اتفاقية اسطنبول... أول اتفاقية أوروبية مخصصة لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري
وقعت العديد من الاتفاقيات حول العنف ضد المرأة خلال العقود السابقة، وكانت اتفاقية اسطنبول التي وقعت في عام 2011، أول اتفاقية أوروبية خاصة بمنع ومكافحة العنف الأسري
مركز الأخبار ـ الذي تتعرض له المرأة بشكل كبير.
لا تزال ظاهرة العنف ضد المرأة تشكل أسوأ وأكثر الانتهاكات الممارسة ضد حقوق الإنسان حول العالم والتي تأججت في ظل جائحة كورونا نتيجة سياسة الإغلاق التي نفذتها العديد من البلدان، حيث احتجزت النساء مع معنفهن في المنازل، بالرغم من إصدار اتفاقيات خاصة بالقضاء على العنف ضد النساء مثل الاتفاقية الشاملة لحقوق المرأة "سيداو" واتفاقية القضاء على العنف المنزلي "اتفاقية اسطنبول" وإعلان ومنهاج عمل بكين عن المؤتمر العالمي الرابع للمرأة.
وتعد اتفاقية المجلس الأوروبي حول منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري المعروفة أيضاً باتفاقية اسطنبول نسبة إلى المكان الذي تم توقيعها فيه، بأنها أول اتفاقية أوروبية مخصصة للتعامل مع العنف الأسري ضد المرأة، وأداة مساعدة للمنظمات الغير حكومية للقضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء وإحداث تغيير حقيقي في مجال مكافحة العنف.
وتتناول اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري جميع أشكال العنف ضد النساء، وملزمة على الدول التي صادقت عليها، وعلى الرغم من أنها مفتوحة للتوقيع عليها من قبل كافة الدول الغير أعضاء في المجلس الأوروبي إلا أن الدول العربية لم توقع على الاتفاقية بعد.
مبادرات وتحركات المجلس الأوروبي
بدأ المجلس الأوروبي المكون من 47 دولة أوروبية لإعداد اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري عن طريق تنفيذ مجموعة من المبادرات لتعزيز حماية المرأة من العنف منذ فترة التسعينات بالإضافة لإطلاقها حملة في كافة أنحاء أوروبا من عام 2006 لغاية عام 2008 لمحاربة العنف ضد المرأة بما فيه العنف الأسري، ثم أنشأت لجنة خبراء مكونة من ممثلين حكوميين عن الدول الأعضاء في المجلس، كانت مهمتها البحث عن سبل إنهاء كافة أشكال العنف ضد المرأة والعنف الأسري.
وقد صدر نص مشروع اتفاقية اسطنبول التي تصف العنف ضد المرأة بأنه انتهاك لحقوق الإنسان وشكل من أشكال التمييز ضدها، في كانون الثاني/ديسمبر 2010 بعد نقاشات واجتماعات استمرت على مدى عامين ظهرت خلالها اختلافات كبيرة بوجهات النظر في مواجه العنف ضد المرأة والعنف الأسري.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية تلزم موقعيها بمكافحة التمييز ضد المرأة بكافة أشكاله، وخاصة العنف المرتكب من قبل أفراد الأسرة إلا أن الدول الموقعة لا تزال تشهد نسب مرتفعة من العنف ضد المرأة.
التوقيع والتصديق
فُتح باب التوقيع والتصديق على الاتفاقية في 11 أيار/مايو 2011، لتستقبل 13 دولة موقعة، وبالتزامن مع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 آب/أغسطس 2014 عقب الحصول على 10 تصديقات ثمانية منها لابد وأن تكون من دول أعضاء في المجلس الأوروبي، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً طالبت فيها حكومات مختلف الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بالتصديق على وجه السرعة على الاتفاقية، وبحلول تشرين الأول/أكتوبر 2016 وقع على الاتفاقية 42 دولة وصادق منهم 35 دولة فقط، وفتح باب التوقيع عليها أمام الدول الغير أعضاء في المجلس الأوروبي أيضاً، كما ووقع الاتحاد الأوروبي على الاتفاقية في حزيران/يونيو 2017.
تطبيق الاتفاقية
يتعاون فريق الخبراء المعني بمكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي ولجنة الأطراف التي تتألف من ممثلين عن الدول الأطراف في الاتفاقية ممثلين وكالتين منفصلتين على تقييم وتحسين تطبيق الاتفاقية وتفعيلها من قبل الدول المصادقة عليها، وتدعى تلك المجموعة بـ "GREVIO".
