف طيلة 7 سنوات، إلى أن انتهى بها المطاف برفع قضية خلع والانفصال عن زوجها بعد وفاة والدها.
لم تنتهي معاناة (م.ع) هنا، بل استمرت حتى بعد طلاقها، فعائلتها بدأت تضغط عليها للتخلي عن حضانة أطفالها، لذا اتخذت قرار التخلي عن عائلتها واستئجار منزل صغير تعيش فيه مع أولادها، وتعمل في روضة للأطفال لتلبي احتياجاتها المادية بعد أن تنازلت عن النفقة لزوجها مقابل الكف عن مضايقتها والتخلي عن حضانة الأطفال قانونياً.
تعتقد (م.ع) أن القانون العراقي يجحف بحق النساء ويتنصل عن حمايتهن، وتخشى من إجراء تعديلات على المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية بعد الانتخابات التشريعية التي انطلقت الأحد 10تشرين الأول/أكتوبر، الذي من الممكن أن يساهم في سحب حضانة طفليها منها، مشيرةً إلى أنها ستختار المرشح الذي سيدافع عن حقوق المرأة ويمرر القوانين التي تحمي المرأة والطفل أيضاً.
بينما يختلف الوضع مع (ف.س) البالغة من العمر 32 عاماً، وهي معلمة وأم لثلاثة أطفال، فقد كان قرار الانفصال عن زوجها صعب جداً بالنسبة لها، إلا إنه الحل الوحيد لتنقذ نفسها وأطفالها من العنف الأسري الذي كانوا يتعرضون له من قبل زوجها "كان يعنفني ويعنف الأطفال إن لم اسلمه راتبي الشهري، ليصرفه على نفسه ويرتاد الملاهي الليلية، لأبقى وأطفالي نعاني طول الشهر ويعيد الكرة في الشهر القادم".
وعن ردة فعل عائلتها تقول "بعد وفاة والديّ أصبح إخوتي مشغولين بعائلاتهم ولا أحد يهتم لأمري، وهو ما شكل لي نقطة ضعف أخرى أمام زوجي الذي أصبح أكثر عنفاً".
وعن قرار الطلاق الذي اتخذته تقول "في يوم ما وبينما زوجي كان يعنف ابني الأكبر الذي كان يبلغ من العمر 11 عاماً، ركض ابني لحضني وقال لي أنقذيني، حينها عرفت أن انقاذه الفعلي يكمن في الانفصال وطلب الطلاق".
وتخشى من إن موافقة السلطات على قانون التعديل الخاص بالمادة 57 لسحب الحضانة من الأم والذي يتم قراءته تقول "أنه قانون ذكوري بحت، لا يهتم لمصلحة الطفل ولا حقوق المرأة".
وتجد الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل حوراء الموسوي، أن معدلات الطلاق وصلت لارتفاع مرعب وخاصة في محافظة بغداد "عدد حالات الطلاق وصلت في آخر حصيلة شهرية لهذا العام إلى 8245 حالة في خمسة عشر محافظة عراقية، وفي بغداد فقط وصلت إلى حوالي ثلاثة آلاف حالة حسب الوثيقة الصادرة عن القضاء العراقي".
وعن أسباب الطلاق تؤكد حوراء الموسوي أن الزواج المبكر يشكل العائق الأكبر أمام تكوين حياة زوجية ناضجة بسبب عدم الاستعداد النفسي للزوجين، إلا أن الظلم الأكبر هو تسليع المرأة بعد الطلاق ومحاولة سحب حضانة الأطفال وفق مسودة تعديل المادة ٥٧ الذي يحتوي نقاط تتمثل بسحب حضانة الطفل بعد العامين في حالة زواجها، وابقاء حضانة الطفل حتى بلوغه عامه السابع إن لم تتزوج.
وتعتقد حوراء الموسوي أن القانون المعدل ينتهك أيضاً حقوق الطفل ويجعل منه سلعة للنزاع بين الأبوين "القانون ينفي حق المرأة بالزواج ويلحق الأذى النفسي بالمرأة وينتهك أمومتها".
بينما أكدت الناشطة النسوية وممثلة حملة "النساء ضد تعديل المادة ٥٧" غزل الخزعلي، أن هناك توجه للنساء لاختيار المرشحين اللذين لهم مواقف سابقة في الدفاع عن حقوق النساء "تبحث النساء خلال الانتخابات الجارية عمن يكون له صوت مدوي في الدفاع عن حقوقهن وحقوق أطفالهن".
وأشارت إلى أنه هناك تحرك نسوي للمشاركة في الانتخابات لتغيير واقع المرأة العراقية للحاجة الماسة لتمرير القوانين المهمة الخاصة بالمرأة، وطالبت بالعمل على القوانين التي تخدم الأسر العراقية كاملة، كقانون العنف الأسري للحفاظ على الأسرة من التفكك، وفي الوقت الذي تشارك به غزل الخزعلي في الانتخابات كناخبة ومراقبة تدعو النساء للمشاركة الفعالة للتغيير.
وأطلق ناشطون حقوقيون حملة "النساء ضد تعديل المادة 57" على منصات التواصل الاجتماعي، لرفض فقرات عدّة في مشروع تعديل القانون، ونظم الناشطون عدة وقفات احتجاجية لوقف النظر في تعديل المادة.