أطفال قيد التعذيب والتعنيف تحت مظلة قانون قاصر
كل ما يحدث من خراب في المجتمع يرمي بظلاله على أضعف حلقاته، لذلك أصبح الطفل هو أكثر المتضررين من تخلف النظام المجتمعي المرتبط بخلل القانون في التعامل مع قضايا التعنيف والترهيب على مستوى الأسرة
غفران الراضي
بغداد ـ ، ليكون الطفل هو بطل حلقة من برنامج تلفزيوني أو تقرير إخباري يسلط الضوء على تعنيف أو تعذيب الطفل من قبل والده أو أحد أقربائه ليأخذ الموضوع صداه ليوم أو يومين ثم يحتل الرأي العام موضوع آخر أو قضية أخرى وتتوالى الأحداث.
لتبقى قصص التعنيف والخوف تشغل حياة ضحاياها خلف أبواب مغلقة وسر مفضوح تحت سلطة الأسرة، فلا شيء ينقذك من بطش الأب أو مرضه النفسي وقساوته ولا حتى القانون، هذا ما تؤكده (ن. م) ربة منزل تبلغ من العمر ٣٠ عاماً وأم لطفلين يبلغ الأول ست سنوات والثاني ثلاث سنوات.
تتحدث عن التعنيف اليومي الذي يتعرض له طفليها على يد والدهما الذي يصب غضبه عليهما دون رحمة ولأتفه الأسباب "لم ينفع تدخل الأهل في إنقاذهم بينما هناك رأي آخر لأقرباء الأب بقولهم إن من حق والدهم أن يعلمهم الصواب من الخطأ والضرب مفيد للتربية"، بحسب كلام والدتهم التي ذاقت الخيبة من نجدتهم دون جدوى، مما اضطرها إلى اللجوء لمؤسسات حكومية لدرء الخطر عن أولادها لكن الرد كان "أمور عائلية يجب أن تحليها مع زوجك ودياً".
بينما تجد ن. م أن خيار الطلاق أصعب من البقاء بقولها "حاولت أن أطلب الطلاق وأعيش مع أطفالي، لكن قوبلت برفض المساومة مع زوجي من قبل أهلي، لأنه سيأخذ أطفالي بحكم العشيرة، ومن جانب آخر تجد عائلتي أن تصرف زوجي طبيعي وله كامل الحرية في كيفية التعامل مع أطفاله، ولا يعيبه شيء كونه يلبي احتياجات الأطفال من طعام ولباس".
أما (س. ج) امرأة مطلقة وأم لطفلة تبلغ من العمر ٥ سنوات، عاشت تحت حكم التعنيف الأسري الذي طالهما من قبل زوجها لمدة عامين، التعنيف الذي خلف عاهة مستديمة للطفلة التي فقدت حاسة الرؤية في إحدى عينيها نتيجة الضرب المتكرر على رأسها.
تقول س. ج "كنت أحمي طفلتي بجسدي لتطالني كل الضربات حتى لا يصيبها مكروه، لكن وفي أحد الأيام أراد زوجي أن يؤلمني أكثر بابنتي حيث أدخلني إحدى الغرف وأغلق الباب عليَّ، ثم أمسك بالطفلة وضربها بقوة، وبدأت بالصراخ داخل الغرفة لأني لا أقوى على كسر الباب".
لم تستطع س. ج تذكر الحادثة دون أن تذرف الدموع لتضيف "كانت المرة الأخيرة التي أتحمل بها نوبات غضبه الغير منطقية، فقررت الهرب مع ابنتي لاحميها منه، لأنه لم يكن أب لابنتي بل كان عدو لها".
وعن أكثر الفترات التي تشعر بالخوف فيها هي الفترات التي تجري بها مناورات برلمانية لتعديل قانون الحضانة، فتقول "إنه أمر مرعب كيف لأب معنف لزوجته وابنته أن يحصل على حضانة طفلة فقدت جزء من حاسة النظر بسبب لحظات غضبه الهستيرية، أفضل الموت على تطبيق هذا القانون".
تنص المادة 57 لعام 1959 من قانون الأحوال الشخصية أن الأم أحق بحضانة أبنائها وتربيتهم في حال الطلاق، ما لم يتضرر المحضون من ذلك، مع اشتراط أن تكون الحاضنة بالغة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها مرة أخرى، لكن في تموز/يوليو الجاري طرح مقترح لتعديل المادة 57 بذريعة تطوير الأوضاع الحقوقية للمرأة.