أهداف الاتفاقية
تهدف الاتفاقية إلى حماية الضحية ومنع إفلات الجناة من العقاب، ومحاكمة مرتكبي العنف ضدها وتنفيذ العقوبات بحقهم، من خلال 81 مادة تنقسم إلى 12 فصل، ترتكز على أربع أسس هي المنع، الحماية، دعم الضحايا ومحاكمة المجرمين والسياسات المتكاملة.
كما وتهدف إلى التعاون بين الدول لمساعدة الناجيات من العنف، وتوفير الدعم السياسي والمالي لعمل منظمات المجتمع المدني، وتعترف بالدور البارز الذي تقدمه المنظمات الغير حكومية من خدمات لضحايا العنف، وتستند الاتفاقية على التزامات حقوق الإنسان الدولية.
وتلزم الدول باتخاذ التدابير التشريعية والغير تشريعية لضمان الاعتراف بأن العنف القائم على أساس الجندر الممارس ضد النساء يمثل أساساً مقبولاً للتقدم بطلب اللجوء، وتسعى إلى حصول النساء والفتيات اللواتي يعانين من العنف القائم على أساس الجندر على الحماية في دولة أخرى إذا أخفقت دولتهن في منع الاضطهاد أو توفير الحماية الكافية والانتصاف الفعال لهن.
ووضعت الاتفاقية مجموعة من الممارسات التي تدخل في نطاق تعنيف المرأة وفرضت على الدول المصادقة تجريم مرتكبيها وهي "العنف النفسي، الترصد، العنف الجسدي، العنف الجنسي بما فيه الاغتصاب، الزواج القسري، تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، الإجهاض الإجباري، التعقيم القسري"، بالإضافة لتناولها جرائم الشرف.
الدور المنوط بالدول الموقعة
يتعين على الدول التي أقرت الالتزام ببنود الاتفاقية أن تتخذ حزمة من الإجراءات من بينها تدريب مقدمي الخدمات للناجيات من العنف، وتنفيذ حملات توعية بشكل منتظم وثابت، واتخاذ خطوات لإدراج المساواة بين الجنسين في المناهج الدراسية، وتكثيف التعاون مع المنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى إشراك وسائل الإعلام والقطاع الخاص في القضاء على القوالب النمطية وتعزيز الاحترام المتبادل بين الجنسين.
وتلزم المادة (11) الدول الأطراف في الاتفاقية بجمع البيانات والأرقام المتعلقة بكافة ظواهر العنف التي تشملها اتفاقية اسطنبول على فترات منتظمة والإعلان عنها بصفة دورية، بالإضافة إلى دعم الأبحاث في مجال العنف ضد المرأة للوقوف على الأسباب الجذرية وراء تفشيه ودراسة الآثار المترتبة عليه، وحصر الوقائع ومعدلات الإدانة لمعرفة إلى مدى تصل فعالية التدابير المتخذة لتنفيذ الاتفاقية.
وتقضي المادة (13) بحتمية تنفيذ الحكومات أو تشجيعها للحملات وبرامج التوعية، إلى جانب التعاون مع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والهيئات المتخصصة في مجال المساواة الجندرية والمنظمات الغير حكومية وخاصة النسوية منها، بهدف زيادة الوعي لدى عامة الشعوب، كما وترسخ المادة (30) حق الناجيات من العنف في المطالبة بتعويضات من مرتكبي أي جريمة عنف منصوص عليها في الاتفاقية.
أما عن زواج الفتيات بالإكراه فتنص المادة (37) على وجوب اتخاذ التدابير التشريعية أو غيرها من التدابير لتجريم الإكراه على الزواج، وتمنع المادة (42) التبرير غير المقبول للجرائم التي تسمى بجرائم الشرف، مع وجوب ضمان ألا يصدر حكم قضائي أو يتخذ إجراء جنائي عقب ارتكاب أحد أعمال العنف التي ذكرت في الاتفاقية، باعتباره مبرراً بحكم الثقافة والتقاليد أو العرف أو الدين.
ارتفاع نسبة العنف ضد النساء
وعلى الرغم من توقيع بعض الدول الأوروبية على اتفاقية اسطنبول، إلا أن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة كشف عبر دراسة له صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أن أكثر من نصف النساء اللواتي قتلن حول العالم خلال عام 2018 تعرضن لعنف أسري سواءً من الشركاء أو أحد أفراد الأسرة، أي أن أعداد النساء اللواتي تتعرضن لعنف أسري في تزايد، كما وتشير التقديرات إلى أن 35% من النساء حول العالم قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن أو على يد غير شركائهن.
وبحسب تقارير رسمية وغير رسمية تتعرض امرأة كل ثلاثة أيام للقتل على أيدي أحد الأقارب في فرنسا، وقد لقيت 100 امرأة حتفها منذ كانون الثاني/يناير 2019 وحتى آب/أغسطس 2019 نتيجة العنف والاعتداءات الجنسية، وبحسب مجموعة من الناشطات المختصات بمراقبة وإحصاء جرائم القتل بحق النساء فإن 149 امرأة تعرضن للقتل خلال عام 2019، وقد كشفت تقارير عن مقتل 121 امرأة في فرنسا عام 2018 جراء العنف الأسري.
أما بالنسبة إلى ألمانيا التي تحفظت على بنود اتفاقية اسطنبول فقد بلغت نسبة المتضررات اللواتي قدمن اللجوء إلى ألمانيا 53% ما بين شهري كانون الثاني/يناير 2019 وحزيران/يونيو 2019، و80% منهن كن قاصرات، وقد صدر في وقت سابق خلال حزيران/يونيو 2018 ما يقارب 420 قراراً قضائياً بتوفير الحماية الفورية لضحايا العنف الأسري نتيجة ارتفاع معدلات الإبلاغ عن العنف.
بينما تركيا التي كانت أول من وقعت وصادقت على اتفاقية اسطنبول، فقد شهد عام 2020 ارتفاعاً في حالات العنف ضد النساء خاصة في ظل وباء كورونا وفرض الحجر المنزلي، فبحسب وكالة "بيانيت" المختصة بحقوق الإنسان في تركيا، قتلت حوالي 253 امرأة علاوة على تعرض 715 امرأة للتعنيف.
فيما أعلنت جمعية "سنوقف قتل النساء" عن وفاة 29 امرأة في تركيا خلال حوادث عنف فضلاً عن وفاة 10 نساء في ظروف مريبة فقط خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من ذات العام، وبحسب الجمعية شهد عام 2019 مقتل 214 امرأة على أيدي شركائهن، فيما قتلت 440 امرأة في عام 2018، وفي عام 2014 قتلت 300 امرأة نتيجة العنف الأسري الممارس عليهن أو بما يسمى بـ "جرائم الشرف".
وبالرغم من الارتفاع المتزايد في حالات العنف الأسري اتجهت تركيا منذ منتصف عام 2020 إلى دراسة خطة الانسحاب من اتفاقية اسطنبول إلا أنها لم تعلن عن النتيجة حتى كتابة هذا التقرير. في حين أعلنت بولندا انسحابها من الاتفاقية أواخر تموز/يوليو 2020.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية فإن إسبانيا التي تعد من الدول التي تشهد أقل نسب حول العنف ضد المرأة، قتلت 44 امرأة خلال عام 2018 نتيجة تعرضهن للعنف الأسري على أيدي شركائهن. وفي الأرجنتين قتلت 12 امرأة منذ فرض الصحي الإلزامي على خلفية العنف الأسري خلال عام 2020.
وعلى صعيد الدول العربية التي لم توقع على اتفاقية اسطنبول، فإن المنظمات الغير حكومية تعمل على الضغط على تلك الحكومات للتوقيع على الاتفاقية والمصادقة عليها، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2016 أطلقت الشبكة "الأورو ـ متوسطية" لحقوق الإنسان في تونس حملة هدفت إلى التعبئة والحشد من أجل التأثير على صناع القرار والوصول إلى المصادقة على الاتفاقية.
أما مصر فبقيت بعيدة كل البعد عن الاتفاقية على مستوى الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، في وقت ارتفعت فيه معدلات العنف ضد النساء في البلاد، حيث تشير تقارير إلى خضوع 27،7 مليون امرأة في مصر لعملية تشويه الأعضاء التناسلية أو ما يعرف بـ "ختان الإناث"، كما وأشارت تقارير إلى أنه هناك ما يقارب 750 مليون امرأة وفتاة تزوجن قبل إتمام عامهن الـ 18.
وبالنسبة إلى لبنان بالرغم من اعتماد قانون تجريم العنف الأسري في عام 2014 إلا أنه لم يتم تجريم الاغتصاب على يد الشريك، كما وتقتل امرأة واحدة على يد زوجها كل شهر، وفي ليبيا يتيح القانون الجنائي للمغتصب الإفلات من المقاضاة إذا تزوج المرأة التي اغتصبها، وبذلك تتضخم قضية العنف ضد المرأة.
وعلى الرغم من اتخاذ الدول سلسلة من التدابير التي تهدف إلى الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة والعنف الأسري، إلا أنه ما زالت بعض قوانين العقوبات في العالم المبنية على أساس السلطة الذكورية تعطي الرجل أو الزوج العذر المخفف إذا قتل "زوجته، والدته، أخته" أو مارس العنف عليها.