بينما كان لـ (ر. م) البالغة من العمر 15 عاماً وهي يتيمة الأم حياة مختلفة وهي تتحدث عن التعنيف اللفظي والجسدي الذي تتعرض له من قبل أبناء عمها وأقاربها خصوصاً بعد زواج أبيها واستقراره في بيت آخر مع زوجته، "اعتدت التعرض للضرب والتعنيف ومناداتي بعبارات مسيئة منذ كنت طفلة، وخاصة بعد أن توفيت والدتي وأنا في السابعة من عمري، كما أنني أقوم بأعمال المنزل وعلى الرغم من ذلك تتم معاقبتي إن لم أقم بالعمل على أكمل وجه".
وبعد تردد تضيف ر. م "اتعرض للمضايقات من قبل أبناء عمومتي لدرجة أنهم أحياناً يتحسسون مناطق في جسدي بحجة المزاح، ويطلبون مني أمور أرفض القيام بها فيتهمونني بأشياء لم أفعلها، فتنهال أمهاتهم عليَّ بالضرب والشتيمة، لا أعرف لكن أشعر أن ما أعيشه كابوس طويل لا ينتهي".
وعن سؤالها عن عدم لجوئها إلى الشرطة المجتمعية أو إلى الجهات الحكومية، قالت إن شعورها بالخوف هو ما يجعلها ترفض الفكرة مبررة ذلك أنها لا تريد أن تعيش في دار للأيتام أو المشردين أو أن تبقى في الشارع.
وللوقوف على دور القانون والناشطات والمهتمات بقضايا المرأة والطفل كان لنا لقاء مع القانونية والناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل زينة أبو قلام، التي أكدت بدورها على ضعف دور القانون العراقي في حماية المرأة والطفل بقولها "لا يمتلك العراق حتى الآن قانوناً يعاقب على العنف الأسري، حيث يعتمد على مواد قانونية تسمح للأب بتأديب ابنه والزوج بتأديب زوجته من خلال الضرب، إذا لم يتجاوز حدود الشرع".
مبينة أساس ذلك في المادة ٤١ من قانون العقوبات والتي تنص على "لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالاً للحق تأديب الآباء لأبنائهم وحتى المعلمين للأولاد القُصَر، حيث يعتبروه مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً وهذه المادة تدفع الشرطة لاعتماد أسلوب المصالحة بين الطرفين لإنهاء النزاعات الأسرية".
وعن أهمية تشريع قانون حماية المرأة والطفل تجد زينة أبو قلام أن هناك نقص تشريعي بخصوص هذا الجانب، مؤكدة حاجة العراق إلى وقفة جدية لتشريع قانون حماية الطفل من العنف الأسري خاصة أن العراق من الموقعين على اتفاقية حقوق الطفل الدولية والتي تضمن حق الطفل وسلامته.
واتفاقية حقوق الطفل تم المصادقة عليها من قبل غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأدرجتها الجمعية العامة ضمن القانون الدولي عام 1989، لكنها دخلت حيز التنفيذ عام 1990، وتعترف الاتفاقية بأنه لكل طفل حقوق أساسية منها الحق في الحياة والحصول على اسم وجنسية، وحقه في التعبير عن رأيه وحمايته من التنكيل والاستغلال، أي تتمحور الاتفاقية حول كافة حقوقه واحتياجاته وتطالب الدول الموقعة أن تتصرف بما يتوافق مع مصلحة الطفل المثلى.
وتضيف أن "الدستور قد ساوى بين الرجل والمرأة بحسب المادة ١٤وبذلك يكون تعنيفها خرق واضح"، بينما تحذر زينة أبو قلام من تفاقم العنف الأسري وجرائم القتل والتعنيف ضد الأطفال والنساء وحدوث كارثة إنسانية، حيث تضيف على ذلك مدى تعقيد قضايا العنف الأسري بقولها "لطالما ارتكبت جرائم قتل وحرق ضد الأبناء أو الزوجات وتم تشكل لجان تحقيقية، لكن في النهاية يتم حلها بوساطة عشائرية والوصول إلى تسويه خارج نطاق القضاء".
وفي ختام حديثها أكدت القانونية والناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل زينة أبو قلام على ضرورة تشريع قانون لحماية الطفل في العراق ولابد من ضغط دولي لحقوق الإنسان خاصة بعد تفاقم جرائم القتل والتعنيف بحق الأطفال والنساء.